أصوليون منحرفون في صفحاتهم الإلكترونية
خليل الفزيع
الأصولية سمة التصقت برجال الدين المتمسكين بأصوله وقواعده وتعاليمه، لا يحيدون عنها قيد أنملة، منافحين عن حومة الدين ومدافعين عن حياضه، بكل ما أتوا من قوة في الرأي، وصلابة في الموقف، يدفعون الحجة بالحجة، ويدمغون التجديف بالبرهان القاطع، دون ضجيج قد يفقدهم الاتزان، ودون انفعال قد يقودهم إلى الغلو ودون توتر يفضي بهم إلى فقدان الهيبة والاحترام، ودون تسلط مقيت أو إقصاء مرفوض، أو تجاهل حقائق معاشة ومعطيات تفرضها الوحدة الوطنية حينا، وتفرضها الظروف الإقليمية والدولية حينا آخر، وفي كل الأحيان تفرضها تعاليم الدين بما في هذه التعاليم من تسامح وحكمة وموعظة حسنة.
وقد حفظت الأصولية المعتدلة للدين دوره في إنقاذ الأمة من ويلات التغريب وحمايتها من رياح الضلال، وقد اتسم رجال الدين الأتقياء بالتسامح ولين الجانب والتمسك بالخلق الكريم وحسن المعشر وكرم النفس وعلو الهمة والترفع عن الخلافات والنزاعات، والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان على خلق عظيم اقتدى به السلف الصالح والتابعون وتابعو التابعين، ولا تزال الأمة بخير مادام بها علماء بأيهم اقتدينا اهتدينا.
لكن ـ وما أقسى لكن هنا ـ بعض الأصوليين تبلغ بهم الحماسة إلى حد الانحراف الفكري دون تعقل أو تفكر في العواقب.. وما يمكن أن تجره هذه المواقف من فتن تدفع ثمنها الأمة غاليا من تفرق أبنائها وتناحرهم وشتات جهودهم، وقلقهم الدائم، وهي نتائج لا يمكن أن يقرها عاقل يفكر في مصلحة الوطن، ويسعى لخير الأمة واتحاد كلمة أبنائها، وتوحيد صفوفها، لمواجهة أعدائها، وإحباط المؤامرات التي تحاك ضدها، ولا تملك لها ردا إلا بوحدة الكلمة والصف، والتعاون على البر والتقوى، في ظلال الإسلام الوارفة، التي عاشت في حمايته أديان شتى، ومذاهب لا تحصى، وفتح الأبواب لاجتهاد أبنائه لما فيه خير الأمة، ووحدتها وكرامة أبنائها.
هؤلاء الأصوليون المنحرفون بتشددهم الأعمى، وبتكفيرهم لمن سواهم من المسلمين، وهجومهم الشرس على من يختلف معهم في الرأي وبغلوهم وتطرفهم وتسفيههم لمن هم على غير ملتهم هم وباء على الأمة، وشر على حاضرها ومستقبلها، ولأنهم يدركون خطورة اللعبة التي يلعبونها استعاروا أسماء مزيفة وألقابا يتسترون بها خوفا من نقمة السلطة، وهروبا من المساءلة، ولأن وسائل الإعلام المعروفة ترفض انحرافهم فقد وجدوا في الإنترنت ضالتهم ليبثوا سمومهم عبر مدونات وصفحات الكترونية أشبه بالمستنقعات الكريهة الرائحة التي تبعث على الغثيان لكل من يمرون بها، وهم بهذا الانحراف الفكري الموغل في التطرف، يتجاهلون وعي المتصفحين لما يبثون من سموم، وما ينشرون من أسباب الفتنة والضلال، وتكريس الطائفية والمذهبية والفتن.
وقد فرضت القوانين في كل الدول عقابا صارما على كل يسيء لوحدتها الوطنية ويثير الفتن بين أبنا الوطن الواحد، وهؤلاء وإن تحدثوا باسم الدين، لكنهم غير بعيدين عن طائلة العقاب، والأولى أن يجابهوا بالعقاب الصارم لأنهم أشد خطرا على الإسلام من أعدائه، وأكثر إساءة للإسلام وللمسلمين من المتربصين به والمتآمرين عليه.
فمن يردع هؤلاء المنحرفين فكريا عن غيهم.
التعليقات (0)