أصل الكنعانيين
ردا على رسالة من المدون عبد الباقي فكايري
سيدي الفاضل.. عندما تستهل مقالتك بالقول:
(إن مدينة أورشليم عربية المنشأ والتطور فقد أسسها العرب الكنعانيون الذين سكنوا فلسطين في الألف الثالث قبل الميلاد، وقد قدم إليها العرب الساميون في هجرتين كبيرتين)..
فانك تكون قد وقعت انت ايضا في شرك الخلط بين الكنعانيين والعرب. أكرر ما قلته سابقا، والقول ليس لي على أية حال وانما أنقله للأمانة التاريخية ...
لم يثبت بالأدلة الواضحة والدامغة أصل الكنعانيين، وظلت النظرية السائدة تقول إن أصل الكنعانيين يعود الى جزيرة العرب، حتى قامت كوكبة من الباحثين الذين أفنوا سنوات في تحري أصول وجذور الكنعانيين، أذكر منهم الدكتور خزعل الماجدي ـ شاعر عراقيّ حاصل على شهـادة الدكتوراه في التاريخ القديم، عمل استاذاً جامعياً في جامعة درنة في ليبيا، يقول إن الغموض يكتنف الكثير من الأمور حول الكنعانيين، من أين أتوا وما هي علاقاتهم بالحضارات التي عاشت في زمنهم، وأين انتشروا ؟ ويعود ذلك لقلة الحفريات التي تجيب بوضوح عن تلك الأسئلة. وقد كتب الدكتور خزعل الماجدي كتابا تحت عنوان (المعتقدات الكنعانية) صدر عن دار الشروق في عمان عام 2001 ، ويقع في 306 صفحات من القطع المتوسط. استعرض المؤلف الأسماء القديمة المحتملة للكنعانيين في تراث الحضارات الأخرى التي عاصرت أو تلت حقبة الكنعانيين، مثل تراث الاكديين، والمصريين، والكنعانيين أنفسهم، والعبرانيين، والعرب، والحوريين، والاغريق، والرومان.
وحول مراحل التأريخ الكنعاني يقول الدكتور الماجدي إن التقديرات في التاريخ قد تخطئ بمدة قد تصل الى 5000 سنة، وهذا لاضطراب الموجود من الدلائل حول بداية نشأة الكنعانيين وموطنهم الأصلي .. ويستردف قائلا " قد تكون نظرية أن الكنعانيين أصلهم من جزيرة العرب، هي الأكثر شيوعا بين النظريات، لا للكنعانيين وحدهم بل ذهب كثير من العلماء أن أصل الساميين كلهم من جزيرة العرب، وهي نظرية أقرب للاعتقاد منها للحقيقة لندرة الوقائع المدونة بالنقوش والآثار.. وطرح العلاَمة (سترابون) رأيا يقول : إن سكان الخليج العربي كانوا يسمون مدنهم بأسماء المدن الكنعانية (صور، صيدا، أرواد، جبيل ) ورجح أن تكون تلك المدن أقدم من التي على سواحل المتوسط .. كما أن معابدهم القديمة، تتشابه مع معابد الكنعانيين .. فافترض أن الهجرة تمت من الخليج العربي باتجاه البصرة ثم بلاد الشام. وتبنى (هيرودوت) رأيا يقول إن أصل الكنعانيين ربما يكون من سواحل البحر الأحمر باعتبار أن طبائع الكنعانيين والفينيقيين وهم اسمان لشعب واحد، هي طبائع ساحلية، فافترض أنهم قدموا من سواحل البحر الأحمر. وظهر في بعض وثائق (رأس شمرا) ما يشير الى أن الكنعانيين قدموا من شبه جزيرة سيناء أو من النقب. وكان للعلاقة المتميزة بين الكنعانيين و المصريين أثر كبير في ظهور رأي قديم مفاده أنهما من أصل واحد.
ويسترسل الخزعلي بالقول: لقد لاحظنا في الآراء السابقة أنها مرتجة غير مقنعة كثيرا، فلنحاول الآن التعرض لفرضية أن الكنعانيين قد نشئوا في وادي الرافدين، شأنهم في ذلك شأن كل العرق السامي..وكانوا والأموريون يعيشون في المناطق غير الإروائية وهذه المناطق من الصعوبة بمكان تحديدها بشكل دقيق، إلا أنه يحتمل أن تكون على الجانب الغربي من نهر الفرات، وعلى بعد معين.. والأموريون أقدم من الكنعانيين ..
ويستفيض الخزعلي في محاولاته إثبات هذه النظرية، واصفا كيف بدأت الهجرة الكنعانية الاولى من السواحل العراقية للخليج العربي وضفاف الفرات الجنوبي، أما الهجرة الثانية، فكانت برا باتجاه المناطق التي عرفت فيما بعد باسم ارض اسرائيل ثم فلسطين، مباشرة، وقد أسسوا أو سكنوا مدنا برية مثل قادش وبيت شان وشكيم وأريحا وبوس (أورشليم) وبئر سبع ومجدو والسامرة .. ومدنا ساحلية مثل عكا و دور و يافا و غزة الخ..
وبالتأكيد فإن الكنعانيين لم يكونوا أول من وطئ أرض سوريا أو ارض اسرائيل، وعندما حضروا وجدوا في تلك الأرض أقواما سبقتهم فاندمج الكنعانيون مع السكان الأقدم.. ومع ذلك لم يستطيعوا تكوين دولة موحدة واحدة، بل كانت هناك دول (المدن) كما كانت منتشرة تلك الظاهرة في تلك الأزمنة، وكان لكل مدينة إلهها رغم وجود إله واحد لكل الكنعانيين.
وفي مطلع القرن الثاني عشر قبل الميلاد دخل العبرانيون ارض اسرائيل وعاشوا جنبا الى جنب مع الكنعانيين، وتداخلت الحضارتان الكنعانية والعبرانية، وتلاقحت وتفاعلت وتمازجت ، شأنها في ذلك شأن كل الحضارات المشرقية القديمة ، علما ان الشواهد على ذلك التفاعل لا تخطئها العين ليس آخرها التشابه اللغوي والثقافي والعقدي ...
وسقطت الدولة الحيثية عام 1190 ق م ، على يد قبائل غريبة عن المنطقة، هاجمت من الغرب والشمال الغربي، ويعتقد أن هذا الغزو كان جزءا من حركة الغزو والهجرة التي كانت تقوم بها القبائل الإغريقية من وسط وشمال أوروبا نزولا الى بلاد اليونان واستمرارا الى آسيا الصغرى وسواحل المتوسط الشرقية. وكان هذا الغزو يتم من خلال ثلاثة محاور : من اليونان باتجاه آسيا الصغرى، ومن كريت وقبرص، والمحور الثالث: من كريت وقبرص الى السواحل الشامية: وتكون اساسا من قبائل فلستو التي سميت فلسطين على اسمها في فترات متأخرة.. ثم انضمت إليهم القبائل المهزومة من رمسيس الثالث، لتحتل تلك القبائل مجتمعة عموم الساحل الفلسطيني، حيث احتلت (عكا و أسدود و عسقلان و جت وغزة) .. وانصهرت هنا مع قبائل بحر إيجة التي خربت (أوغاريت ) عام 1180 ق م .. والتي قضت عليها نهائيا ..
وهكذا انقسم الشريط الكنعاني الى: كنعانيين الذين سيصبح منذ تلك اللحظة اسمهم (الفينيقيين ) والفلسطينيين. وستتحالف هذه الكتلتين السياسيتين ضد العبرانيين فيما بعد. لكن العبريين استطاعوا أن يسيطروا في عهد شاؤول على البلاد برمتها عدا الساحل منها.. وكان ذلك في حدود عام 1000 ق م ..ثم اتخذت اسمها النهائي بعد انقسام مملكة داوود وسليمان الذان خلفا شاؤول، لتنشأ مملكة يهودا ومملكة اسرائيل. وأصبحت أورشليم عاصمة يهودا، واما اسرائيل فكانت عاصمتها اولا شكيم (التي أطلق عليه الرومان فيما بعد نابوليس ثم حرفها العرب الى نابلس)، ثم ترتسي وأخيرا شومرون (السامرة) التي جُدد بناءها في عهد آخاب ملك اسرائيل، وفي فترات لاحقة، وبالتحديد في القرن الاول ق.م ، قام هوردوس الوالي الروماني ببنائها من جديد وسماها على اسم الامبراطور الروماني سبستيانوس، ليحرفها العرب الى سبسطية. وكان هوردوس أدوميا في الأصل ثم اعتنق الديانة اليهودية بعد زواجه من مريام اليهودية الحشمونية..
التعليقات (0)