أستمراراً لتداعيات فضيحة التحرش الجنسي التي هزت الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا ومختلف أنحاء العالم، وافق بابا الفاتيكان، بندكتس السادس عشر اليوم ، على استقالة أسقف بلجيكي، متهم بـ"التحرش" بطفل، حينما كان يعمل كاهناً بإحدى الكنائس .
كما أعلن رجل أمريكي يقول انه تعرض للاعتداء عندما كان طفلا من قبل احد القساوسه الامريكيين أنه سيرفع دعوى قضائية ضد البابا بينديكتوس السادس عشر وضد الفاتيكان أمام محكمة فدرالية أمريكية.
ويطالب محامو الرجل الكنيسة الكاثوليكية بالكشف عن أي ملفات سرية لديها حول أي قضية تتعلق بالاعتداء على الأطفال من قبل قساوسة .
كما قدم أهالي ضحايا أعتداءات جنسية شكاوى ضد ثلاث من القساوسة في البرازيل يوم أمس .
ويأتي هذا كله بعد أن طالت الفضائح الجنسية أو التستر عليها في الكثير من بلدان اوربا قساوسة بارزين كان أهمهم أحد أبرز الأساقفة في أيرلندا، اللذي قدم استقالته إلى البابا بيندكت السادس عشر، بعد فضائح الاعتداءات الجنسية على الأطفال ، والتي تنوء تحتها الكنيسة الكاثوليكية في البلاد، طالبا "الصفح والمغفرة" ؟ .
ولقد أعلن الفاتيكان، قبل ايام ، إنه بصدد إرساء قواعد وضوابط لإصلاح نظامه بشأن التعامل مع اتهامات الاعتداء الجنسي التي يتورط فيها كهنة في الكنائس .
وقال الفاتيكان، إن هيئة الكنيسة الكاثوليكية التي تتعامل مع مثل تلك الادعاءات (التحرش الجنسي) تعمل على تحديث النظام الذي يعود لعام 2001 .
لايمكن أن نركن الى الكلام عن خلل يكمن في النظام اللذي يعود للعام 2001 . فمن الواضح من أنتشار ظاهرة التحرش الجنسي في كل أنحاء العالم تقريبا أن هناك خللا كبيرا يجبر هؤلاء اللذين رهنوا انفسهم لخدمة الدين المسيحي على الأنحراف الجنسي .
لو نظرنا الى التأريخ المسيحي فسنجد أن الرهبنة المسيحية الموجودة الآن لم تكن موجودة في القرون الأولى بعد أن أتم سيدنا المسيح عليه السلام دعوته الى العالمين برفعه الى السماء بأرادة الله وامره .
كتب المؤرخ المسيحي " الأرشمندريت أغناطيوس ديك " .
(( نشأت الكنيسة أولاً في بيئة يهودية في مدينة القدس، ولم يكن المسيحيون الأولون يتميزون خارجياً عن سائر اليهود. فيسوع القائم من الأموات هو المسيح المنتظر الذي حقق كل ما يتوق إليه شعب العهد القديم: "لم آت لأنقض بل لأتمم" كانوا يواظبون على الصلاة في الهيكل ويعملون بشريعة موسى وتميزوا عن سائر اليهود: بإيمانهم بيسوع القائم من بين الاموات - وبالمعمودية باسمه - وباجتماعاتهم الخاصة لكسر الخبز (الافخارستيا) .
وتبين هذا الفارق الاول لما عارض زعماء اليهود الرسل واضطهدوهم لمناداتهم باسم يسوع، ولما انضمّ إلى جماعة المؤمنين أناس من أصل وثني تقرر رسمياً إعفاءهم من الشريعة الموسوية في مجمع القدس ، وظل المسيحيون من أصل يهودي يمارسون الشريعة اليهودية ثم تخلّوا عنها رغم معارضة أنصار الختان، ويتجلّى ذلك في رسائل القديس بولس، فالمسيح حررنا من عبودية الناموس. واعطي المؤمنون اسماً خاصاُ بهم ودعوا مسيحيين وكان ذلك في انطاكية. ولم يشترك المسيحيون بثورة اليهود ضد الرومان وانقطعت العلاقات بين المسيحيين واليهود بعد هدم هيكل أورشليم , إنما ظلت الكنيسة متمسكة بأسفار العهد القديم التي تسلمتها من اليهود، فالعهدان متكاملان. وحرمت رأي المغالين مثل مرقيون (أواسط القرن الثاني) الذي رفض كتب العهد القديم واّدعى أن إله العهد القديم شرير وهو غير إله العهد الجديد )) .
وهنا يتبين بوضوح أن الشريعة المسيحية قد جائت مكملة للشريعة اليهودية كما يقول المؤرخ . ولا يوجد في اليهودية أو بأي من الأديان السماوية السابقة مثل الحنفية والصابئية اللتي جاء بها سيدنا أدريس من الله اللذي أرسل له الوحي بالزبور اي أخبار عن الرهبانية المسيحية او ما يقاربها من الأشكال التعبدية .
الأمر اللذي يؤيد بوضوح ما جاء به القرآن من تأكيد ان الرهبانية المسيحية الحالية هي أبتداع متأخر ، قام به رجال دين مسيحيين وطوروه في أزمان متأخرة بقرون عن سيدنا المسيح علي السلام . (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم) (الحديد: 27) .
قسم المؤرخ مارك التأريخ المسيحي الأول الى قسمين رئيسين . قسم أسماه بعصر الرسل ووصفه بأنه ، ((كان متميزاً لأن الرسل كانوا شهود عيان للقيامة ولكرازة الإنجيل ومع موت آخرهم يوحنا انتهى وحي العهد الجديد، ودونت مذكراتهم ورسائلهم في مجموعة تبلورت في القرن الثاني وشكلت لائحة العهد الجديد "قانون موراتوري". ونصّب الرسل من يخلفهم في إدارة الكنيسة ليسلّموا لمن بعدهم ما تسلّموه من الرسل: تعليم الإنجيل والتقليد الكنسي .
هؤلاء هم الأساقفة الذين تتابعت سلسلتهم منذ عهد الرسل ومهمتهم الأولى الحفاظ على صحة التعليم المورث من الرسل . وقد اندسّ في صفوف المسيحيين من علّموا آرائهم الخاصة فحاولوا تفريغ السر المسيحي ليساير مفهوم العقل البشري "المغالطات الثالوثية" أو من مزجوا بين المسيحية واليهودية "الأبيونيون" أو بين المسيحية والوثنية والفلسفة الأفلاطونية "أهل العرفان" أو بين المسيحية والزرداشتية ديانة الفرس "المانويون".
ومنهم بعض المغالين الذين نادوا بحلول الروح القدس فيهم بشكل خاص وبانتهاء العالم والعدول عن أمور الجسد "المونتانيون". فنبذوا من جسم الكنيسة الجامعة وسمّوا هراطقة. وأشهر من قاومهم القديس ايريناوس أسقف ليون "203م" في كتابه "ضد البدع" فأظهر أن التعليم الصحيح متواجد في الكنائس التي ترتبط سلسلة أساقفتها بالرسل، والكنيسة الأهم بينها كنيسة روما )) .
وقسم آخر حصره المؤرخ بين عامي 313 – 632 ميلادية . وصف أحداثه كالتالي .
(( الحقبة التالية من العصر القديم من مرسوم ميلانو 313 إلى انتشار الإسلام هي حقبة نضوج الكنيسة الأولى. نالت الكنيسة الحرية واعترف بها رسمياً الإمبراطور قسطنطين (مرسوم ميلانو 313). ثم اندحرت الوثنية امامها وأصبحت الدين الرسمي للإمبراطورية (ثاوذوسيوس) .
وقامت الكنائس الفخمة بهمة الدولة. (كنيسة القيامة في القدس – كنيسة القديس سمعان العمودي قرب حلب – كنيسة آجيا صوفيا في القسطنطينية) وتحددت العقيدة رسمياً في ما يخص سر الثالوث الأقدس والتجسّد في المجامع المسكونية لا سيما الأربعة الأولى. وكان هذا العصر العصر الذهبي للآباء القديسين. وتنظمت الكنيسة وتشكّلت رسمياً البطريركيات والليتورجيات الكبرى، وأخذ المجتمع المدني وجهاً مسيحياً.
وبعد انتهاء عصر الشهداء والبطولات قامت الحركة الرهبانية التي انتحلها الساعون إلى الكمال. القسم الثاني من هذه الحقبة أظهر تصدعاً في الوحدة القائمة في العالم الروماني القديم . فالجرمانيون البرابرة الغزاة استولوا على القسم الغربي، وفي القسم الجنوبي الشرقي ظهر تصدّع في الوحدة الكنسية عقب المجمع الخليقدوني 451 وضعف ولاء شعوب هذه المناطق للدولة البيزنطية )) .
وهنا يتضح بوضوح من كلام المؤرخ ان الكثير من التعاليم المسيحية ومنها النظام الرهباني الحالي قد تبلورت بمعزل عن اوامر ونواهي السيد المسيح عليه السلام . ويصادق على ما جاء في سورة الحديد .
ورد في الكافي . أن امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ جائت إِلَى النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عُثْمَانَ يَصُومُ النَّهَارَ وَ يَقُومُ اللَّيْلَ .
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) مُغْضَباً يَحْمِلُ نَعْلَيْهِ حَتَّى جَاءَ إِلَى عُثْمَانَ فَوَجَدَهُ يُصَلِّي . فَانْصَرَفَ عُثْمَانُ حِينَ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
فَقَالَ لَهُ : يَا عُثْمَانُ لَمْ يُرْسِلْنِي اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّهْبَانِيَّةِ ، وَ لَكِنْ بَعَثَنِي بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّهْلَةِ السَّمْحَةِ ، أَصُومُ وَ أُصَلِّي وَ أَلْمِسُ أَهْلِي ، فَمَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي فَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي ، وَ مِنْ سُنَّتِيَ النِّكَاحُ .
لابد للكنيسة الكاثوليكية والآرثوذكسية وغيرها من الكنائس اللتي تتبع نظام الرهبنة اللذي يمنع من زواج رجال الدين أن تتخلى عن هذا النظام كما فعلت الكنيسة البروتستانتية . فالفطرة اللتي فطر الله عليها جميع البشر هي فطرة التكاثر لحفض النوع من الأنقراض . وأن أي مقاومة للطبيعة لابد وأن تنتهي بالهزيمة والفشل .
لن تجدي أي تطويرات لنظام الرهبنة اللتي يزمع الفاتيكان القيام بها في منع التحرش الجنسي في الأديرة والكنائس . ألا أذا سمح للرهابنة بتغيير طريقة حياتهم في خدمة الدين عن طريق الزواج الطبيعي اللذي سيمنع الشهوة المحللة من التحول الى شهوة حيوانية محرمة .
file:///D:/varias/صفحات%20نت/نشأة%20المسيحية%20وتطورها..%20جولة%20في%20تاريخ%20الكنيسة.htm
التعليقات (0)