رجُلٌ ظلّ يُلح على محمد صلى الله عليه وسلم ، أن يدعو له ربه ـ لما يوقن من إجابة الرب الأكرم الفورية لرسوله الكريم ـ أن يرزقه الأموال الكثيرة والطائلة .. فنصحه النبي بالعدول عن فكرته ، مرة ، ومرتان .. ولما رآى إصراره على طلب الدنيا ، رفع يديه الشريفتين إلى السماء ، ودعى ربه بقلب حزين ، أن يرزق فلان الذي يريد !..
رُزق فلان ـ الذي كان حتى لحظتها يُلقب بـ (حمامة المسجد) لمكوثه الطويل في بيوت الله ، والتي لايُغادرها إلا نادرا ، فيما يشبه الإعتكاف على الذكر والعبادة ـ بشاةٍ واحدة تكاثرت بسرعة عجيبة كسرعة الدّود .. فابتعد عن مكة الحاضرة شيئا فشيئا حتى يوفر المراتع والكلأ لرؤوس ماشيته المتزايدة .. فأصبح يغيب عن بعض الصلوات في المسجد ، حتى أصبح لايحضر إلا صلاة الجمعة ، ثم أصبح لايُرى في المسجد بتاتا !..
بعد فترة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمامة المسكينة الهاجّة ماذا صنعت ؟!.. فقيل له بأنها إبتعدت كثيرا كثيرا !.. وعند مجيء وقت تحصيل الزكاة ، أرسل إليه النبي من يحصل منه الزكاة ، فأخذ يُماطل كمن يُمانع دفعها !..
أغضب فلان مَن ظل يُلح عليه في سؤال ربه الغنى ، ولما أستجيب لهما تنكر المسؤول عن تلك الأموال للسائل الذي ما كان ليسأل عما يُدرك أنه عنه غدا لامحالة مسؤول !.. تنكر فلان لشريعة الله برمتها والتي كان يعتكف فيما مضى في المساجد من أجلها !.. تنكر للصلاة في الجماعة ، وتنكر للزكاة ، وأغضب رسول الله ، ورفض أن يأخذ منه الزكاة بعد ذلك ، وظل عليه غاضبا حتى وفاته صلى الله عليه وسلم !.. وكذلك الخلفاء من بعد رسول الله رفضوا أن يأخذوا منه الزكاة التي رفض رسول الله أخذها منه !.. فأمضى حياته مُتحسرا على أشياء كثيرة ، أكبرها الدعوة التي ضيّعها على مالٍ ضيّع به دنياه وآخرته ، وأخرجه من عشه العليل وعيشه الزلال في بيوت الله ، إلى زمهرير الفلوات والعيش الظنك في الفيافي لجمع الأموال !.. أمضى حياته وحتى آخر نفس منها ، في عذاب نفسي مرير !.. نعوذ بالله من مثله .
ماذا كان يضر فلانا لو كان دعا بحسن الخاتمة ، وبدخول الجنة التي فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر بقلب بشر ؟!.. ماذا كان سيضره لو دعى (اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ؟!..
هل تراها أمواله التي دعا بها ستنجيه من غضب الرب ورسوله عليه ؟.. وهل ستنجيه من النار غدا لو إفتدى بها ؟!..
الجوابُ يبقى مُعلقا ـ كأعمال فلانا ـ حتى يوم الحساب ، يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلب سليم ..
ورجُلٌ ظلّ يدعو الرّب أن يرزقه المال والجاه والسلطان .. وظل يُلح في السؤال ، حتى إن ملائكة السماء إستغربوا من دعائه الغزير والمتكرر كلما صعدت رزنامة الأعمال أيام الإثنين والخميس !.. ورفعوا الأمر إلى علام الغيوب الذي يعلم قبل أن يخبروه .. والكريم المعطاء الذي يُجزل في العطاء ، والذي لايرد سائلا خصوصا إذا كان ملحاحا في الدعاء !..
الرّب الحكيم يعرف أن فلانا هذا لايملك أموالا ولا جاها ولا سلطانا في لوحه المحفوظ !.. لكنه مع ذلك لن يُخيّب رجاءه فيه ، وسيجيب دعاءه !.. فقد رزقه كل ما أراد وزيادة ، لأن تلك الأموال التي دعى بها هي لأحفاده ، ولهم كتبت في اللوح المحفوظ !.. وفلانا عليه فقط إستثمارها وإنمائها والوقوف على خدمة تلك الأرصدة دون أن يستمتع بفلس واحد منها أو يتلذذ به !.. وهذا يُذكرني بحال الكثير من الأغنياء الذين مُلئت جيوبهم بالأموال الطائلة ، ومُلئت أجسامهم بالأمراض التي تمنعهم من تناول معظم الأغذية الشهية التي يتلذذ بها الفقراء الأثرياء بصحة أجسادهم !..
اللهم إني أسألك العفو والعافية .. وأسألك القناعة .. وأسألك الجنة وأعوذ بك من النار .
25 . 06 . 2011
التعليقات (0)