( ضربني و بكى. سبقني و اشتكى ). قد يكون هذا هو التعبير المناسب لقرار إسرائيل تقديم شكاية بالدولة اللبنانية في الأمم المتحدة، و ذلك بعد حادثة الإشتباك بين دورية اسرائيلية ووحدة من الجيش اللبناني في المنطقة الخاضعة لمراقبة اليونفيل على الحدود بين البلدين. لكن الأمر يبدو أكبر من مجرد مسرحية إسرائيلية، و يؤشر لتغيرات مستقبلية في عدد من المستويات في الشرق الأوسط.
اعتادت إسرائيل أن تصول و تجول في جنوب لبنان، وظل طيرانها الحربي يخرق المجال الجوي اللبناني باستمرار. لكن تداعيات حرب يوليوز 2006 مهدت الطريق أمام وضع جديد، حاولت إسرائيل أن تمسك بزمامه كالعادة من خلال قوتها العسكرية، لكن رد الجيش اللبناني على الإختراق الإسرائيلي لأراضيه شكل نقطة تحول في واقع الأمر. و يبدو أن صدمة الإسرائيليين كانت كبيرة. فقد تعودوا على استفزاز المقاومة اللبنانية في خرق متكرر للقرار الأممي 1701، لكن الوضع الدولي المضطرب و السياق الداخلي في لبنان أجبرت حزب الله على ضبط النفس في عدة مناسبات. لذلك فإن التوغل الإسرائيلي في الأراضي اللبنانية جاء في سياق جس النبض و انتظار رد الحزب. لكن المفاجأة جاءت من الجيش اللبناني هذه المرة.
بموجب القرار 1701 الذي أنهى حرب يوليوز 2006، تشكلت قوات دولية في ما يسمى بالشريط الأزرق بين لبنان و إسرائيل من أجل الحفاظ على وقف إطلاق النار. و المهمة الأساسية لقوات اليونفيل التي نص عليها القرار الأممي المذكور هي: مؤازرة الجيش اللبناني في مراقبة الحدود. و لا يخفى أن المستهدف الأول من هذه الصياغة هو حزب الله. و يبدو أن الجيش اللبناني أراد من خلال رده العسكري على التوغل الإسرائيلي في أراضيه من أجل اقتلاع بعض الأشجار و تنصيب كاميرات للمراقبة، أراد أن يثبت قدرته على حماية حدوده. و نقرأ في ذلك رسالتين الأولى موجهة لإسرائيل نفسها، و الثانية موجهة لحزب الله. لكن الرسالة الخاصة بالحزب، وإن كانت تبدو ظاهريا عملية لسحب البساط من تحت أقدام حسن نصر الله، فإنها في العمق تقوي خيار المقاومة، و تبرز في الوقت ذاته أن الدولة ممثلة في جناحها العسكري قادرة على حماية أراضيها. و هو ما يتناغم عمليا على الأقل مع ما يعلن عنه الحزب باستمرار عندما يقول أن سلاحه موجه لمقاومة الاحتلال.و هذا يعني أيضا أن الجيش سيكون طرفا مباشرا في حالة اندلاع حرب جديدة في المنطقة، وحينها ستنال المقاومة مزيدا من المساندة التي افتقدتها في الحرب الأخيرة.
إن لجوء إسرائيل إلى الأمم المتحدة يأتي في سياق تغيرات في واقع الحال بالمنطقة. و يبدو أن لجوء تل أبيب للخيار الديبلوماسي هو محاولة للانتقال إلى وضع إقليمي جديد. إذ اتضح أن القوة العسكرية لم تعد تشكل الفارق الاستراتيجي الذي يؤمن السلام لإسرائيل. و كل مغامرة عسكرية غير محسوبة قد تضعف الموقف الإسرائيلي، خصوصا و أن لبنان يشكل بركانا يهدد المنطقة بالانفجار في كل لحظة. و اسرائيل توجد دائما في قلب الواقع اللبناني في زمن الحرب كما في زمن السلام. و الورقة التي تلوح بها تل أبيب في توجهها الديبلوماسي المفاجئ هي مطالبتها من قوات اليونفيل السماح لها بتنصيب كاميرات في المنطقة التي تخضع لمراقبة أممية، لكن الجيش اللبناني رفض هذا الطلب مرتين، فبادر الإسرائيليون إلى التوغل بقرار فردي متحدي للبنان. و ما يعزز الموقف الإسرائيلي هو ما صرحت به قوات اليونفيل التي قالت إن الجنود الإسرائيليين كانوا داخل أراضي اسرائيلية وقت حدوث الإشتباك.
وبغض النظر عن طبيعة تعاطي المنتظم الأممي مع هذه القضية، خصوصا و أن الاتهامات متبادلة بين الطرفين المعنيين، فإن المؤكد أن التوجه الإسرائيلي اللافت إلى الأمم المتحدة، يسجل لمرحلة جديدة في التعامل مع الوضع في الشرق الأوسط مستقبلا. لكن الوصول إلى رؤية واضحة مازالت غير متاحة حتى ولو اقتلعت إسرائيل كل الأشجار. محمد مغوتي.03/08/2010.
التعليقات (0)