دارت في طول ألمانيا و عرضها قبل فترة ـ و ربما لا تزال ـ قصة ثمانين طُناً من المساعدات الإنسانية التي قيل بأن جهة ألمانية ما قدمتها كمُساعدات عاجلة إلى سريه كانْيه. كان كل من يتصل مع الكل يضعه في أجواء أن (أصدقائه الألمان) الذين إختاروه من دون كل الناس، قد وضعوا الشحنة ليس تحت تصرفه فحسب بل في متناول يديه، ثم يعدد لك بلهجة المتيقن المفردات: ألف و مائتي بنطال، عدد كذا أحذية ماركة كذا، و عدد كذا كنزات.. و لا ينسى ذكر الكراسي الخاصة بالمقعدين، لكنه يضيف أخيراً: ما تحتاجه شحنة المساعدات هذه لتصل إلى المدينة المنكوبة هو مبلغ إثناعشر ألف أويرو أجار نقلها، و بالمناسبة ـ يضيف قائلاً لإضافة المزيد من المصداقية لكلامه ـ ممنوع مرور الشحنة عبر الأراضي التركية كونها تحتوي مواد مستعملة، لذلك سيتم إستئجار شاحنتين في كُردستان لتوصيلها، ثم يرسم الخط الذي ستسلكه القافلة.
طريقة عرض القصة تذكر المرء برسائل ذات مضمون متشابه نتلقاها على بريدنا من أشخاص نجهلهم، يقوم هؤلاء على ما يبدو بكتابة رسالتهم باللغة الإنكليزية أصلاً، ثم يقومون بترجمتها بواسطة خدمة الترجمة في العزيز غوغل، ثم تبدأ الرسالة بـ (أسْلاموأليكم)، لكن المرء يفهم رغم تداخل الجمل و ركاكتها أن صاحبها قد بحث كثيراً عن عنواننا حتى وجده و لله الحمد، و إن له في البلد الذي نقيم فيه ملايين الدولارات ورثها أو أنها كانت نصيبه من تصفية شركة ما، و إنه يحتاج إلى مساعدتنا للحصول على تلك الأموال مقابل مبلغ محرز سنحصل عليه فيما بعد، لكن علينا و من باب المساهمة في مساعدة صاحب الرسالة للحصول على ماله، تحويل مبلغ لا يقل عن عشرة آلاف دولار إلى حسابه و ذلك كضريبة سيدفعها لإسترداد ماله، و طبعاً كل شئ بحسابه.
و هكذا بدأ الجميع رحلة البحث عن الإثني عشر ألف أويرو، و بدأ كل المعنيين بالمسألة يبحثون عن سبل تحصيل المبلغ حتى إنضم إلى جهود البحث في بعض المراحل بعض (الأبرياء) كساعين لتحصيله أو مستعدين للتبرع ببعضه، و لإن العملية طالت و إستطالت و أخذت تصدر رائحة غير ظريفة و تثير الشكوك فقد تم ترشيقها، و تم تخفيض كمية الشحنة إلى أربعين طُناً و بالتالي المبلغ المطلوب لشحنها خمسة آلاف أويرو لا غير بداعي أن شاحنة واحدة فقط تتسع لها، أخيراً تم تخفيض الشحنة إلى إثني عشر طناً فقط لكن المبلغ المطلوب أصبح بدوره بضع مئات من الأويروهات و لا من مستجيب.
اليوم هناك من يجمع التبرعات لسريه كانْيه، مدة جمع التبرعات تكفي لجفاف ألف كاني و كاني، تضم الحملة في صفوفها، بالإضافة إلى بعض الشرفاء و بعضٌ من المذكورين أعلاه، أصحاب أضخم سجل في الفشل السياسي، هل من المعقول أن يكون الفاشل سياسياً ناجحٌ إغاثياً؟
بالمناسبة، لم تحل بعد الإشكالات الخاصة بالتبرعات التي حصلت في العام 2004، و كذلك الأمر بالنسبة لما قبلها و ما بعدها، و لا زلنا نسمع القصص و الإشاعات المُقرفة.
جمع التبرعات كان يجب أن يتم قبل عشرين شهراً من الآن، كان يجب أن تكون الخزائن مليئة قبل ذلك الوقت بكثير. لكن الغريب أنه لا زال هناك من يقوم بالتجوال بين الجثث و الخرائب بعد إنتهاء المعركة ليفتش في جيب ضحية هنا و ينتزع خاتماً مع أصبع صاحبه هناك، و لا زال هناك من يسلخ جلود الضحايا ليبيعها مقابل السُحت الحرام.
أسْلاموأليكم
التعليقات (0)