أسلوب الاختيار في الدراسات الأسلوبية
الأستاذة سامية محصول
الجزائر
" شاع في الدراسات الأسلوبية أن الأسلوب اختيار choice فالمنشئ يستطيع أن يختار من إمكانيات اللغة ما يستطيع وما يرى أنه قادر على خدمة رؤيته وموقفه وما يمكن أن يكون قادرا على خلق استجابة معينة عند المتلقي " ويرى بعض الباحثين أن اللغة المعينة هي عبارة عن قائمة هائلة من الإمكانات المتاحة للتعبير ، ومن ثم فإن الأسلوب يمكن تعريفه بأنه اختيار choice أو انتقاء sélection يقوم به المنشئ لسمات لغوية معينة بغرض التعبير عن غرض معين وبشكل واضح فإن كل مؤلف يعتمد على الذخيرة العامة للغة في أي حقبة معينة وأن ما يجعل الأساليب متميزة إنما هو اختيار المفردات وتوزيعها وتشكيلها وأن تعريف الأسلوب بموجب الاختيار إنما هو تعريف شائع
الأسلوب بوصفه الاختيار الذي يحدد كل نص – ضرورة – من بين عدد معين من الإمكانيات المتضمنة في اللغة ، ومن جهة اللغة" فالأسلوب اختيار لقاموس لغوي أولا ثم اختيار للعلاقات بين عناصر القاموس ثانيا " ومن جهة التعابير" فإن الاختيار يعني وجود تعبيرين أو أكثر لهما نفس المعنى نفسه بيد أنهما يختلفان في طرائق تأديته . "والاختيار ليس متعلق بالتعبير فقط ولكن بالتفكير"
وذكر الدكتور صلاح فضل أنواع الاختيارات من الجهة الأسلوبية وهي :
- اختيار غرضه التوصيل
- اختيار موضوع الكلام
- اختيار الشفرة اللسانية على مستوى تعدد اللغات واللهجات
- اختيار نحوي على مستوى الأبنية اللسانية الخاضعة لقواعد نحوية
وكون الأسلوب عند هؤلاء الباحثين اختيارا لا يعني أن كل اختيار يقوم به المنشئ لا بد أن يكون أسلوبيا ، إذ علينا أن نميز بين نوعين مختلفين من الاختيار : اختيار محكوم بسياق المقام ، واختيار تتحكم فيه مقتضيات التعبير الخالصة ، أما النوع الأول فهو انتقاء نفعي مقامي pragmatique sélection ربما يؤثر فيه المنشئ كلمة ( أو عبارة ) على أخرى لأنها أكثر مطابقة – في رأيه – للحقيقة أو لأنه – على عكس ذلك – يريد أن يضلل سامعه أو يتفادى الاصطدام بحساسيته تجاه عبارة أو كلمة معينة ،" والسياق عنصر مهم في عملية الاختيار وان السياق يجب أن يكون نسقا متكاملا بريئا من الخلل وقادرا على تأدية العملية الإبداعية التي يتوخى المبدع نقلها إلى القارئ ولا يستطيع المنشئ أيضا أن يحدث خللا في قواعد اللغة أو معجمها لأنه محكوم بقواعدها وأصولها"
أما النوع الثاني فهو انتقاء نحوي grammatical sélection والمقصود بالنحو في هذا المصطلح قواعد اللغة بمفهومها الشامل الصوتية والصرفية والدلالية ، ونظم الجملة ، ويكون هذا الانتقاء حين يؤثر المنشئ كلمة على كلمة أو تركيبا على تركيب لأنها أصح عربية أو أدق توصيل ما يريد ويدخل تحت هذا النوع من الانتقاء كثير من موضوعات البلاغة المعروفة كالفصل والوصل والتقديم والتأخير والذكر والحذف....
غير أن الانتقاء أو الاختيار في الأسلوبية له حدود تجعله يدخل في الأسلوبية أو يكون خارجا عنها "فميز إينكفيست بين الانتماء الأسلوبي وغير الأسلوبي عند اختار ما هو صحيح نحويا من بين الإمكانات المختلفة للغة بقوله " يبدو أن الاختيار الأسلوبي هو اختيار بين الوحدات تكاد تتساوى دلاليا ، وأما غير الأسلوبي فقد يكون انتقاء بين دلالات متعددة " ، فعند الاختيار بين معاني لها دلالات متعددة فهو اختيار غير أسلوبي ، والعكس صحيح عن كان من بين دلالات تكاد تكون متساوية، وهنا تظهر الاعتباطية والقصدية في الاختيار والانتقاء، فساندريس أخرج الاختيار الاعتباطي من دائرة الأسلوبية فيقول :"إن الاختيار الأسلوبي لا يمكن أن يكون اختيارا كيفيا أو اعتباطيا إنما اختيار من دائرة محددة من الإمكانيات التعبير اللغوية التي تتناسب صياغة الفكرة المحددة " ، وتجدر الإشارة إلى أهمية ما بين الأسلوب اللغوي العفوي والأسلوب بشكل عام من العلاقة ولهذا يفرق ريفاتير بين الانتقاء العفوي النسبي الذي يقوم به المتكلم العادي للغة وبين الانتقاء الهادف الذي تؤديه التعبيرية الأسلوبية فيصور بهذه المقابلة الازدواجية الصيغتين الأسلوبيتين تصويرا مفيدا . وعند هذا نقف على ما قاله الدكتور فاتح علاق : "فليس كل اختيار يعد من الأسلوبية "
ومما سبق يرتبط الاختيار( الانتقاء) بالأسلوبية بشرط
- أن يكون غير عفوي أو اعتباطي، بل له مبرراته ومراميه.
- أن لا يكون من بين دلالات متعددة أي بينها فروق، بل من دلالات متقاربة.
- أن يرتبط بسياق مقامي نفعي.
- أن لا يتعارض الاختيار مع مقومات اللغة ( صوتي ، صرفي، تركيبي،دلالي...) بل وفقها يكون الاختيار.
وإذا انتقلنا من تميز الفروق بين الأساليب إلى الحكم والتقويم فليس بنادر أن تجد مثل هذا القارئ ينفر من أسلوب ما ، لأنه يتسم في رأيه بالجفاف أو الرتابة أو الصعوبة والتعقيد وينعطف إلى أسلوب آخر لأنه يتصف في ميزانه بالثراء والتنوع أو اليسر والتشويق وغير ذلك من الألقاب والأوصاف ، وليس بنادر أيضا أن تجد اتفاقا في الحكم على بعض النصوص بين عدد كبير من القراء المتذوقين
خاصة إذا علمنا بأن " نفس المدلول يتم التعبير عنه عن طريق عدد من الدوال في نفس الثقافة أو في ثقافات مختلفة ،و نفس الدال يتوافق مع مدلولات مختلفة في نفس الثقافة أو في ثقافات مختلفة" .
التعليقات (0)