تباين كبير في وجهات النظر يطغى على المشهد الثقافي والسياسي في المنطقة بعد تقدم الاسلاميين الكبير في الانتخابات البرلمانية التي اعقبت او رافقت ثورات الربيع العربي في العديد من الدول العربية..وقد يكون محور الخلاف هو في تعاكس المقاربة الفكرية للواقع الذي افرزته الانتخابات بين الاتجاه الذي يرى وجوب احترام النتائج التي تنطق بها صناديق الاقتراع من حيث كونها المعبر الحر والمباشر عن رغبات الجمهور..وبين التخوف الذي يبديه بعضهم من ان حركات الاسلام السياسي تمتلك تاريخا طويلا من التسلق والانقلاب على الصيغ الديمقراطية النادرة التي طرأت كمزن صيف شحيح على واقع الاستبداد العربي..
ولكننا بانصات جيد الى صوت الآذان الذي شنف اسماعنا مدويا في اروقة مجلس الشعب المصري..وبنظرة بسيطة الى الاستعراضات الخطابية التي سادت جلساته ..والحصار المبرمج لممثلي التيارات الليبرالية والعلمانية المتشاركة مع القوى الاسلامية في حق تمثيل الشعب..ومن خلال الاستعادة للعديد من التجارب المؤلمة التي اعقبت حصول-بل استيلاء-التنظيمات الاسلامية على العدد الاكبر من مقاعد البرلمان قد تجعلنا نميل الى هذا الرأي الذي يقول ان احزاب الاسلام السياسي لا يمكنها التعامل مع القيم الديمقراطية عندما نحاول ان نستشرف آفاق المستقبل الذي تتشكل ملامحه ببطء وثبات وباتجاه الاسلمة في المنطقة العربية..
فاسترجاع بسيط الى حيثيات التجربة السودانية او الايرانية قد تشي بان الديمقراطية لا تمثل لدى حركات الاسلام السياسي اكثر من منفذ ملائم يعبد لهم من خلاله الولوج الى قمة الهرم السياسي وكوسيلة لاكتساب المواقع والقوة اللازمة للتفرد بالسلطة واقصاء وتهميش الخصوم السياسيين ومحاولة رسم الحياة السياسية والاجتماعية استنادا الى الخزين الهائل من النصوص المتلونة حمالة المعاني والاوجه والقابلة للتشكيل بما يضمن لتلك التنظيمات امكانية التقنين المنهجي لفكرة السيادة الشعبية وحقوق الفرد ضمن الاطار الذي يتيح لهم امتلاك ناصية الدنيا مع الاطمئنان التام للآخرة وحسن العاقبة..
ليس من السهل على المراقب تكوين صورة واضحة عن المنظومة الفكرية والاخلاقية للتنظيمات الاسلامية من حيث علاقتها بالمفاهيم الديمقراطية بسبب الاعتماد المطلق على خطاب مشوش ملتبس لا يقدم اجابات واضحة وكافية يمكن الاعتماد عليها لتأطير مفاهيم الجماعات الاسلامية حول العبارات الملغزة كالشورى والحكم الرشيد..كما ان الاتكاء على الوثوقية المطلقة للنص ومحاولة ادخاله في المفردات اليومية للعمل السياسي يتعارض بصورة حادة مع التعددية والتنوع واحترام حقوق الإنسان الفرد..وهي المفاهيم التي تعد اساس التداولية وركنها المكين وعصب الحياة الديموقراطية.
فلا يمكن لحركات الاسلام السياسي ان يوائموا ما بين مبادئهم وبين الديمقراطية..وقد يكون النظام الدولي وحده هو ما يدفعهم الى التقنع بشعاراتها مرحليا لحين التمكن من آلياتها ومفاصلها ليتم بعدها التمرد عليها وعلى من يؤمن بها لتعارض التعددية والانفتاح الفكري والسياسي مع الايمان المطلق للجماعات الاسلامية بتحصلهم الحصري على حق النطق بارادة السماء..
كما ان الاستناد على النموذج التركي للبرهنة على امكانية الاسلام السياسي على التعاطي مع المفاهيم الديمقراطية قد يصطدم مع تباين المعطيات الواقعية من حيث تركيبة الدولة التركية ورسوخ مؤسساتها وسيطرة الافكار العلمانية وحمايتها من قبل المؤسسة العسكرية مع الواقع العربي الذي يشهد عمليات انتاج متكررة للدولة وتداخلها مع الحكومة وتبعية وتواطؤ المنظومة العسكرية وتحالفها الدائم مع رموز الحكم المستبد..
كما ان الخانق العضال الذي يمنع التواشج ما بين المفاهيم الديمقراطية وحركات الاسلام السياسي هو نسبية الاسلام نفسه لدى هذه الحركات استنادا الى خلفياتها الطائفية والمذهبية مما يجعل الاقصاء والرفض من صميم منظومتها الفكرية ويمنعها من امكانية التوصل الى فهم جامع لنظرية الحكم في الاسلام..
ان انتحال التنظيمات والجماعات الاسلامية للشعارالتعددي الديمقراطي وفي ظل هذا الرفض الاصيل الممنهج لقضايا حقوق الانسان في ثنايا الخطاب الفكري لهذه الجماعات يتعارض مع الفطرة السليمة واسس ومفاهيم الحياة ..كما ان كل هذا التغييب المنظم لحقوق الفكر والتعبير والمرأة وشرعنة العنف والارهاب تجاه غير المسلم او المسلم المختلف فرعيا..قد يجعل من الطريق طويلا جدا امام احزاب الاسلام السياسي قبل ان يتمكنوا من التحصل على ثقة الجمهور بنواياهم الحقيقية الكامنة وراء الانخراط في العملية السياسية المستندة على مبادئ الديمقراطية والتعددية وحقوق الانسان..
التعليقات (0)