أســـدٌ علينا وفي البقاع دجاجة
تناقلت الصحف والمدونات خلال الأيام الماضية أنباء حادثة أمنية عنصرية بغيضة مستهجنة غريبة من نوعها على الأعراف والتفاهمات العربية الرسمية والشعبية المتبادلة من المحيط إلى الخليج . أثارت إشمئزاز وإستنكار كل من قرأ عنها وسمع بها من العرب وغير العرب.
الحادثة عبارة عن هجوم ودهم للقوات الأمنية اللبنانية لمقر حفل خيري أقامه بعض أفراد الجالية السودانية بمنطقة الأوزاعي ببيروت لغرض جمع أموال لعلاج طفل سوداني تقيم أسرته بلبنان ومصاب بالسرطان.
جاءت الأسانيد التي أدلى بها مسئولي الأمن اللبناني حول هذه الحادثة متناقضة ما بين أقصى اليمين وأقصى اليسار .
ووفق ما صرح به اللواء وفيق جويني مدير الأمن اللبناني فقد قال أن "الهجوم اللبناني" قد تم بناء على معلومات بأن الحفل أقيم دون الحصول على ترخيص مسبق من الجهات الأمنية........ ولكنه من جهة أخرى فقد تحدث عن أن هؤلاء السودانيين مقيمين بصفة غير شرعية في لبنان . وأنهم من طالبي اللجوء السياسي اللذين إنتهت تصاريح إقامتهم في لبنان دون أن يفلحوا في الحصول على موافقة سفارات دول غربية قبول طلبات لجوء تقدّموا بها الى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
ولكن الواقع من جهة أخرى يحتم رصد المعطيات التالية:
1) أن الحفل الخيري كان مقتصرا على أبناء الجالية السودانية وحدهم دون غيرهم.
2) أن الحفل الخيري كان داخل قاعة مغلقة ولم يشكل إزعاجا أو يترتب عليه مساس بأمن بيروت.
3) أنه وبعد التفتيش والتقصي تم إكتشاف أن (56) من هؤلاء المعتقلين كانوا بحملون بطاقات إقامة قانونية . ولكنهم رغم ذلك تعرضوا للضرب والمهانة والبطح على الأرض وجرى نقلهم إلى سجن النظارة "سجن العار العربي" السيء السمعة.
ومن ثم فإن الرد الموضوعي على مقولة اللواء وفيق جزيني مدير الأمن اللبناني هو:
هل كان إقامة مثل هذا الحفل البسيط داخل قاعة مغلقة لمجموعة محدودة العدد من أفراد جالية عربية مقيمة في بيروت دون الحصول على ترخيص مسبق .. هل كان يستدعي التعامل معه بكل هذه القوة المفرطة وبهذه العنصرية البغيضة؟
ألم يكن بالإمكان فض الحفل بطريقة ودية وتوجيه منظميه بضرورة الحصول على ترخيص مسبق ؟
ووفق شهادات أدلى بها بعض ضحايا الدهم والهجوم العنصري البربري لقوات الأمن اللبنانية في الأوزاعي على بعض ابناء الجالية السودانية العزل فقد كانت الحقائق التالية:
قال علاء عبد الله (وهو مقيم في لبنان بصفة قانونية)
"أن الحفل الذي هاجمته قوات الأمن اللبنانية وإعتقلت جميع من كان حاضرا فيه كان عبارة عن تجمع لبعض أفراد الجالية السودانية في لبنان للمشاركة في فعاليات حفل خيري أقيم بمنطقة الأوزاعي ببيروت بعود ريعه لتسديد تكاليف علاج طفل مصاب بالسرطان. "
وأضاف يصف ما جرى :
"وقبل أي سلام وكلام، انهال عناصر الأمن العام بالضرب على الحاضرين بالأيدي وبأعقاب البنادق، مع شتائم من «العيار الثقيل» لا يمكن ذكر بعضها على صفحات الجرائد، لكن أقلها كان ترديد هذه العناصر القول : «على الأرض يا حيوانات»!
ويضيف :-
[ذُهلت من المشهد، وظننت أن أحداً منّا قد ارتكب جريمة ما أو عملاً إرهابياً مسّ الأمن القومي للبنان. أخرجونا من الصالة مكبّلين بالأصفاد، وجعلونا نتمدد على بطوننا في وسط الطريق على مرأى ومسمع من أهالي المنطقة، بعدما أقفلوا الطريق أمام السيارات. داسوا بأحذيتهم العسكرية على رؤوسنا ورقابنا، كل ذلك ولم يتوقف سيل الشتائم والإهانات التي كانت تُصب علينا، والتي كانت، صدقوني، أكثر ألماً وأوسع جرحاً من الضرب ووجدوا أن أحدنا يرتدي بنطالاً من نوع (جينز)، فقال له أحد العسكريين وهو واضع قدمه فوق عنقه: صايرين تعرفوا تلبسوا تياب حلوة كمان يا بهايم].
أما شاهد العيان الثاني الذي أدلى بشهادته لصحيفة الأخبار اللبنانية فقد جاء في شهادته :
"يبدو أن جهل بعض أفراد الأمن العام وصل إلى حد عدم معرفتهم أن السودان بلد عربي، حيث سألنا أحدهم عن المكان الذي تعلمنا فيه اللغة العربية، فقلنا له نحن عرب ومن السودان، فظنّ أننا نسخر منه فانهال علينا مجدداً بالضرب على وجوهنا"
محمد صدّيق، مواطن سوداني آخر، يقيم في لبنان منذ 13 عاماً بصورة شرعية، كان أيضاً في الحفلة المذكورة. يقول صدّيق :
" تعرّضت للضرب بقسوة، ووضع أحد العسكريين فوهة بندقيته على رأسي من الخلف، بعدما قيّد يداي وراء ظهري . فقلت له إن يديّ تؤلمانني من ضغط الأصفاد عليهما، فأرجوك أرخها قليلاً، غير أنه زاد من ضغطها على معصمي وقال لي: مبسوط هيك يا أسود يا فحمة!؟».
أما محمد آدم . وهو مقيم أيضا إقامة شرعية في لبنان، فيقول :
" أحد العسكريين قال لي وهو ينهال علي بالضرب: «هذا بلد محترم يا واطي، مش فاتحينو مرقص لأمثالك». ويضيف آدم: «وقف العسكري على فخذيّ من الخلف وأنا ممدد على الأرض، وراح يضربني بعصا خشبية على ظهري».
......................
بمعنى آخر فإنه لو كانت السلطات الأمنية في كل بلد من بلاد العالم تتصرف على هذا النحو البربري السمج غير المسؤول تجاه أخطاء وفعاليات المدنيين الإجتماعية السلمية - بغض النظر عن جنسياتهم وظروف إقامتهم - لتحولت الشوارع والطرقات والأمكنة إلى مسالخ حيوانات وأنهار من الدماء.
لقد فتح هذا الحادث العنصري البربري الجاهل وغير المسؤول الذي قامت به بعض العناصر الأمنية اللبنانية بقيادة ضباط مشوهين نفسيا و موتورين وتلازمهم أحاسيس الدونية جراء التدخلات والسيطرة الأجنبية على بلادهم ؛ والرغبة بالتالي في الإنتقام من كل شيء حولهم طالما كان هذا الشيء سهل المنال مسالما ولا يحمل سلاحا أو منضويا تحت لواء مليشيات .....
ولكن هل هذا هو الحل في نظر هؤلاء المعقدين نفسيا ؟ هل الحل هو أن يكون الأمن اللبناني العام أسد على الأبرياء العزل وفي البقاع والجنوب دجاجة؟
لقد فتح هذا الحادث ملفات وأضابير كثيرة كان مسكوتا عنها ومن بينها حالة السجون والمعتقلات اللبنانية المدنية المزرية لاسيما (سجن العار) ذلك السجن الذي يندي جبين سجن أبوغريب خجلا وتواضعا من المدى اللاإنساني واللاأخلاقي أو الحضاري الذي وصل إليه . حيث أشتهر هذا السجن بأنه مقام تحت الأرض ولا يسمح للسجناء فيه برؤية الشمس طوال مدة محكوميتهم ـأز توقيفهم ... يختلط فيه الحابل بالنابل ولا يعرف من يدخله متى سيخرج منه من فرط الإهمال والإستهتار وسوء الإدارة والمحاصصة والجهوية التي تضرب بظلالها القاتمة على أطنابه وقيعانه . والتي جعلت من المزاجية والطائفية وحدها هي الكيفية التي يديره بها المسؤولين عنه ......
وأما عن التعذيب وحالات الإغتصاب وأمراض نقص المناعة الإيدز المتفشية وسط نزلائه فحدث ولا حرج . وحيث يقال عنه أنه لا يقل حالة عن "قرى سدوم" لجهة ما يمارس فيه من إعتداءات وشذوذ جنسي وإستغلال وإتجار مسكوت عنه بين نزلائه من جهة سواء عبر الإغتصاب والعنوة أو التخويف أو عن طيب خاطر...... أو إستغلال الحراس للمسجونين عبر فرض الأتاوات ...... وبالطبع فلا علاج ولا دواء ولا كساء ولا مراحيض ودورات مياه صحية أو غير ذلك من أدنى المتطلبات التي يكفلها القانون العام والدولي وتنادي بها منظمات العفو الدولية وحقوق الإنسان في شأن معاملة السجناء المدنيين بوجه خاص. ....
ولعلنا من هذا المنطلق ووفق ما رشح من معلومات عبر شهادات أدلى بها سجناء لبنانيون إلى قناة الجزيرة الفضائية من قبل . وأدلى بها سودانيون كانوا من بين ضحايا هذا السجن وخرجوا منه بقدرة قادر .... لعلنا نفلح في لفت أنظار منظمات المجتمع المدني الحرة في لبنان والدول العربية الأخرى ونناشد الشرفاء قي لبنان ونتوجه بالنداء إلى منظمات العفو الدولية وحقوق الإنسان بضرورة تقصي الحقائق بشأن معتقل و سجن النظارة سيء السمعة الكائن تحت جسر العدلية الذي يطلق عليه لقب " سجن العـــــار " . والذي يبدو أنه قد تم تخصيصه خلال السنوات الأخيرة للسجناء والمعتقلين الأجانب من العرب والأفارقة في الأغلب الأعم ويمثل السوداني والمصري والفلسطيني والعراقي نسبة كبيرة من المغضوب عليهم وغير المحظوظين من الموقوفين فيه ولا نقول "نزلائه" لأن حالته المزرية اللاإنسانية المتعمدة والفساد الإداري الذي يستشري في داخله لا يمكن بأية حال من الأحوال أن يوصف أو أن يرقى معها إلى وصف المحبوسين في غياهبه بالنزلاء..... وحيث تستغل سلطات الموارنة الأمنية عدم إهتمام سفارات بلدان هؤلاء بمواطنيها القابعين في هذا السجن ولا تسأل عنهم أو تحاول إستقصاء أحوالهم.
ومن بين اللذين أدلوا بشهادات عن هذا السجن هناك السوداني "محمد صدّيق" وهو سُجين سابقً في نظارة الأمن العام تحدث عن «قلة الإنسانية» في هذه النظارة العار . وذكر أن وفداً من جمعية أهلية زار النظارة ذات يوم، فقال السجّان للمساجين :
«إياكم أن تتكلموا عنّا بسوء... وإلاّ راح تشوفوا شغلكم ».
..........
أليس غريبا وعجيبا ومخجلا أن يتشدق البعض بأن لبنان بلد حضارة وديموقراطية ؟ ..... اللهم أحفظنا من الديموقراطية والعلمانية والحضارة إن كانت على هذا المستوى المزري من البطش والسب والدهم على الهوية والجنسية والركل والتجريد من الوثائق الثبوتية والحبس بلا محاكمة أو عرض على نيابة حتى .... ثم وبالإجمال حكم عناصر أمن قراقوش الداخلي الذي لا يرفع عقيرته بالسباب الشوارعي البذيء ، ولا يشهر سيفا سوى في وجوه الضعفاء والغلابة والعزل من الناس .. وعدا هؤلاء فهو في مواجهة " الزُعـران " دجاجة إن لم يكن كتكوت.
التعليقات (0)