مواضيع اليوم

أسطول الحرية

كمال غبريال

2010-06-03 13:13:39

0

أسطول الحرية


كمال غبريال

هل أسطول السفن المحمل بالمساعدات من تركيا إلى غزة، والذي أطلق عليه أسطول الحرية، هو اسم على مسمى؟
هل كانت فعلاً الحرية هدف أو أحد أهداف الذين سَيَّروه؟
مجرد التساؤل هذا سيبدو للكثير من الناس الطيبين والأنقياء سؤالاً غريباً ومستفزاً، علاوة على أنه في نظر العروبجية والمتأسلمين كما لو كان خوضاً في تابو مقدس، لا يجسر أحد على الاقتراب منه، لكن ها نحن نخترق التابو بتساؤلنا، ونطرح فيه مقاربتنا التي تحتمل الخطأ بذات قدر احتمالها الصواب، وهو الأمر الذي كنا نتمنى لو لم نقم به، تفادياً لوجع الدماغ، وتحاشياً للمزيد من الشجب والتنديد والتخوين الذي ينهال على كاتب هذه السطور من كل حدب وصوب، لأنه يعمد إلى البحث عن الحقائق في أرض الواقع، وليس من المواقف المسبقة والشعارات المعلبة، التي انتهى من زمن عمرها الافتراضي.
يتكون موضوعنا هذا من ركام وليس طبقة واحدة من التزييف والخداع، ذلك الركام الذي صممه محترفون صرنا نعرفهم جيداً، ونعرف استراتيجيتهم (وليس تكتيكهم فقط)، والتي تقوم على ما نسميه في التعبير الشعبي "رمي الجِتَّة". . بموجب هذه الاستراتيجية تستطيع أن تدخل معركة مع شخص قوي وذي حيثية، لا تجرؤ على مجرد الاقتراب من مجلسه، بأن تدبر له إمرأة من نوعية خاصة، موجودة في مدننا ببعض الأحياء التي يهرس الفقر أحشاءها، لتلقي بجسدها عليه، مدعية أنه قد تحرش بها، وبأنها عفيفة وشريفة ولا تأكل بثدييها، وهو "راجل ظالم ومفتري وميعرفش ربنا". . هنا يكون هذا الرجل في موقف كارثي، فمن سيتعاطف مع "رجل غني قوي" وهو يواجه "امرأة فقيرة شريفة". . هي بالفعل فضيحة لن ينجو هذا الرجل من آثارها في جميع الأحوال، ومهما أتى ببراهين أو إيضاحات، وهذا ما يجعلنا نهنئ حماس وحزب العدالة والتنمية التركي وجماعة الإخوان المسلمين، على النجاح منقطع النظير الذي حققته حملتهم، فلو مرت القافلة بهدوء إلى غزة، وأفرغت حمولتها في صمت، لعاد الذين سيروها محبطين مطأطئي الرؤوس، مادام لم يتحقق لهم ما أرادوا، من فضيحة بجلاجل للعدو الإسرائيلي
فلنحاول تفكيك ركام المغالطات طبقة بعد طبقة، ليمكن بعدها تبين التقييم الحقيقي لتلك الحادثة محل الطبل والزمر ولطم الخدود الآن: هل هناك بالفعل حصار إنساني على أهالي غزة، أم أن الحصار لحماس فقط، مع بذل أقصى جهد ممكن عملياً، لتفادي أو تقليل تأثير هذا الحصار على أهالي غزة المساكين؟
هناك في مواجهة هذا السؤال نوعين من الإجابة، إجابة أيديولوجية موحدة الاتجاه، دائمة العداء كل ما يصدر من الآخر، وإجابة مشتقة من الواقع على الأرض، ومما يجري بالفعل من دخول ملايين الأطنان من البضائع والمساعدات الإنسانية إلى غزة، سواء مباشرة عن طريق إسرائيل، أو عن طريق منظمات الأمم المتحدة والأونروا وغيرها، أو عن طريق مصر التي يحلو لهم كيل الاتهامات لها، وهي صابرة على صغائرهم وصغارهم
ربما رأى مسيروا الحملة أن الأمر بالفعل يحتاج للمزيد من المساعدات لأهل غزة؟
هل يمكن بالفعل أن يكون الأمر كذلك؟. . هو احتمال وارد نظرياً على الأقل، لكنه من الناحية العملية منقطع الاحتمال، فهناك ألف طريق وطريق لإرسال ما نشاء من المساعدات للفلسطينيين، وآخرها ما أصدرت به إسرائيل تعليماتها إلى الأسطول، أن يتجه لميناء أسدود، ليفرغ هناك حمولته، ليتم تفتيشها للتأكد من عدم احتوائها على أسلحة، كتلك التي تتدفق على حزب الله، رغم وجود قوات اليونيفيل، ورغم التأكيدات المزيفة بعدم تدفق السلاح على أخطر عصابة إرهابية في المنطقة. . بعد تفتيش الشحنة كانت إسرائيل (كما سيحدث الآن بالفعل) سترسل بالمساعدات إلى غزة، لكن بالطبع رفضت الحملة ذلك، ومعها كل الحق، ليس لأنها تخاف أن تأكل إسرائيل المساعدات ولا تعطيها للغزاوية، ولكن لأن هدفهم لم يكن أبداً مساعدة محتاجين، وإنما كسر حصار الجماعة الإرهابية الخارجة على القانون، والتي كانت تلقي من البلكونات بمقاتلي فتح، ويتقاتل مجاهدوها على الشاب الفتحاوي من يقتله ليدخل به الجنة
هل كانت الحملة تقصد رفع الحصار الذي طال عن غزة، والذي تصيب أضراره الأبرياء مهما ادعى البعض بعكس هذا؟
تساؤل جميل واحتمال وارد نظرياً أيضاً، لكن ما نعرف جميعاً من أحوال الفلسطينيين والعصابات التي تمسك بخناقهم، ينفي أن يكون هذا النهج لكسر الحصار هو الأبسط والأكثر منطقية، فالحصار الذي فرضه المجتمع الدولي على غزة لم يكن بسبب كراهيته للفلسطينيين والسعي لتجويعهم، فعكس هذا تماماً هو الصحيح. . نعرف أن الحصار تم لسيطرة حماس الإرهابية، والتي تعلن بلا مواربة عدم اعترافها أو احترامها للمجتمع الدولي وقيمه. . اغتصبت هذه العصابة السلطة من السلطة الفلسطينية الشرعية، وقامت خلال ذلك بمذابح دنيئة يندى لها أي جبين إنساني. . هذه العصابة الآن هي التي يئن أهل غزة تحت نيرها وجبروتها وفسادها، وكل من على اتصال بأهل غزة يعرف جيداً حقيقية ما نقول، إلى حد أنهم يستعيذون حتى بالشيطان للخلاص من هذه العصابة
أليس من المنطقي والأقرب لمن يعطف على أهل غزة، أن يُقَبِّل أياد أو حتى أقدام خالد مشعل وإسماعيل هنية وصحبهم، لكي يرحموا مواطنيهم، ويوقعوا على اتفاق القاهرة للمصالحة الفلسطينية الفلسطينية، بدلاً من هذه الألاعيب الصبيانية الحمقاء، والتي تسفر دائماً عن المزيد من الضحايا والمعاناة؟
يمكن الآن وعلى ضوء ما سبق أن ننأى بأنفسنا عن تصديق النيات الحسنة لمسيري هذا الأسطول، وإن كان هذا لا يمنع أن يضم متضامنين أوروبيين معنيين بحقوق الإنسان، خدعتهم الدعاية فتصوروا أنهم في مهمة إنسانية، ولم يدركوا أنهم حقيقة ألعوبة في أياد أبعد ما تكون عن الإنسانية
المسألة هكذا نسميها في التعبير الشعبي "جر شكل" أو "رمي جتت". . لا مانع لدينا أيضاً من هذا، فإذا لم يكن لنا المقدرة على المواجهة، فلابأس من "جر الشكل"، لكن "لجر الشكل" أصوله وحدوده، والذهاب لأبعد منها جريمة بكل المقاييس، لكن متى كان هؤلاء يراعون الأصول والمعايير. . عندما تعنتت إسرائيل وأصدرت تحذيرات الواحدة تلو الأخرى، بتوجه الأسطول لإفراغ حمولته إلى ميناء أسدود، لا بأس من تجاهل أسطول الحرية كما سموه لهذه التحذيرات مرحلياً، لإحداث أكبر ضجة عالمية ممكنة، لكن عندما يصل الأمر إلى اعتراض البحرية الإسرائيلية للسفن في عرض البحر، وإنذارها بتغيير وجهتها إلى أسدود، هل من العقلانية هنا تحدي الأسطول الحربي، ثم الدخول مع جنوده الهابطين من المروحيات في معركة بالعصي والسلاح الأبيض؟. . هل في هذا بطولة، أم هي الحماقة المدبرة والمعهودة في الانتحاريين والاستشهاديين؟
أليس "رمي الجتت" هنا يكون قد وصل إلى درجة الجريمة أو الجنون، وإلى حد عدم المبالاة بأرواح الأبرياء المتضامنين حقيقة مع الشعب الفلسطيني، وتعريض حياتهم للخطر جزاء تعاطفهم معنا؟
ألا يوجد هنا أي استشعار للمسئولية الإنسانية؟
لا يتبقى والأمر هكذا غير أن نحاكم مع المجتمع الدولي إسرائيل، ليتم التحقيق المحايد والنزيه فيما حدث، لنرى إن كان هناك استخدام مفرط للقوة من قبل البحرية الإسرائيلية، في مواجهة حمقى يؤدون ما هم مأمورون به بأي ثمن!
مصر- الإسكندرية




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !