رجب أبو سرية
لم ينظر طرف مقرر داخل حركة حماس، إن كان في غزة أو في الخارج بعين الارتياح، لمستوى الحضور التركي وسط الجمهور الفلسطيني وضمن دائرة الاهتمام الإعلامي المحيط بالشأن الفلسطيني، خاصة وان هذا الطرف هو عملياً المستوى القائد رسمياً في الحركة والمسيطر ميدانياً على غزة، لذا فإن الشخصيات المحسوبة عليه لم تظهر في كادر الصورة بشكل جيد خلال فترة الاهتمام الإعلامي بتداعيات القرصنة الإسرائيلية على أسطول الحرية.وهذا الطرف الذي يشمل قيادة حماس في الخارج (مكتبها السياسي) وفي مقدمته خالد مشعل، وكتائب القسام التي تسيطر ميدانياً على الأمور في غزة، والتي دفعت الأمور منذ أربع سنوات باتجاه التشدد، وساهمت بشكل كبير في إحداث الانقسام والسيطرة العسكرية على غزة، ومن ثم في انتهاج سياسة أكثر قرباً وتحالفاً مع إيران وسورية، ما كان يمكنه أن يسمح ولا بأي شكل من الأشكال، ولو أدى الأمر إلى القيام بانقلاب آخر داخلي على حكومة هنية أن يتم تقديم غزة على طبق من ذهب للأتراك بعد أن فعلوا كل ما فعلوا لتكون تحت هيمنة حلفاء إيران، وعبارة عن بيدق عسكري متقدم في لعبة الصراع الإقليمي، بين الأطراف الإقليمية الثلاثة: إيران وإسرائيل ونظام الاعتدال العربي.إدخال تركيا على الخط قوبل بتشجيع فلسطيني رسمي وكذلك بعدم تمنع مصري، بل إن مصر كافأت حكومة غزة في محاولة لتقوية نفوذها الداخلي على حساب الطرف المتشدد المرتبط بإيران، من خلال فتح معبر رفح حتى إشعار آخر، فيما كان أبو مازن يطير إلى أنقرة ويقدم شيكاً مفتوحاً وعلى بياض لأردوغان ليس فقط للدخول على خط كسر الحصار، ولكن أيضا على خط المصالحة، الأمر الذي فتح الباب إلى استقبال الرئيس أبو مازن لجمال الخضري المقرب من إسماعيل هنية، وتقديمه تعهداً خطياً بأخذ ملاحظات حماس بعين الاعتبار عند تنفيذ الورقة المصرية، وذلك بقصد دفع عملية المصالحة إلى الأمام.وفي الحقيقة فان التباينات الداخلية في حماس موجودة منذ أكثر من عقدين من السنين، وكان الصراع على المركز القيادي المقرر يبدو واضحاً من وراء الكواليس، حين كان الشيخ المؤسس احمد ياسين على قيد الحياة، حيث كانت شخصيته سبباً في أن يكون القرار في الداخل / وفي غزة بالتحديد، وكان يمكن أن يستمر الأمر إلى حدود ما لو بقي صقر حماس الشهيد عبد العزيز الرنتيسي على قيد الحياة، لكن استشهاد الرجلين خلال أسابيع وجيزة، قوى من مركز حماس في الخارج. وحيث أن برايميز حماس الداخلي، قبل إجراء انتخابات 2006، أهل إسماعيل هنية للمكانة الأولى، حتى تحقق حماس أفضل النتائج في مواجهة فتح انتخابياً، فان ذلك منح الجناح الإخواني / المعتدل قيادة، اجتمعت في الحكومة العاشرة، حين تشكلت من هنية والشاعر وعبد الرازق وغيرهم، ومع الوقت يمكن القول إن رموز وقوة هذا الجناح تتمثل في الإدارة المدنية، في غزة أي وزراء ومسؤولي الحكومة المقالة، في حين يعتمد الجناح المتشدد والمرتبط بإيران على المكتب السياسي في الخارج كعنوان وعلى قوة القسام ميدانيا.وصل الأمر إلى ألا يكون لا هنية ولا الشاعر ولا أي من وزراء حكومات حماس المتعاقبة عضوا في المكتب السياسي لـحـماس من خلال مؤتمرها الأخير، الذي شمل من غزة محمود الزهار وخليل الحية وعضواً ثالثاً يبدو كاحتياط استراتيجي على طريقة سياسة الحركة التنظيمية، وبعد أن مثل الزهار موقفاً وسطاً، يخلص لايدولوجيا الإخوان من جهة ويتشدد في العلاقة الداخلية مع فتح ويتخذ مواقف متشددة سياسياً وتجاه العلاقة مع السلطة، لكنه وبعد أن فضل موقفاً مرناً تجاه ملفي تبادل الأسرى والمصالحة، أقصي من قبل المكتب السياسي.تتبلور الفروقات مع مرور الوقت بين جناحي الحركة، خاصة وان الجناح الإخواني المعتدل، من خلال تركيزه على كسر الحصار يسعى إلى الخروج بإمارة غزة / إخوانية، مقبولة من قبل المحيط، وانتهج إلى ذلك طريقاً معتدلاً هو الكفاح السلمي من خلال المتضامنين الدوليين الذين تجندهم حركة الإخوان المسلمين في أوروبا، ثم من خلال رفع راية تركيا باعتبارها دولة إسلامية إقليمية معتدلة، بل ولأنها سنية ولان الإخوان أصلاً تشكلوا كحركة لإعادة الاعتبار للخلافة العثمانية بعد أن انهارت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، في الوقت الذي لم يجدوا لهم دوراً لا في ملف المصالحة ولا في ملف تبادل الأسرى .النجاح الذي يحققه هذا التيار الآن، بسبب تفضيل كل الأطراف، بما في ذلك الخصوم (فتح ومصر) حقق له قوة دفع قوية، الأمر الذي لم يجد معه تيار الممانعة الإيراني بداً من الدخول إلى خط كسر الحصار ذاته، وفي هذا السياق يجيء تسيير حزب الله لسفينتي ناجي العلي، المحملتين بنساء الحزب وحماس في الخارج وسفينة الصحافيين، ثم السفن الإيرانية التي ستلي ناجي العلي.من الواضح بان الجناح الإخواني المعتدل في غزة، لن ينظر بالارتياح إلى التشويش الذي يحدثه الجناح / الخصم أو حلفاؤه على تكتيكه من اجل كسر الحصار، ذلك أن مواجهة إسرائيل لسفن تخرج من موانئ عدوة حسب وصف قادتها، أو سفن تنتمي إلى حزب الله وإيران، لن تحقق تضامنا دوليا وتعاطفا كما فعلت السفن التركية، والسبب يعود إلى نظرة العالم تجاه حزب الله، الذي يعتبر حركة إرهابية، وكذلك الى إيران التي تعتبر دولة ممانعة، والتي تزداد كراهية العالم لنظامها بعد أن لجأ إلى القمع في مواجهة مواطني شعبه المحتجين على نتائج انتخاباته الرئاسية التي جرت قبل عام.بل وحتى في أوساط العرب والمسلمين، الذين يفضلون تركيا السنية على إيران الشيعية، خاصة وان تركيا معتدلة سياسياً أيضا، على عكس إيران المتطرفة في السياسة الدولية .
ومن المعروف أن الاعتدال، خاصة في أوساط المسلمين في أوروبا يلقى قبولاً لأنه يحافظ على حقوق ومكتسبات مواطني الدول الأوروبية من المسلمين.لذا يدور السؤال الآن، حول إن كانت صراعات حماس الداخلية ستضع حداً لحملة التضامن الدولي التي انطلقت قبل نحو ثلاثة أسابيع بشكل قوي وحاسم، أم أنها ستمنعها من تحقيق الانجاز، المقبول دولياً من خلال التشدد والإصرار على فتح غزة على العالم الخارجي دون وجود دولي في المعابر والمياه الإقليمية ودون تحقيق المصالحة. كما سبق وان فعلت وقطعت الطريق على أموال إعمار غزة بعد الحرب عليها، وكما سبق ان أدى التشدد القادم من دمشق إلى تفويت الفرصة على إتمام ملف تبادل الأسرى بعد دخول الوسيط الألماني على خط الوساطة، والذي حقق تقدماً كبيراً، وعلى ملف المصالحة بعد انجاز الورقة المصرية، والذي أدى إلى إحداث القطيعة بين قيادة دمشق وأهم رموزها أو أهم حلفائها في غزة، الشيخ محمود الزهار.النتيجة التي تكاد تبدو واضحة للعيان، رغم توفر الفرصة الذهبية لانجاز المصالحة ولكسر الحصار عن غزة، هي تخفيف الحصار دون إنهائه، وتحقيق ارتخاء داخلي دون الوصول إلى تحقيق المصالحة، ذلك أن عجز جناح حماس المعتدل عن حسم المعركة الداخلية لصالحه، لن يقنع أحداً بما في ذلك العرب وحتى عمرو موسى والجامعة العربية على فتح غزة ما دامت تحت سيطرة حلفاء إيران، أي أن فتحها لن يتحول بها لسيطرة الجناح المعتدل والى أن تكون تحت توجيه تركيا، كما انه ومع صورة السفن الإيرانية والتابعة لحزب الله وهي تتوافد على غزة فان العالم لن يتحمس لكسر الحصار، وفي أحسن الأحوال سيتم الإصرار على التمييز بين كسر الحصار عن السكان ومواصلة مقاطعة حماس وسلطتها في غزة سياسياً.
التعليقات (0)