أسرى "شيخ القبيلة" .. من يفك أسرهم !.
هذا ليس اتهام للثقافة ، بل إدانة يوثقها واقع المجتمع وعلاقاته الاجتماعية وسلوكياته ووعيه ومفاهيمه وأنماط حياته وإشكالاته وكوارث يتجرع مرارتها وتعتصره آلامها ..
ننتقد ونرصد الظاهر فقط من مظاهر الإشكالات المتجذرة ، والقضايا المتأصلة ، ونلقي باللائمات على الأشخاص في المراكز الاجتماعية والمناصب القيادية ولم نتنبه إلى حقيقة مهمة ربما غابت عن أذهان الكثيرين من الكتاب والنقاد والباحثين وهي أن كثير من هؤلاء الأشخاص هم نتاج الثقافة المجتمعية السائدة التي تتغذى على مخزون العقل المجتمعي الّلا واعي من ثقافة الأمس .
فيا أخي القارئ الكريم إذا نال منك العجب من سوء العمل في القطاع العام أو حتى الخاص فانظر إلى الموظف الذي أمامك في أدنى سلم المنشأة الوظيفي كيف يؤدي عمله ؟..
ستجده يحاكي ويتمثل ويتقمص دور شيخ القبيلة وبذات العقلية والأسلوب في إدارة شئون القبيلة ! فكيف بمن يقف على رأس هرم الإدارة أو الوزارة ! وحينذاك سوف " تترحم " على زمن أبي جهل وعبد المطلب !
وإذا أعيتك الحيلة في إيجاد " واسطة " لانجاز أمر يسير فتذكر وجاهة " شيخ " القبيلة عند قبيلته وبين القبائل الأخرى كيف تعمل عمل السحر في حل أكثر القضايا الاجتماعية العالقة تعقيدا ! وكم يلبس الشيخ بعدها من ثوب المديح والإطراء والتمجيد فلا تنظر إلى ظاهرة الواسطة بل انظر إلى فعلها في هز وجدان (الواسطة) !.
وإذا أخذ منك العجب كل مأخذ من عنت استماتة الموظف للوصول إلى المنصب والبقاء فيه أو القفز لما هو أعلى منه ما بقي في الجسد عرق ينبض ، لا بالإنجاز والإنتاج بل بـ : " الهز والرّز وبطح المفطح على الأرز " ! حينذاك ستدرك أن التشبث بالمنصب ليس إلا إرضاء لـ" زن " شيخ القبيلة في الّلا واعي لهذا " القيادي " أو ذاك !
وإذا رأيت .. ثم رأيت .. قرارات وأنظمة لم تنفذ فانظر إلى المستفيد منها ستجد أن تصريحا في ( الهواء ) وعلى الهواء سيكون كافيا للطبطبة على كتف " شيخ " القبيلة !.
وأخيرا وليس آخرا .. إذا عجزت عن فهم ما يجري من مجازر على الطرق تتمثل في قتل وإعاقة العشرات يوميا وبشكل فاق ما يحدث في العالم أجمع وبازدياد مضطرد ولم تر في الأفق حلا سوى ثرثرة الإعلام وذاك الساهر الذي لم يفعل سوى حصد الملايين من الريالات يوميا كغرامات مخالفات عند الإشارات فإذا خلا المخالفون إلى شياطينهم قتلوا البشر وعاثوا في الأرض فسادا وهم آمنون ! ..
إذا عجزت عن فهم كل ذلك فانظر إلى من يموت أو يعاق على طرق وزارة النقل .. هل رأيت شيخ قبيلة يُنقل جثة هامدة على ظهر " ددسن " إلى أقرب مستشفى تابع لوزارة الصحة ليكمل مشواره الأخروي هناك ؟!
هل رأيت مثل هذا المشهد ؟! ..
شخصيا أذكر أن بعض المواقع نقلت قبل فترة خبرا مفاده أن معالي وزير النقل اهتز جانب من المركبة التي كانت تقل معاليه على أحد طرق وزارته المشئومة فسقط عقاله في حجره " يعني حضنه " ! فأمر على أثر ذلك بتشكيل لجنة لبحث السبب ولكن اللجنة سكتت أو " أُسكتت " ( أصصصصص .. أششششش !) بسبب الأنفس التي تموت يوميا بمثل ما حدث له فقرر معاليه أن يحمد الله ويبلع العافية مستندا إلى الحكمة التي تقول : " من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته " وأمام مصائب الناس ومناسبات العزاء التي تقام يوميا ودموع الثكلى والأرامل والأيتام هان على معاليه سقوط عقاله على ركبتيه والألم الذي سببه له فيهما !!
نحن أسرى ثقافة شيخ القبيلة .. فيا أيها الكتاب والمتكلمون أن من أعتق أسيرا عند شيخ القبيلة الكامن في عقله ألّلا واعي فكأنما أحيا القبيلة كلها !..
اللهم فاعتق بهذا المقال أسيرا واحدا وأجعل أفئدة من الناس تهوي إليه فقد أسكنته بواد غير ذي زرع في بلدك المقدس !!
تركي سليم الأكلبي
Turki2a@yahoo.com
التعليقات (0)