أسرار الرُقِى فى الدرجات
يتوقف علو الإنسان فى درجات القرب على النوايا والطوايا التى تصاحب العمل لله U، ... إذا كان يريد بعمله الخلق فهو منافقٌ، وإذا كان يريد بعمله الدار الآخرة فهو مسلمٌ، وإذا كان يريد بعمله وجه الله فقد دخل فى مقامات الإحسان لأن المحسنين هم الذين يعملون العمل طالبين رضاء ربِّ العالمين.
وكل ذلك مداره على القلب، فإذا أردت أن تكون كلُّ حركاتك وسكناتك طاعات فلابد أن تصحصح القلب حتى يكون واعياً وساعياً ويتلقى من الله عزوجل عند كل حركة وسكنة نوايا سديدة وإلهامات رشيدة تصحِّح بها الأعمال، ولذلك كان e يقول وما أصدقه وما أحكمه صلوات ربى وتسليماته عليه:
{ وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ }[18]
فالنائم قد يكون أفضل! كيف يكون نائماً وأفضل من القائم؟ لأنه نائم وقلبه بمولاه هائم، فمن الجائز أن تكون الأعضاء متعبة ولا تستجيب للصلاة لكن القلب فيه صلة بينه وبين مولاه، قلبٌ حاضرٌ وذاكرٌ وفاكرٌ وشاكرٌ لمولاه، والآخر من الجائز أن تكون الأعضاء واقفة وتركع وتسجد ولكن القلب شارد عن مولاه!
هذا القلب يريد من الخلق أن تمدحه على هذا العمل ويعظِّموه ويكرِّموه فى هذه الحياة وهو يعمل من أجل الرياء والسمعة، هذا العمل غير مقبول عند الله عزوجل ، ولذلك تصدر أحياناً من بعض الصالحين أعمال يظنها بعض الجهال شرور وآثام وهى قربات وبركات عند الواحد العلام عزوجل ، لأن العارفين يريدون الله:
فخل الخلق خلفك ثم عامل بصدق ذات مولاك العلية
ولا يريدون الظهور ولا الشهرة ولا الرياء ولا السمعة
، وفيهم يقول صل الله عليه وسلم:
{ كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لا يُؤْبَهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ
عَلَى اللّهِ لأَبَرَّهُ }[19]
فكان هدفهم دائماً أن يسقطوا شهرتهم بين الخلق حتى يظلوا دائماً فى صفاء ونقاء مع الحق U، لأن الخلق لو عرفت إنساناً ولو كان من كبار المقربين ربما يشغلوه عن ربِّ العالمين ويقطعوه عن مناجات الله والأُنس بالله جل فى علاه:
والخلق فتنة من أردنا صدوده وشهود أهل البعد فى الأدوار
لكن الله إذا أراد أن يجمع العباد عليه فهذا شأنه، لكن لا يسعى هو للخلق ليعرفوه ويتعرفوا عليه لأنه لا يريد إلا الحق عزوجل ، فإذا صلح القلب فيكون كما يقول سيدى أبويزيد البسطامى رحمه الله وأرضاه: (لو قال العارف سبحان الله بصفاء قلب مرة واحدة فى عمره لكفته فى دنياه وفى أخراه)، فمثله لا يحتاج إلى عدد لأنه يوجد مدد، ومثل هؤلاء ورد معنى حديث رسول الله صل الله عليه وسلم :
{ إن لله عباداً التسبيحة من أحدهم مثل جبل أحُد }،وفى الأثر:
{ وربَّ تسبيحة من إنسان أفضل من ملء الأرض من عمل غيره، وكان إدريس يرفع له في اليوم مثل عمل جميع أهل الأرض؛ وأن الرجلين ليكونان في الصف وأجر ما بين صلاتهما كما بين السماء والأرض.}[20]
ولذا قس على ذلك فكلنا نقرأ الفاتحة ولكن هل قراءتنا واحدة؟!وكلنا نصلى فهل صلاتنا واحدة!! بالطبع لا وقد وردت الأحاديث فى ذلك!
وخذوا مثالاً فسيدى عبد العزيز الديرينى رحمه الله وأرضاه وكان من العلماء العاملين من رجال الأزهر، أخذ منه أحد التجار قرضاً وكان من بلدة أخرى غير بلدته، وذهب ليطالبه بهذا القرض ومرَّ على بلد عند آذان المغرب فدخل ليصلى المغرب، فصلى بهم إمام لا يحسن التجويد، فقال فى نفسه أظل فى هذا البلد حتى أصحح لهذا الإمام القراءة ثم أذهب إلى التاجر أطالب بحقى – لأنه كان عندهم الدين النصيحة – وبعد السلام إذا بالإمام يقول له: يا عبد العزيز أسرع إلى التاجر لأنه غداً سيسافر إلى الشام ولن يرجع إلا بعد شهرين.
فأسرع فخرج وعندما وصل إلى التاجر وجده يجهز الجمال والأحمال وسيسافر فى الفجر، ثم رجع للرجل مرة أخرى، وقال له: يا عبد العزيز:
{ اهتممتم بلحن اللسان ولم تهتموا بلحن القلوب فحجبتم عن مطالعة الغيوب ، واهتممنا بتقويم القلوب فوق إصلاح اللسان فكشف الله U لنا الغيب عيان }
فالشاهد أن إصلاح القلوب هو الذى عليه المعول، وهذه هى بداية البداية، وهى سر كل نهاية وسر كل فتح وسر كل خير، وكل هذا مبدؤه صدق النيَّة وإخلاص الطويَّة..... وفى النهاية فالأمر كله فى القلب فهو الذى يحرِّك الإنسان نحو الربِّ والذى يفتح له أبواب القرب وخزن إلإنعام والمدد والودِّ.
التعليقات (0)