مواضيع اليوم

أستاذ إبراهيم عليق .. يكفيني فخرا أنك علمتني…

يحمر الشقيف

2015-02-08 05:09:21

0

في ذكراك الخامسة .. يكفيني فخرا أنك علمتني

أستاذ إبراهيم عليق: ..كنت مميزا ً.. مخلصا ً… وصاحب ضمير

بطريق الصدفة وأنا اتنقل اليوم بين مواقع الـ facbook لفتت نظري صورة.. بدا لي أني أعرف صاحبها لكن ليس بالمعنى الحقيقي للمعرفة. فما أراه من ملامح لا يشبه ما هو موجود في الذاكرة اذن ماذا؟ يصح القول أنني اعرف صاحب الصورة بالحدس لا بالحس..

 

قد يستغرب كثيرون ذلك ولكنها الحقيقة . لقد شعرت بانجذاب غريب نحو الصورة ورحت أبحلق فيها لكني لم استفد بما يعزز شعوري واستنتاجي فالصورة قديمة وباهتة وقد ضاعت ملامح صاحبها .. ولكني شعرت انه اقرب إلي مما أظن .. انتبهت ان صاحب الموقع يكتب اسمه بطريقة غير مألوفة Haçan Illaic نعم انه هو أستاذي … الأستاذ إبراهيم عليق..

صحيح أني لم أر الأستاذ إبراهيم منذ 29 سنة ، ولم يذكر اسمه أمامي إلا لماما طيلة هذه الفترة .. والمرة الأخيرة التي رأيته فيها قبل هذه المرة كانت في العام 72 يوم تخرجنا من دار المعلمين وكان مطلوبا أن نجتاز امتحانا تدريبيا في التدريس العملي في المدارس الرسمية يتحمل واحدنا كل مسؤولية الصف تحت رقابة الأستاذ المربي وقد التقيته وأنا على وشك التخرج أستاذا بعد أن علمني في الصف الثالث الابتدائي ولم يطل اللقاء

بعدها كان انقطاع طويل لأكثر من 14 عاما لا ذكر فيها ولا خبر ولا حتى لقاء مصادفة لكن هل حقيقة هو الأستاذ إبراهيم ؟

راسلت صاحب الموقع وسألته عن الصورة فقال إنها صورة والده بمناسبة الذكرى الخامسة لوفاته التي تصادف اليوم .. سبحان الله

بين خيبة الأمل وتعزية الابن الشاب مرت لحظات .. لكن هل هو الأستاذ إبراهيم؟
قال حسن نعم وأنا ابنه…

عدت بالذاكرة إلى العام 1986 ولقاء أخير ودروس وعبر ..

اذكر عصر ذات يوم سبت وقد صعدت مع عائلتي من بيروت لقضاء عطلة الأسبوع في الجنوب وكان ذلك في أوائل تشرين فوجدت والدي في انتظارنا عند مدخل البيت .. وبعد سلام وكلام وعناق واطمئنان فهمت أن والدي ينتظرني وينتظر سيارتي ربما اكثر مني لأداء مهمة لا تنجزها إلا سيارة “كركوعة” كالتي أسوقها وتصح فيها تسمية وسيلة نقل اكثر مما يليق بها اسم سيارة . والمهمة المنتظرة هي نقل عدد من تنكات الزيت من معصرة بين خراج بلدتي بريقع والزرارية .. والطريق طولها اكثر من 18 كيلو مترا في كل كيلو منها عشرة آلاف جورة ..

المهم أننا وصلنا مع غياب الشمس وتوجهنا نحو باب المعصرة وبالكاد نرى شيئا مما في داخلها فالنور ضئيل في الداخل أما في الخارج فما يزال هناك بصيص.
ولجنا الباب وكعادة أهل بلادنا عندما “يحول” أحدهم على مكان يحتمل وجود اكثر من شخص رفعنا صوتنا: ” السلام عليكم” لم يرد أحد ..

أجلت النظر لم أر سوى بعض عمال سود البشرة ربما لا يحسنون العربية لذلك لم يردوا .. خطوة أخرى للداخل وصدر من عمق المعصرة صوت من شخص خيل إلي انه واقف ويتفرس بالمدخل أهلا بفلان فلان ابن فلان زرقط ولفظ اسمي الأول والثاني باعتبار اسمي اسما مركبا من جزأين وقليل من الناس من يعرف ذلك إذ ينادونني باسمي الأول فقط وفي بيتنا لعل بعض اخوتي نسي هذا الموضوع فكيف يذكره هذا الغريب وقبل أن افتح فمي لأسال .. رد والدي : من؟ عباس؟ وينك يا عمي وهو يظنه ابن أخيه

رد صاحب الصوت : لا مش عباس تفضلوا يا حاج. ..

تفضلنا وإذا به الأستاذ إبراهيم عليق.. بهت والدي فهو لا يعرف الرجل ولم يسمع به مرة واستعجل علي السؤال وأنا بالكاد انتهي من تقبيل الأستاذ فسألني: من هذا؟

استدرك الأستاذ إبراهيم وسأل : كيفك ياحاج؟ ولم ينتظر جوابا و أردف: ما شاء الله صار شابا لقد علمته في الصف الثالث وكان شاطر ويعرف هدفه لذلك أنا احبه. تعبك يا حاج ما راح ع الفاضي طلع لك أستاذ قد الدنيا وكان حديث من القلب إلى القلب عن مهنة التعليم وشؤونها وشجونها وعن الفرق بين التعليم قديما والتربية الحديثة واذكر يومها انه سألني عن أسماء تلاميذ من رفاقي أنا بالكاد تذكرت أسماءهم أما هو فكان يسأل سؤال العارف الواثق المتابع..

وكان ذلك اليوم آخر يوم شاهدت فيه الأستاذ إبراهيم وتاريخه أوائل تشرين الأول سنة 1986

من يومها تعلمت أمرا راعيته سنوات . لقد اقتنيت ملفا قسمته فصولا رحت في كل عام أدون فيه أسماء التلاميذ الذين ادرسهم في كل صف وهو ما يزال في مكتبتي إلا أني لم اعد اكتب فيه أسماء التلاميذ لاني لم استطع أن أجاري أستاذي في متابعة وضع تلاميذي ولا أتمتع بصفاء ذهنه للأسف ولا بانتمائه الحقيقي لمهنة التعليم مع أني اعد نفسي من بقايا السلف الصالح المخلص والمحافظ على المناقبية الوظيفية وآداب الوظيفة المعتز بنفسه كمعلم ..

تتداخل الآن في ذهني فصول من سيرة عطرة لبعض معلمي في المرحلة الابتدائية والمتوسطة وحوادث وحكايات وأحس براحة يدي الاثنتين متورمتين وتؤلمانني وأكاد أرى عصا الرمان ترتفع وتهبط وتلسع جلود بعض تلاميذ صفي الكبار الطوال دون أن يداخلني أي عطف عليهم لأنهم لم ينفع معهم ضرب ولا محاسنة

الأستاذ إبراهيم كان عطوفا محبا مخلصا يحترمنا رغم صغيرنا ومع ذلك في سبيل مصلحتنا كان لا يراعي إلا من فقد الأمل منه فيكف عن تأنيبه أو معاقبته فيستدعي والده ويعلن براءته منه فيسرح من الصف غير مأسوف عليه ..

رحمك الله يا معلمي اليوم في ذكرى وفاتك الخامسة أجدني واقفا بين يديك أرجو الله لك حسن المآب والسكنى في عليين مع الأنبياء والشهداء والأولياء . لقد كنت قديسا ولكن لم نكن نعرف… لك الرحمة

محمد زرقط




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !