أضحت تتوالى إنهيارات النُظم الاقتصادية ( الليبرالية ) الرأسمالية ، كظاهرة مالوفة في منظومة الاقتصاد العالمي ، بدأت في الولايات المتحدة عام 2009 والقت بظلالها على إقتصاديات البلدان المتقدمة والنامية والفقيرة على حدٍٍ سواء ، بحيث أدَّت الى تعطيل برامج التنمية في الدول النامية بضمنها العراق ، وزيادة إفقار الشعوب الفقيرة التي تعتمد أساساً على المساعدات الخارجية في إستمرار بقائها على قيد الحياة . دول الاتحاد الاوربي تأثرت نسبياً بذلك الانهيار، لكن تأثرها لم يصل الى درجة التدهور كما حصل مع الاقتصاد الامريكي ، وما حدث من إنهيار كامل وشامل في الاقتصاد اليوناني لم يقع بصورة مفاجئة ، وإنما كانت هنالك اسباب ومقدمات لتلك الكارثة الاقتصادية ، نستطيع إيجازها بالنقاط التالية :-
1- تنص قوانين النشاط الاقتصادي لدول الاتحاد الاوربي على التزام الدول الاعضاء بأن يكون مستوى الانفاق لا يتعدى 3% فوق الناتج القومي الاجمالي ، في حين مستوى الانفاق في اليونان تجاوز 30% على الناتج القومي العام ، وأستمرَ الحال هكذا لعدة سنوات ، مما أدى الى إستنزاف الاحتياطي الاستراتيجي من النقد والذهب مع تراكم الديون .
2- يعاني القطاع الحكومي من الترهل وتضخم الكادر الاداري ، كما هو حاصل في العراق ، إذ تصل الزيادة في الكادر الوظيفي الى أكثر من 50% ، وهذا ناجم عن طبيعة ثقافة المجتمع اليوناني المشابهة للمجتمع العراقي في هذا المجال ، وأعني هنا ثقافة إرضاء أعضاء الحزب والاقرباء والاصدقاء عن طريق التعيينات في الدوائر الرسمية .
3- تُعتبَر اليونان من البلدان الحاضنة لآلاف المهاجرين الباحثين عن فرص العمل ، غالبية اولئك المهاجرين يزاولون عملهم الأجير بصورة غير قانونية ، ويطلق عليه بالعمل ( الأسوَد ) في أوربا الغربية ، لكونه غير خاضع لقوانين الضريبة ، وهذا يعني تهريب مبالغ خيالية من اليورو بصيغة تحويلات مالية سرية وغير شرعية من قِبل الأجراء الاجانب الى أُسرهم في اوطانهم الأصلية .
4- إستنزفت الألعاب الاولمبية التي جرت في أثينا عام 2004 أكثر من أربعة مليارات دولار ، وكان القائمون على تنظيمها من الجانب اليوناني ، يتوقعون حصول إيرادات أكثر مما أُنفِق ، لكن توقعاتهم كانت غير واقعية ، مما زاد العجز في الموازنة السنوية ، هذا العجز الذي استمرفي تصاعد مستمر و بصورة تراكمية.
ما يهمنا من كل ما ذكرته آنفاً ، هو أنَّ الانهيار المدمِّرالذي عصفَ بالاقتصاد اليوناني سببه إستقلالية البنك المركزي اليوناني المطلقة التي ما كانت تخضع لرقابة البرلمان ، زائداً إتباع سياسة إقتصادية فاشلة ، جوهرها ( ليبرالية كل نشاط إقتصادي ) مع فقدان ما يسمى ( صندوق الطواريء ) مهمته التصدي لهكذا أزمات . إقتصاديون كثيرون يطالبون الاستفادة والأخذ بتجربة رئيس وزراء ماليزيا الأسبق ( مهاتير محمد ) وكيفية نهوضه بالاقتصاد الماليزي ، علينا ان نعلم جيداً ، أن مهاتير محمد إستخدمَ القبضة الحديدية ولسنوات طويلة ، والبنك المركزي الماليزي كان مرتبط بالسلطة التنفيذية ، وكانت عقوبة سرقة المال العام والفساد الاداري تصل أحياناً الى الاعدام ! الى جانب ذلك التشدد ، إتّبع سياسة الانفتاح التدريجي على الاستثمار الاجنبي وليس إتباع سياسة التحول المباشر( بالصدمة العلاجية ) ، بحيث لم يؤثر على مرتكزات الاقتصاد الماليزي التي بنتها أيادي الشعب . لذا يتحتم تجريد البنك المركزي العراقي من إستقلاليته لمدة عشر سنوات ، وجعله مرتبط بمجلس الوزراء ، إضافة الى القيام بحملة تنظيف وإعادة هيكلة الكادر الوظيفي فيه وتخليصه من العقول المؤمنة بمبدأ تطبيق ( الوصفات الخارجية الجاهزة ) . نحن نعلم جيداً ، ان الآراء و الأفكار العلمية البنّاءة لن تجد صداها لدى المسؤولين ، لأنّ الذي يجري الآن هو تطبيق خطة ( الشبيبي – الزبيدي ) لتدمير الاقتصاد العراقي وليس لبنائه .
الكاتب عبد علي عوض
المصدر : الحوار المتمدن
التعليقات (0)