النرجيلة باتت المحور الذي يجمع الضيوف في الجلسات العامة، وأمست الأنيس للمستوحد الذي لا يملأ حياته سوى الفراغ ليحلو معها التأمل على وقع قرقعة مائها ورائحة دخانها!
ونحن في تحقيقنا هذا نفتح ملف ظاهرة تدخين النرجيلة أو الأركيلة والتي تشكل في الوسط الشبابي إحدى مكونات الثقافة اليوم، وباتت سلوكاً فردياً يومياً، تنتشر في كل مكان، في المقاهي وعلى الطرقات العامة وبين الشباب والشابات حصرا في العاصمة بغداد ومحافظات الاخرى ، وتطور الأمر ليمارسه الصغار خلسة في باقي محافظات القطر وفي حديثنا مع عدد من الشباب في أحدى هذه المقاهي أوضحوا تفضيلهم لتدخين النرجيلة في المقهى في جلسة مع الأصدقاء ( الكافتريا ) مكان عام يلتقي الأصدقاء فيه ويدخنون نرجيلة ويجلسون يدرسون، بعض الأحيان ندرس هنا ونكتب الشعر أو بعض الكتابات وهو مكان للترفيه".
وتحدث أحد زبائن المقهى عن سبب تدخينه للنرجيلة قائلا:"عندما أدخن النرجيلة ارتاح نفسيا وعقليا، وأشعر بالاسترخاء وراحة للأعصاب".وتحدث آخر وهو ينفخ الدخان عن اختلاف الأسعار بين مقهى وآخر، ولكنه أشار إلى أن الأسعار بشكل عام مناسبة لذوي الدخل المتوسط أو المحدود الأسعار بالنسبة لعامة الناس اعتقد مناسبة، أنا طالب جامعي وأحضر إلى هنا كل يوم لأشرب نرجيلة وشاي وكل ذلك لا يتجاوز الـ4 آلاف دينار".
( سيف ضياء الدين ) 24 عاما عاطل عن العمل يفضل تدخين النركيلة مع أصدقائه المقربين من عمره مرتين في الأسبوع في المقهى القريب من دارهم لأنها المتنفس الوحيد لشباب المنطقة فلا توجد مكتبات تستقبل الشباب ولا متنزهات في منطقتهم ولا أماكن مفيدة يستطيع الشاب أن يقضي وقته الفائض فيها .
( احمد كاظم ) 21 عاما طالب جامعي يميل إلى تدخينها في البيت , مرتين في الأسبوع لأنها تمتص كل تشجنانه وإرهاصاته النفسية وتساعد على حل مشاكله في رؤية وهدوء .
تنقلنا في أكثر من مقهى من المقاهي المنتشرة عشوائيا على الأرصفة العامة وبين جزرات الطرق , وصادفت شباب بعمر 16 عاما يتحلقون حول بعضهم بجلسة حميمة يثرثرون في أحاديث الغرام والمشاكل الاجتماعية التي يعانون منها في بيوتهم, لأتقطع أحاديثهم سوى أغنية مبتذلة تعرضها شاشة كبيرة تتوسط المقهى .
وقد وصف لنا (حيدر حسين 21عاما ) النركيلة بأنها صديقته المقربة منه والتي يحتاجها عندما يكون منزعجا وقال : إنا اشغل نفسي بالنركيلة في الأوقات التي يكون فيها بحاجة عن نفسي , اشعر أنها تكلمني وتخفف من ضغوط حياتي الجأ إليها في المقهى مع أصدقائي لقضاء أوقات ممتعة برفقتها .
لاحظنا هنالك من يدخن النركيلة بشكل معتدل , والبعض الأخر يعتبرها موضة ومواكبة مع العصر أو رغبة في جلب السعادة والراحة النفسية , ويوجد بعض الشباب من يخلط مع معسلها أنواع من المخدرات والبعض يمزجه مع الحبوب المخدرة المشهورة .
كما أن تدخين النركيلة لم يعد يقتصر على الذكور بل تعداه ليشمل النساء خاصة الفتيات بمقبل العمر حيث يلاحظ في بعض إحياء بغداد إقبال واسع على تدخين النركيلة من قبل الفتيات .
(رسل عامر ) 21 عاما تقول : لايوجد أي سبب وراء رغبتي في تدخين النركيلة وشعوري عادي جدا , ولكن هنا في مجتمعنا تؤخذ بعض المأخذ على المرأة المدخنة , بينما في الدول المجاورة قد تجاوزت هذه الحالة وأصبحت هناك مقاهي خاصة بالنساء لتدخين النركيلة إضافة إلى المقاهي المختلطة ولكننا هنا لانستطيع الجلوس والتدخين في المقاهي العامة ألا في بعض المطاعم والكافتريات السياحية وإنا أرى أن تدخين المرأة للنركيلة لا يختلف عن تدخين الرجل لان التدخين هو حالة واحدة عند الر جل اوعند المرأة .
مدخنة أخرى قالت لنا : أجد الراحة والهدوء عندما اسحب نفس الدخان من النركيلة انه ينزل على القلب كالبلسم .
وهل يعرف الأهل بأنك تدخنين النركيلة ؟
أهلي لايعرفون , فقد تعلمتها بالصدفة إثناء سفري إلى سوريا حيث شاركت صديقاتي التدخين في إحدى المقاهي المنتشرة هناك ورأيت العديد من النسوة يدخن النركيلة ولم أتردد في حينها في طلبها ولم انقطع عن التدخين بالرغم من الصعوبة التي أواجهها في التدخين , وهذه الصعوبة زادت من حلاوة تدخين النركيلة .
وقالت( شذى صالح )التي ترتاد إحدى مقاهي بغداد الراقية لتدخين النركيلة : دخلت أول مرة المقهى قبل عامين حين دعتني احدي صديقاتي لتناولها , ثم تعودت عليها , لكني أدخنها فقط في المقهى للتسلية مع صديقاتي كون الأسرة تمنعها في البيت .
بينما دعا مواطنون إلى حلول جادة لمواجهة ظاهرة انتشار مقاهي النركيلة والى التدخل لجهات المسؤولة إلى وضع إجراءات وقوانين للتخفيف من مخاطرها الصحية وانتشارها الذي وصفه بالكبير والمدمر .
قال ( أبو احمد ) 45 عاما : على الإباء مراقبة أولادهم خاصة في مرحلة المراهقة وتقديم النصائح لهم لمواجهة بعض التقليعات والظواهر السلبية واصفا ظاهرة انتشار النركيلة بأنها خطيرة ومدمرة , وأضاف أنها لاتليق بتقاليدنا كمجتمع محافظ , لافتا إلى انتشار عدد من المقاهي في مناطق كثيرة في بغداد لتقديم النركيلات للفتيات حصرا , منبها إلى أن البعض يخلط مواد مهدئة لتحمل نشوة ومتعة اكبر وهو مايصيب المدخن بالإدمان .
فيما طالب المواطن ( هاشم ناظم ) بمنع إعطاء التراخيص للمقاهي التي تقدم النركيلة للشباب دون سن 18 سنه , وعدم بيع النركيلة ومستلزماتها للمراهقين والشباب دون سن 18 سنة , ومنع تقديم النركيلة في الأماكن العامة وتكثيف الرقابة الصحية على المقاهي وإنزال العقوبات بالمخالفين .
ونبه ا لمواطن (علي عبد الجليل ) : إلى أن ظاهرة النركيلة التي غزت العراق هي حالة مرضية خلفتها البطالة والضغوطات المادية القاهرة والفراغ الذي لايتم استغلاله بنشاطات فاعلة ومفيدة وأضاف : النركيلة ظاهرة تستشري وتحتاج إلى دراسة والكثير من العمل لوضع خطط للحد منها كي لاينكفئ هذا الجيل الغني بأحلامه وطاقاته والفقير بالإمكانات المحركة والدافعة له للتعبير عن نفسه باتجاه التطوير والتنمية الشاملة .
صاحب احد المقاهي الحديثة المتخصصة بتقديم النركيلة في وسط بغداد تحدث عن رواجا كبير شهدته مهنتهم في العامين الأخيرين قائلا : في السابق كانت هنالك محلات محددة تقديم النركيلة لبعض كبار السن , لكن الأمر ألان مختلف تماما إذ هناك إقبالا واسعا على تدخين النركيلة في صفوف الشباب والمراهقين .
وأشار صاحب محل آخر لتدخين النركيلة : أن طريقة تقديم النركيلة اليوم تختلف عن السابق فهناك أنواع كثيرة من المعسل تلبي رغبات الزبائن وتتباين بطعمها وروائحها فعدا التفاح هناك التوت والبطيخ والعسل وأنواع أخرى قادمة من مناشئ مختلفة وبأسعار متباينة لافتا إلى أن الإقبال على النركيلة في تزايد رغم ارتفاع أسعار المعسل والفحم .
ويرى احد مرتادي المقاهي أن لانتشار النركيلة في السنوات الأخيرة أسباب عديدة تتعلق بارتفاع نسب البطالة وعدم توفر أماكن لاستقطاب الشباب والترفيه عنهم , فضلا عن مشكلة تقليد الآخرين لإثبات النفس , بينما عبر أخر عن اعتقاده بان النركيله جاءت إلى العراق من دول الجوار نتيجة تقليد أبطال المسلسلات السورية والمصرية التي تعرض على شاشة التلفزة , حيث أنها تحولت من تقليد إلى مودة ثم إلى إدمان لافتا إلى أن النركيلة كانت منتشرة في صفوف كبار السن فقط لكنها الآن أصبحت تحظى بشعبية في صفوف الشباب والمراهقين أكثر .
واعتبر (ميثم عبد الكاظم ) احد المرتادين لمقهى يقدم النركيلة , أن لانتشار هذه الظاهرة أسباب عديدة أولها انتشار البطالة مابين الشباب مشيرا إلى أن عدم وجود أماكن تستقطب الشباب وتشكل متنفسا يدفعهم للتوجه إلى المقاهي لتمضية أوقات فراغهم , منوها إلى أن المراهقين يرونها أسلوبا لإثبات وجودهم أمام المجتمع عبر تقليد الآخرين
وتقول (رجاء الصفار) الباحثة الاجتماعية : بدأت عادة التدخين تتفشى بين الشباب بشكل واسع حيث يبدأ الشاب بمحاولة التجربة ثم لا يلبث أن يقع فريسة الإدمان الذي لا يستطيع عنه فكاكاً وإن أدرك ضرره مبكراً وذلك بسبب وجود مادة النيكوتين التي تعتبر مسؤولة عن هذا الإدمان متجاهلين الأخطار التي تهدد صحتهم وتودي بحياتهم إلى الهلاك من جراء هذا الموت البطيء والأمراض التي تغزو أجسادهم وتهدد الجلد والفم والمريء والمعدة والرئة والقلب وأفتكها مرض السرطان كما أثبتت الدراسات الحديثة وأكدت على أثر التدخين في الإصابة بهذا المرض الخطير. ويقول المشرف التربوي الأستاذ (عباس ذياب ) : تختلف الأسباب الدافعة لتدخين النرجيلة بين شخص وآخر، ولكن هناك العديد من الأسباب المشتركة الدافعة إلى هذا السلوك خصوصاً لدى المراهقين أو الشباب، لعل أهمها التغييرات الفيزيولوجية لدى المراهق التي تجعله يعتقد أنه أصبح يملك قراره ما يدفعه لتجربة كل ما هو جديد محاولاً التمرد على القيم المجتمعية، فيبدأ بالسيجارة أو النرجيلة، وبعضهم ربما يلجأ إلى المخدرات معاذ الله.
ويضيف إن "هذا السلوك يتناسب مع الفراغ الاجتماعي الناتج عن البطالة المنتشرة بنسبة كبيرة، ما يضطر الشباب إلى القضاء عليه عبر (آخر نفس) وفق تعبير البعض منهم، وذلك هروباً من المشكلات الحياتية المتنوعة
من جهتهم حذر الأطباء من المخاطر الصحية العديدة لتدخين النركيلة مشيرين إلى أنها سبب رئيسي في العديد من الإمراض القائلة .إذ قال الدكتور ( عباس إبراهيم الوندي ) طبيب ممارس في دائرة صحة بغداد – الكرخ : أن النركيلة احد أسباب سرطان الشفاه وهو واحد من الإمراض السرطانية الأكثر الانتشار خاصة بين المدخنين للسكائر والنركيلة فالاحتراق المستمر يؤدي إلى تقرحات شديدة تصيب النسيج الحرشفي للشفة السفلية التي تغير لونها وتتورم . وأضاف : هذا المرض خطير بسبب صعوبة إعادة بناء الأنسجة من جديد بعد استصال الورم . منوها توجد بعض المواد الهيروكربونية في النركيلة إلى جانب مواد مشعة بنسبة ضئيلة تتراكم وتصبح ذات تأثيرات كبيرة جدا . ويرى الاستشاري في الإمراض الصدرية الدكتور ( وسام فاضل ) : إن النركيلة تضر بالصحة كثيرا والإدمان عليها قديؤدي إلى الإصابة بالجلطة القلبية المفاجئة أو الإصابة بإمراض السرطان جراء أنواع المعسل المستخدم فيها , ويؤكد أن رأس النركيلة يعادل ضرر 20 سيجارة سوية , ويرى أن تكون مقاهي النركيلة بعيدة عن المناطق المزدحمة بالسكان , فالتدخين السلبي عن طريق استنشاق الدخان يكون أكثر ضررا من التدخين الايجابي أحيانا وخاصة بالنسبة للمرضى المصابين بإمراض الصدرية والربو .
وقد بحثنا ضمن القوانين التي تحد وتمنع هذه الظاهرة فلم نجد قانون أو قرار يمنع تدخين النركيلة سوى بعض المقترحات يمنع فيها المطاعم والمقاهي من تقديم النركيلة ألا بشروط خاصة وكذلك يحمل المقهى تراخيص صحية .
كذلك لاتوجد أوامر بغلق هذه المقاهي رغم مضايقتها لحركة الناس وشلها بالتمام لكن هناك فقط النصيحة والتأثير الاجتماعي فقط وهناك من يأخذ بالرأي ويحترم وجهات الحياة وهناك من لايبالي بأحد , إذن المسالة تحتاج إلى قرار صارم وحكيم يحمي شبابنا المراهقين وكذلك فتياتنا الشابات يحميهم من الانزلاق وراء مظاهر تقودهم إلى الإدمان إلى إبعاد صحية واجتماعية خطيرة .
هل من حملات وقائية وتثقيفية؟ على المؤسسات المسؤولة أن تسجل وتتابع مثل هذه الظواهر الاجتماعية بما فيها وزارة البيئة والتربية والصحة والتخطيط والشباب والثقافة لأنها بدأت تشكل مؤثرا سلبيا على شبابنا وذلك عن طريق وتفعيل نشاطات رسمية وثقافية للتوعية ، ومنع الإعلانات والرعاية الإعلانية لمنتجات التبغ كافة، ووضع المحاذير المصورة على علب منتجات التبغ.
وتوظيف وسائل الإعلام بإعداد برنامج تستعرض مضار تدخين النرجيلة والسجائر، وكيفية معالجة موضوعه بجوانب متعددة قد يغني التحذير من مخاطر هذه الظاهرة إضافة إلى قيام المستشفيات بإصدار ملصقات ومنشورات تحذر من ممارسة التدخين.وهنا تقع المسؤولية أيضا على الدولة في حل هذه المشكلة بطريقة واحدة وهي تفعيل الإجازات الرسمية للمقاهي ومحاسبة المتجاوزين على شروط الصحة العامة وكذلك المتجاوزين على أملاك الدولة العامة من الطرقات والأرصفة والجزرات الوسطية , فاغلب هذه المقاهي غير مرخصة وزبائنها الصغار في العمر والتجربة من جهة أخرى فإن الأسرة مسؤولة إلى جانب مسؤولية الجهات الأخرى التي ذكرناها ، ودورها مهم جدا في توعية شبابها وشاباتها وهو في مرتبته الأولى بالنسبة للباقين.
http://www.beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=4367
التعليقات (0)