يحمل واقع حال منطقة الغرب ، بشكل عام ، مفارقة غريبة : أولا ، فهي المنطقة السهلية ؛ التي تنفرد بخصائص طبيعية متكاملة و منسجمة وظيفيا . و ثانيا ، منطقة موشوم على جسدها ، المثخن بالجراح ، كل عاهات الإقصاء الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي ؛ و كأنها تحمل لعنة أسطورية ، ولنقل بلغتنا " التابعة " ، تطاردها في حاضرها كما طاردتها في ماضيها المقبور . منطقة أريد لها أن تسير وفق إيقاعات زمنية مجرورة إلى الوراء ضدا على قانون التدفق الزمني نحو المستقبل . و المحصلة ، تربع جهة الغرب الشراردة بني أحسن على المواقع المتأخرة ، بشهادة رسمية مصادق عليها ، في ترتيب الجهات المغربية على قاعدة أبعاد مؤشرات التنمية البشرية .
كيف يمكن لأبناء الغرب أن يستوعبوا هذا التناقض الصارخ ؟ منطقة غنية طبيعيا ، و لكنها على حافة التنمية . إنه السؤال الذي يتملك أذهان كل أبناء المنطقة .فبمجرد انطلاق أي نقاش بين الساكنة الغرباوية ، في سياق عائلي أو اجتماعي أو مهني ، حتى يتدفق سيل من الأسئلة الملتهبة : لماذا منطقة الغرب تعيش هذا " القدر " البئيس ؟ من المسئول عن صناعة بؤس المنطقة ؟ و كيف يمكن اليوم للمنطقة الانفلات من قدر البؤس المكتوب عليها في " حجاب " السياسة الراهنة ؟
قد لا يتفق العديد من القراء أو المتتبعين على منسوب الصياغة التعبيرية لهذه الأسئلة / القلق النابع من عمق الشعور بالغبن ، لكن الإجماع مؤكد و ثابت في شأن الإقصاء التنموي لمنطقة الغرب ؛ فواقع الحال لا يرتفع .
هذا الواقع هو الذي حول أبناء الغرب كمعاول بشرية تمتهن أعمال عضلية شاقة ، فحيثما اتجهت في المغرب أو خارجه ستجد غرباوة يتأبطون الفؤوس و المعاول لشق الأساسات الأرضية للبنايات ؛ بعد أن لفظتهم أقسام تعليمية نائية في دواوير تفتقر لأبسط شروط الكرامة الإنسانية . دواوير تعيش على إيقاع الزمن الماضي الموغل في القدم ، حيث تنعدم أدنى الخدمات الاجتماعية الأساسية ، دواوير تحت رحمة و شفقة الطبيعة ؛ و عندما تغضب هذه الأخيرة ، و تعلن عن رجوعها إلى "الوطن الأم" ( بحكم أن المنطقة كانت عبارة عن مستنقعات و ضايات ، عملت السلطات الاستعمارية على تجفيفها و تحويلها إلى استغلاليات فلاحية )
و يرفع غرباوة صوتهم احتجاجا على الطبيعة أو السياسة ، يتعرضون لكل أشكال الاعتداء و الضرب ( حالة الخنيشات نموذجا ).
إن جهات عديدة تستفيد من تأبيد الوضع القائم في منطقة الغرب : جهات تنهش الثروة و تمتلك النفوذ السياسي اللازم لتغطية عملية النهب . جهات تستفيد من " عدم " وجود نخب محلية ملتزمة ، و غير متساكنة أو متصالحة مع الوضع القائم .يحز في نفسي ، كما يحز في نفوس كل أحرار المنطقة و الوطن ، حالة التردي التي وصلت إليها المنطقة .هذه الحالة ، التي تعطل أي تطور تنموي للوطن ككل .
أعتقد ، أن الدولة مرهقة بخطابات التجميل . فكل الجهات المسئولة جهويا تكرر ، بشكل ببغاوي ، لازمة " العام زين " حفاظا على مصالحها الأنانية .في حين أن واقع المنطقة ، كما تشهد بذلك تقارير رسمية ، واقع سيء على كافة الصعد و الأوجه : انعدام البنيات التحتية وهذا ما تفضحه سنويا الفيضانات ، غياب المشاريع التنموية في الصحة ، التعليم ، التشغيل ،،، الخ.هذا الواقع غير المشرف للمنطقة ، بات معروفا عند الجميع باستثناء من صنعوه أو المستفيدين منه .
واقع يتأسف عليه البعيد قبل القريب . أذكر أن أحد أصدقائي ،ينحدر من إقليم الراشيدية ، ارتسمت في ذهنه نفس المفارقة التي أشرنا إليها منذ البداية ، لكنه أضاف بعدا أكثر عمقا ، يستحق أن أشارككم فيه . قال : " ممكن أن أتفهم تردي وضعية منطقة الراشيدية ،بحكم انعدام الموارد و شح الطبيعة و إقصاء السياسة و وجود المنطقة في قلب " المغرب غير النافع " . لكنني لا أفهم أسباب و خلفيات – يضيف صديقنا - تردي أوضاع منطقة الغرب ، بحكم وفرة الموارد و نعمة الطبيعة و توطن المنطقة في قلب المغرب النافع " . و عطفا على ذلك نتساءل :كيف تحولت منطقة الغرب الغنية إلى منطقة فقيرة ؟ من المسئول عن ذلك ؟ ما حدود مسئولية السلطات و النخب الجهوية ،،، ؟ هذه بعض من الأسئلة التي يطرحها غرباوة يوميا ، فمن يجيب ؟
http://profhamidh.blogspot.com
التعليقات (0)