58
تطورات وتحولات
أسئلة القصة القصيرة المغاربية
ميدل ايست اونلاين
إعداد: محمد حجي محمد
إذا كان للمواقع الإلكترونية فضل في انتشار القصة القصيرة المغاربية في السنوات الأخيرة، فإن وضعية هذه القصة مازالت تثير العديد من الأسئلة في الوسط الأدبي، من قبيل: إذا كانت القصة القصيرة المغاربية قد اتكـأت في نشأتها على المشرق، فهل يكن اعتبار ذلك، نزوعا تقليديا يطبعه انبهار القصاصين بكل ما يأتي من الشرق؟ وبماذا يفسر ضعف الاهتمام المتبادل لدى المغاربيين بآثارهم وإبداعاتهم القصصية؟ وكيف ينظر القاص المغاربي إلى دور التجريب في الاشتغال التخييلي؟
الكاتب المغربي محمد اشويكة: المغاربيون والتواصل الثقافي المحتشم
أعتقد أن المسألة تتعلق بالسبق الزمني، وبتهيؤ المناخ العام في المشرق، وبالدخول المبكر للمطبعة هناك، وانتشار الصحافة.. ولا أظن أن الأمر يتعلق بعبقرية ما أو إبداع خارق يتجاوز الحدود الإنسانية. فالمغرب العربي، يتجاوز ويتباين من حيث الخصوصية الإبداعية الجديدة في مجال السرد. التجربة المشرقية ارتبطت بالواقع من حيث التوجه العام بالإيديولوجيات الغربية والعربية الكبرى.
أما بخصوص قضية الانبهار، فلا أظن أن قاصا حقيقيا يدرك الجوهر الإبداعي، ينبهر. الانبهار عائق أمام الإبداع والنقد معا، لذلك أفضل الميل إلى مفهوم التقليد الأعمى، أو التقليد اللاواعي.
أعتقد أن الأمر يعود إلى ضعف المؤسسات ذات الصلة بالمجال الثقافي، فرغم البرتوكولات والاتفاقات السياسية، وملحقاتها الثقافية، وحسن النوايا، والتصريحات المناسباتية المُجَامِلَة، يتواصل المغاربيون على المستوى الثقافي بشكل محتشم، ويتجلى ذلك في الغياب شبه التام من حضور منتوجاتهم في المكتبات التجارية المغاربية، فمن المؤسف أن نعرف كتاب المغرب العربي عن طريق دور النشر الفرنسية!
كما أن التواصل الضئيل الحاصل يتم على المستوى الجمعوي أو الثقافي الرسمي، ليظل التواصل الإبداعي الإنساني بين الأشخاص أقوى وأعمق، وأظن أنه امتداد لمحبة الشعوب المغاربية لبعضها البعض، وثمرة سنوات من التلاقح التاريخي.
أعتقد أن التجريب فلسفة لتناول روح الكتابة القصصية، وروح تتناول فلسفة القصة. فإذا أرد المغاربيون تجاوز السقوط في مطبات التقليد المشرقي والغربي، فلا مناص لهم من الانكفاء على تجاربهم الذاتية التي تنبع من خصوصيات محيطهم السوسيوثقافي. فالقاص الذي لا يستطيع أن يوجد في بيئته، لا يستطيع أن يوجد في مكان آخر مهما اجتهد في حشد "النقاد" حوله.
أظن أن الكتابة التي لا تشبه الذات الكاتبة الصادرة عنها، وتعكس همومها المرحلية والمستقبلية، كتابة محنطة لذلك أعتبر أن التجريب المغاربي، والمغربي، قليل منه الذي يجرب في انسجام، وكثير منه، افتعالي وانفعالي، وأتمنى أن يصل إلى مرحلة التفاعل الخلاق والمبدع.
الكاتب الجزائري خالد ساحلي: التجريب مهماز الكتابة وصولجانها
صحيح أن القصة القصيرة المغاربية في نشأتها قلدت نمط الكتابة الشرقية، ولكن ليس إلى حد لبس عادات وأحوال المجتمع الشرقي؛ تقليدا من حيث الشكل وهذا أمر طبيعي. حتى القصة المشرقية نفسها شربت روح الأدب الانجليزي. لقد نهل القصاصون المغاربيون من القصة القصيرة المشرقية وبخاصة المصرية واللبنانية على أساس اللون الأدبي الجديد الوافد وبلغة عربية قلّ من يستعملها ويفهمها في ظل استعمار حاول جهده لطمس الهوية واللغة، ليس لأن من سبقنا من قصاصين وُلعوا بالتقليد وإنما عامل المكان والزمان والوسائل هيأت لهم ما لم يتهيأ لقصاصينا.
في الوقت الذي كان بإمكان أي قصاص أن يطبع مجموعة قصصية، كان الكاتب المغاربي لا يزال يكتب قصصه ويسردها في حلقات السوق، نوادي المعمرين، ومقاهيهم.
أرى أن القصة المغاربية الحديثة تجاوزت هذه الوضعية، باعتبار أن هناك دائما البيئة المعينة التي تؤثر في الإبداع. ومع ذلك فالقصة المغاربية لم تكن منبهرة يوما بالمشرق ولكن هو تقليد في حدود الإعجاب لا غير.
أما عن السبب الذي يجعل أعمالنا معروفة خارج حدودنا ومجهولة مغاربيا، فالأمر واضح؛ بداية بمحدودية التوزيع وضعف صناعة الكتاب وسياسات النشر والطبع والميزانية المحدودة، إلى قلة الندوات والملتقيات. نحن يا أخي لا نكاد نلتقي على عكس غيرنا. والأهم تدخل الفعل السياسي في الفعل الثقافي.
القصة المغاربية شهدت تحولا ملحوظا في مضامينها وفي شكلها، فقد تغيرت أساليب كتابتها حيث تداخل فيها الشعري مع القصصي والمختزل مع المطوّل، لقد تكسر شكلها ونمطها وامتزج فيها الواقعي مع الغرائبي والمتخيل مع الحقيقي. مع ذلك يظل التجريب ضروريا فهو مهماز الكتابة وصولجانها.
الكاتب الليبي صابر الفيتوري: المثقفون المغاربيون وسلطة المشرق
إشكالية الهوية ما تزال تشغل المثقف في المغرب العربي، وهي معضلة لم تحسم بعد نظرا لاختلاف التصورات وتعددها بشأن هذه الهوية؛ فثمة من يعتبر القصة القصيرة وغيرها من المنجزات الأدبية في المغرب العربي امتدادا طبيعيا لما هو موجود في المشرق العربي غير آبه بالخصوصية الثقافية والتراثية لدول المغرب العربي. وبذلك باتت القصة القصيرة تابعة للوارد الثقافي المشرقي وفق ضرورات اللغة، ورضوخا لسؤال الراهن في الثقافة العربية المعاصرة. لقد وقع مثقفو المغرب العربي في فخ محاكاة المشرق كوسيلة للتعبير عن الانتماء.
لا شك أن ضعف الاهتمام المتبادل ناتج عن غياب دور فعلي للمؤسسات الثقافية المغاربية في بناء تواصل حقيقي ومستمر بين كتاب القصة القصيرة، فلا نكاد نسمع عن تظاهرات ثقافية تعطي اهتماما بالتجارب المغاربية إلا ما نزر. وأكاد أجزم أنه لم يحدث احتفاء مغاربي بتجربة قصصية من أحد أقطار المغرب العربي في قطر مغربي آخر بالحجم الذي يناله مبدع من خارج حدود المغربي العربي.
ولو أحصينا الملتقيات من هذا النوع، فالرقم مخجل حقا، وباستثناء بعض المبادرات الفردية في التواصل بين مبدع وآخر، فلا وجود لتواصل حقيقي برعاية المؤسسات المغاربية.
التجريب قيمة فنية استطاعت القصة في المغرب العربي أن تقتحمه بامتياز، لكنه في مرات كثير زاد عن حده، وتضمن مجانية ورتابة، وجاء بمثابة المعيق الفكري، وأجدني مع الذين يعتبرونه ملمحا من ملامح الرفاهية الفكرية، ولذلك نجد أن هناك من كتاب القصة أو الشعر وتخلوا عن هذا المنحى مؤخرا رغبة منهم في أن يكونوا أكثر تمثيلا لطبيعة بيئته وانفتاحا على كافة أشكال التعبير الإنساني.
الكاتب المغربي محمد الزموري: القصة المغاربية .. التاريخ المجهول
إن القصة القصيرة المغاربية رغم نشأتها المتأخرة بالقياس إلى المشرق عرفت تطورات وتحولات مست الشكل والرؤية ونحت منحى التجريب. ومن هنا, يصعب علينا أن نمثل بنصوص تؤرخ للبدايات نظرا لتماهي الكتابة عند الرواد بالخاطرة والرحلة وجنوحها نحو التأمل ورصد مستويات الصراع التي تحكم المجتمعات التقليدية.
لكن ليس من المصادفة في شيء أن نقول إن القصة القصيرة المغاربية في بداياتها اتجهت إلى تمثل واستدعاء نصوص المشارقة واستلهامها نظرا لغياب مدونة قصصية محلية. لا بد من الإشارة إلى نصوص بعض التونسيين أمثال علي الدوعاجي ومحمود المسعدي التي يمكن اعتبارها رغم تقدمها في الزمن ذات منحى تجريبي.
إن رواج وتداول مثل هذه الكتب يحتاج إلى قنوات تؤمن وصول الكتاب كغذاء ثقافي يومي. وفي غياب مؤسسات تولي الاهتمام الكافي للمنتوج الإبداعي وتعمل على تجسير التواصل بين البلدان المغاربية لتامين الاستمرار والتطور يبقى القارئ على جهل بما ينتجه الآخر.
إذا كان التجريب في بعض الأجناس التعبيرية اتصل بالرؤية البصرية وحركة الجسد وتعبيراته، فإن القصة القصيرة التجريبية نهضت على الانحرافات السردية وما تبتكره من أشكال تغاير المألوف بمنظور ورؤية مختلفة عن تلك التي كانت تؤثث القصة قبل التسعينيات. وبالتالي عمدت القصة المغاربية القصيرة إلى استضمار أجناس أدبية وغير أدبية, وكل هذا يومئ إلى ماهيتها الجديدة التي تسعى إلى ابتداع بنية سردية قائمة على تجاور السرد والشعر والحلم والتقطيع السينمائي, مما يسهم في تشظي السرد وتخريمه بفجوات وتهويمات تنهل من جماليات التفكك والتشظي لتجسيد المعاني المتنوعة والمفارقات.
المصدر:
http://middle-east-online.com/morocco/?id=80901
التعليقات (0)