عبـد الفتـاح الفاتحـي
انتهت رحلة مصطفى ولد سلمى باعتقاله من قبل مليشيات جبهة البوليساريو، بعد أن وجهت له تهمة "التجسس للعدو" والإخلال بالواجبات القانونية لأجهزة الأمن المنصوص عليها في ما يسمى "قانون العقوبات الصحراوي".
في بيان لما يسمى "المديرية الوطنية للشرطة الصحراوية" اعتبر أن الشرطي مصطفى سلمى أخل بالواجبات والمسؤوليات القانونية والأخلاقية التي يمليها انتماؤه إلى جهاز "الشرطة الوطنية الصحراوية"، وفي مقدمتها الدفاع عن حرمة وسيادة ووحدة الوطن وحماية القانون".
وكان مصطفى ولد سلمى قد وضع على عاتقه حمل مشروع الحكم الذاتي المغربي معه لعرضه على كل الصحراويين المحتجزين بمخيمات تندوف.
وعلى عكس أزمة أميناتو حيدر التي أثيرت عقب ترحيل المغرب لها نحو إسبانيا بعدما تبرأت من جواز سفرها المغربي لم تلق أزمة مصطفى ولد سلمى الاهتمام الإعلامي الدولي والإسباني، ذلك أن أزمة أميناتو حيدر حظيت باهتمام إعلامي مبالغ فيه حتى أصبحت قضية رأي عام دولي فتدخلت كل القوى الحية والأمم المتحدة لحمل المغرب على القبول بعودتها إلى العيون.
وعلى الرغم من ذلك فإن قضية مصطفى ولد سلمى وبالقدر الذي تثيره من اهتمام إعلامي بالتزامن مع جولة كريستوفر روس لتهيئة الأجواء لمفاوضات جديدة بين المغرب والبوليساريو، فإنها كذلك تذكي الرغبة المتزايدة لسكان المخيمات للالتحاق بالأقاليم الجنوبية وهي الغاية الإستراتيجية للمغرب في الوقت الراهن، بعدما اقتنع بأن التعويل على المسالك القانونية لمنظمة العفو الدولية، قد لا تجدي لبطئها الشديد.
ويواصل مصطفى ولد سلمى رحلته نحو المخيمات وفق أجندة مضبوطة -يبدو أن المغرب الرسمي خارجا منها- على اعتبار أن الشخصية المعنية بالأمر تعد من قيادات البوليساريو وتعبر عن قناعتها السياسية في حياد تام، مؤمنة ومصرة للدفاع عن مقترح الحكم الذاتي من داخل مخيمات تندوف، رغم تهديدات الجبهة له. إذ أكد مدير مكتبها في باريس أن مصطفى سلمى ولد سيدي مولود لم يعد صحراويا ولا علاقة له بالجبهة في إشارة واضحة إلى إمكانية عرقلة دخوله إلى المخيمات.
كما أشار المسؤول الصحراوي أن قادة البوليساريو قد هددته بالاغتيال لم يتراجع عن مواقفه، إلا أن أبدى مزيدا من الإصرار على مواصلة الطريق نحو أسرته وعائلته في المخيمات، واتهم مصطفى ولد سلمى جبهة البوليساريو بكبح آمال الشعب الصحراوي في الحرية والانعتاق من جحيم المخيمات، مؤكدا أن هذه الطغمة تتحدث باسم الشعب الصحراوي دون تفويض أو تمثيل عادل لفروعه القبلية الأصيلة، وأن قبيلة لبيهات التي ينتمي إليها لم تعط أي حق في تدبير شؤون الصحراويين وأن كل القرارات محصورة بيد فئة معروفة بولائها للجزائر.
وأوضح أن إقدام قيادة "البوليساريو" على اتهامه بالخيانة ومنعه من دخول مخيمات تندوف والالتحاق بعائلته وتدخلهم لتغيير اسم ابنته أمور لم يسبق لها أن طرأت في أي مكان من العالم.
والحق أن مبادرة مصطفى ولد سلمى شكلت الاستثناء في حالات عودة قيادات البوليساريو، إذ فضل ولد سلمى مواصلة النضال من أجل ما أسماه بـ "تحرير الصحراويين من استعباد الانفصاليين" على الالتحاق بالمغرب وربح مكتسبات شخصية مادية ومنصب من الدولة المغربية بعد ترديد فلسفتها على أمام وسائل الإعلام الرسمية. حيث يقول: "إذا كنت قد قررت العودة إلى تندوف، رغم التهديدات التي أتلقاها من قبل قادة البوليساريو، فلأجل تحرير الصحراويين من استعباد الانفصاليين.. وأنا واع بأن حياتي في خطر، بيد أنني قررت العودة إلى تندوف لكوني أود أن أقول للكل بأن السياسة المتبعة من قبل قيادة البوليساريو خاطئة".
استثناء سجل في خروجه إلى العلن ليعارض الأسلوب الشمولي للبوليساريو من الداخل في الوقت الذي فشلت فيه تنظيمات أخرى معارضة للبوليساريو من فعل ذلك، واكتفت بإصدار بيانات وتصريحات سرية بين الفينة والأخرى دون ممارسة المعارضة من داخل جبهة البوليساريو.
إن المغرب وبفضل مصطفى ولد سلمى قد رد الصاع الصاعين للبوليساريو والجزائر بعد حادث أميناتو حيدر، ونجح عبره في تحقيق رهان استراتيجية المغرب القاضية بنقل المعركة إلى داخل مخيمات تندوف في أفق تفكيكها بالكامل.
ويتعزز نجاح إستراتيجية المغرب من أجل تفكيك مخيمات لحمادة بتحرك المؤسسات الحقوقية لمؤازرة مصطفى سلمى، حيث ناشد المركز الديموقراطي الدولي مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة الذي تنعقد حاليا دورته ال15 بجنيف، دعم العمل من أجل إطلاق سراح الأسر التي ما تزال محتجزة بمخيمات تندوف، بالجزائر، وتمكينها من الالتحاق بذويها بالصحراء المغربية.
ويتواصل ارتفاع الأصوات الداعية للمنظمات الحقوقية الدولية للعمل على ضمان وأمن وسلامة مصطفى سلمى إلى أن يلتحق بعائلته في مخيمات تندوف دون أن يتعرض للانتقام من قبل قيادة "لبوليساريو".
في السياق ذاته وجه المركز الأورومتوسطي للتعاون والدبلوماسية المواطنة، ببروكسيل، نداء "عاجلا" إلى الجمعيات البلجيكية والأوروبية من أجل ضمان حماية مصطفى سلمى ولد سيدي مولود حين عودته إلى مخيمات تندوف بالجزائر نظرا لكون حياته باتت "اليوم مهددة".
وأضاف المركز الأوروبي، إنه من منطلق "انشغاله بتخليص الصحراويين من المحنة التي يعانون منها منذ زمن طويل في مخيمات تندوف بالجزائر، كان ولد سيدي مولود قد أشار إلى أن مشروع الاستقلال الذاتي، كما اقترحه المغرب على الهيئات الأممية سنة 2007، يعد حلا ممكنا. وهو مقترح يستدعي - بالنسبة إليه- توضيحه إلى سكان مخيمات تندوف".
وأشارت الوثيقة إلى أن رغبة ولد سيدي مولود في "تحسيس "البوليساريو" وسكان المخيمات بمقترح الحكم الذاتي، كلفته اليوم المنع، والمجازفة بحياته في حالة دخوله مخيمات تندوف، حيث يستقر منذ أكثر من 31 عاما" مبرزة أن "أفراد أسرته، ومعهم سكان المخيمات، قد تلقوا تهديدا صريحا بالانتقام منهم في حال قيامهم بمظاهرة لتأييد ولد سيدي مولود".
كما وجهت الجمعية الاسبانية الصحراوية "حوار" نداء إلى منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام والهيئات الرسمية في إسبانيا من أجل إجبار البوليساريو والجزائر على احترام حق مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، المفتش العام "لشرطة البوليساريو" في العودة "دون شروط أو تهديدات" إلى مخيمات تندوف.
وأشارت الجمعية إلى أن "منع البوليساريو عودة مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، الذي أعلن عن دعمه لمخطط الحكم الذاتي التي تقدم به المغرب باعتباره السبيل الوحيد والجدي لإنهاء النزاع حول الصحراء، يعد شكلا من أشكال الإرهاب النفسي".
وأدانت "بقوة رد الفعل السلبي لبعض وسائل الإعلام ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان والأحزاب السياسية الإسبانية تجاه حالة مصطفى سلمى ولد سيدي مولود وهو الأمر الذي لم تفعله عندما تعلق الأمر بأميناتو حيدر".
وتساءلت الجمعية الاسبانية الصحراوية في هذا الصدد "أليس لهذا الشخص نفس الحق مثل أميناتو حيدر بأن يكون بجانب أطفاله؟ أليس من حق هذا الشخص وهو صحراوي مثل حيدر أن يحظى بدعمكم؟ أو ربما أطفاله لا يستحقون نفس المعاملة مثل أطفال حيدر؟، منددة باستغلال قضية حقوق الإنسان النبيلة عندما يتعلق الأمر بمسألة الصحراء.
ويسجل تحامل الإعلام الدولي والإسباني المستأجر للمس بالسيادة المغربية حين نقارن بين أسلوب تعاطيه مع مصطفى ولد سلمى ومع مسرحية "أميناتو حيدر"، والتي انتهت بعودتها إلى العيون لاحتواء المأزق الحقوقي.
عدد من المحللين السياسيين اعتبروا أن المغرب الذي قبل بعودة أميناتو حيدر إلى العيون، فإنه بالمقابل كسب ورقة إعادة تذكير المنتظم الدولي بأن الصحراء قضية سيادية، وهو ما جعل عدد من الدول الكبرى تتقبل الموقف المغربي ونأت عن نفسها من ممارسة ضغوطات سياسية واقتصادية عليه، حتى أن الاتحاد الأوربي رفض قرار إدانة المغرب لإبعاد أميناتو حيدر، بل كافأه بالتوقيع معه على اتفاقية تعزز تنافسية المنتوجات الفلاحية المغربية داخل السوق الأوربية، وهو ما اعتبر لدى المحللين السياسيين تقوية الموقف المغربي على مستوى سيادته السياسية في الأراضي الجنوبية مقابل تبخيس الخطاب الإعلامي.
ومعلوم أن إعادة جبهة البوليساريو صياغة استراتيجية التشهير بالمغرب انطلاقا من الجانب الحقوقي الداخلي، قد خلق للمغرب عدة متاعب أمنية وحقوقية كبيرة، فأوقفته عاجزا في المنزلة بين المنزلتين، فإما أن يجرم أشكال الاحتجاج في الصحراء وسجن الناشطين الصحراويين لحماية ما يسميه ثوابته الوطنية، وبين اعتبار تلك التحركات هامشا من الحريات التي أفرز عنها التوجه الحقوقي والديموقراطي بالمغرب.
ولم يكن المغرب يقوى على التضحية بمسيرته الحقوقية، فوقف مدة من الزمن متفرجا على المس بثوابته وإحراق علمه الوطني وتعليق علم البوليساريو، وضحى برجل أمن حين حاكمه بتهمة الاستعمال المفرط للقوة في بعض التظاهرات.
Elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)