عبـد الفتـاح الفاتحـي
اشتعل لهيب أسعار القمح في الأسواق العالمية إلى أرقام قياسية، وسط تخوفات من وقوع أزمة غذائية في العالم، وذلك عقب إعلان منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن انخفاض الإنتاج العالمي للقمح خلال سنة 2010 سيصل إلى حوالي 25 مليون طن.
توقعات تبدو مؤكدة بعد استمرار حالة الجفاف المدمر في روسيا الاتحادية وما تلى ذلك من اندلاع حرائق قوية في هذا البلد، الذي يعد من أهم مصدري القمح في العالم، واقع انخفاض العرض من القمح في الأسواق العالمية، عززه بحق القرار الروسي الذي حظر تصدير القمح إلى الخارج. وتعززت هذه التوقعات بانخفاض إنتاج القمح في كزاخستان وأوكرانيا.
ولم تكن توقعات الفاو المبنية على تحليل وضعية الإنتاج في روسيا وباقي دول أوربا الشرقية، إلا تأكيد على أهمية المورد الروسي-ثالث أكبر دولة مصدرة- لسوق القمح في العالم، وهو ما تأكد بالفعل حين ارتفعت أسعار القمح العالمية بأكثر من 50 % منذ يونيو الماضي.
وقال الاتحاد الروسي للحبوب إنه يتوقع أن تنخفض الصادرات إلى 15 مليون طن، انخفاضا من 21.4 مليونا عام 2009، في حين يقدرها محللون بـ12 مليون طن فحسب. لكن الأسعار ارتفعت مباشرة بعد هذا التوقع إلى نحو 40% في يوليوز الماضي في أسواق المال.
وتوقع محللون أن محصول القمح الأوروبي سينخفض هي الأخرى إلى ما بين 126 و128 مليون طن، من 130 مليونا فـي الموسم الماضي. وتبعا لقرار الحظر الروسي تصدير القمح ارتفعت أسعار القمح الأمريكي بأكثر من 6%. ويسجل هذا الارتفاع غير المسبوق في أسعار القمح عشية إعلان عدد من الدول المغاربية طرح عمليات مناقصة لاستيراد كميات كبيرة من القمح لتغطية عجزها من هذه المادة الغذائية الأساسية بالنسبة لسكان المغرب العربي.
إن هذه التوقعات لوحدها كفيلة لأن تلهب أسعار القمح إلى مستويات قياسية، حتى أن عددا من المحللين اعتبروا أن هذا العام سيعد الأغلى على مستوى أسعار القمح وسط مخاوف من وقوع أزمة غذائية شبيهة بأزمة سنة 2008.
المملكة العربية السعودية وفي سياق بعث الاطمئنان إلى المستوردين توقعت عبر المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق السعودية أن تسجل أسعار القمح العالمية مزيدا من التراجع، لكن ليس إلى المستويات المتدنية المسجلة في وقت سابق من العام الجاري.
ولفتت المؤسسة الحكومية إلى أن احتياطياتها الحالية من القمح تمكنها من الانتظار خمسة أشهر قبل إصدار مناقصتها التالية لشراء قمح. بعدما سجل ارتفاع في محصول المملكة خلال العام الجاري بسنبة 16% إلى 1.1 مليون طن مقارنة مع 950 ألف طن العام الماضي.
وأفادت المؤسسة أن احتياطيات المؤسسة من القمح تكفي لتغطية احتياجات المملكة حتى أبريل المقبل دون احتساب 990 ألف طن من القمح اشترتها المؤسسة في يونيو الماضي ومخزونات إضافية من الدقيق تبلغ تسعين ألف طن.
في ظل هذه المعطيات يتأكد أن معاناة الدول المغاربية ستكون حقيقية، ذلك لأن أمنها الغذائي اليوم بيد الأسواق العالمية التي رفعت الأسعار إلى مستويات قياسية ستنهك ميزانية المغاربيين أكثر من أي وقت مضى.
ويتساءل خبراء الزراعة المغاربيون إلى حد يستمر الأمن الغذائي للدول المغاربية رهين الاستيراد من الخارج، في ظل توافر إمكانيات زراعية هائلة تحقق فائضا عن الأمن الغذائي.
وإذا كان البعض يرجع ضعف إنتاج القمح إلى الظروف المناخية والبيئية، فإن آخرون يرجعون الأمر إلى انعدام رؤية زراعية تسطر أهداف على تحقيق الأمن الغذائي للبلدان المغربية. واستدلوا على ذلك بانهيار الإنتاج المغربي من القمح من 9 ملايين طن إلى 2.1 مليون طن، منا يعني أن الإنتاج يخضع لتأثير المناخ السنوي، ويعني أن قضية الجفاف التي صارت تشكل العادي في سنوات المغرب لم يتعامل معها كمشكل بنيوي، واعتبروا أن المخطط الأخضر الذي وضعه المغرب مؤخرا أراد أن يتدارك هذا الاختلال في استراتيجية الزراعية بالمغرب.
ويرى المراقبون أن الميزان التجاري المغربي يختل بنسبة 39% عندما لم تعمل الصادرات الصناعية على تعويض زيادة كلفة واردات الحبوب والوقود، أي أن العجز التجاري يزيد عن ما قيمته 137 مليار درهم، وذلك بعد ارتفعت واردات المغرب من القمح اللين بشكل تجاوز التوقعات لتصل إلى أزيد من ثلاثة ملايين طن.
ومعلوم أن النقص في إنتاج القمح في الدول المغاربية يجعلها من المستوردين الكبار للقمح وعادة ما يشترون أزيد مما ينتجون سنويا، ولذلك ترتفع فاتورة غذائها إلى ما يزيد عن الأربعين مليار دولار.
ويحتاج المغرب إلى ثلاثة ملايين طن من القمح بعد أن تهاوى إنتاجه من الحبوب من تسعة ملايين طن إلى مليونين ومائة ألف طن، وأن الجزائر في كانت دائما في حاجة إلى استيراد أكثر من خمسة ملايين طن من القمح قبل أن تعلن تحقيق اكتفائها الذاتي من القمح خلال هذه السنة، في حين رفعت تونس حجم وارداتها من القمح إلى ستمائة ألف طن.
وكانت الجزائر تصنف ضمن أكبر الدول المستوردة لهذه المادة على المستوى الإفريقي ومن الخمسة الأوائل عالميا باستيراد ما نسبته 5 بالمائة من الإنتاج العالمي، أي أكثر من 5 ملايين طن في السنة، قبل أن تضع مخطط التنمية الفلاحية الجديد الرامي إلى رفع الإنتاج عبر التركيز على تحسين وتطوير نوعية البذور وتكثيف الإنتاج على حساب تقليص المساحات المزروعة التي تم إبقاؤها في حدود 3 ملايير و200 مليون هكتار.
وكانت فاتورة استيراد القمح تكلف الجزائر لنصف سنة فقط أزيد من 823.422 مليون دولار، وذلك لارتفاع أسعار القمح في الأسواق العالمية.
لكنها هذه السنة فقد أعلنت من أنها تملك حاليا ما يكفي لضمان تغطية مدة ستة أشهر، بفضل الإنتاج الذي بلغ خلال الحملة الفلاحية 2008 - 2009 ما يضاهي 6.1 مليون طن من الحبوب الموزعة بين 24 مليون قنطار من الشعير و24.3 مليون قنطار من القمح الصلب و 11.3 مليون قنطار من القمح اللين.
أما تونس فلا يتعدى إنتاجها مليوني طن من القمح في الظروف الجوية الجيدة، أما في نذرة المطر فإن إنتاجها لا يتجاوز حوالي 1.6 مليون طن، وبذلك يتراجع محصول القمح بحوالي مليون طن مقارنة بمحصول العام الماضي (2.5 مليون طن)، الذي شهد ارتفاعا قياسا بمحصول عام 2008 البالغ 1.1 مليون طن. وإزاء ذلك تستورد تونس قرابة مليون طن آخر من القمح، تلبية حاجياتها الداخلية البالغة نحو 2.7 مليون طن وهو يتقارب مع متوسط وارداتها من القمح على مدى العشر سنوات الماضية بحوالي مليون طن سنويا حيث تعتبر تونس من أكبر مستوردي القمح في شمال إفريقيا.
وفي غمرة المضاربات التجارية بأسعار القمح، إثر التخوفات الإعلامية التي أثيرت حول إمكانية وقوع أزمة غذائية، أعلن المكتب الوطني اﻟﻤﻬﻨﻲ ﻟﻠﺤﺒﻮب في المغرب عن طرح مناقصة لشراء 140 ألف طن من القمح الصلد من الولايات المتحدة في إطار اتفاقية تعريفة تفضيلية، 100 ألف طن من الشعير و4500 طن من القمح الصلد من الاتحاد الأوروبي بموجب اتفاق للرسوم الجمركية التفضيلية.
وكان المكتب الوطني للحبوب قد أعلن في ديسمبر الماضي، أن المغرب في حاجة إلى استيراد ما بين 1.3 و1.7 مليون طن من القمح اللين قبل موسم حصاد 2010، وإنه سيخفض الرسوم الجمركية التي تبلغ 135 بالمائة اعتباراً من يناير بهدف المساعدة على تدفق الواردات.
في حين أعلن مكتب الحبوب التونسي الحكومي عن طرح مناقصة لشراء 75 ألف طن من القمح.
وكانت تونس قد توقعت أن يبلغ إنتاج الحبوب 1.6 مليون طن انخفاضا من 2.5 مليون العام الماضي.
وأعلنت ليبيا اعتزامها استيراد 1.5 مليون طن من الحبوب خلال العام الجاري.
إن الدول المغاربية تمتلك بدون شك إمكانيات فلاحية هائلة كفيلة بأن تجعلها في ظروف قياسية أن تصبح من المصدرين لهذه المادة الحيوية، بعد تحقيق أمنها الغذائي. وعليه فإن الارتباطات الوحدوية في إطار المغرب العربي كفيل بالوصول إلى هذه الغاية.
التعليقات (0)