ملاحظة أساسية تتكرر كلما تم الحديث عن مكانة اللغة العربية وحضورها، حيث يتم استحضار الدين الإسلامي في الموضوع. وهذا الربط المباشر بين اللغة والدين فيه كثير من التعسف و الوصاية، لأنه يجعل الإسلام ملكا لفئة محددة تتكلم بلسان العرب، ويجعل العرق ( العروبة ) مرادفا للعقيدة ( الإسلام).
من المعلوم أن نزول القرآن الكريم بلسان عربي هو الذي أعطى اللغة العربية إشراقتها و مكانتها عند المسلمين، وكل مسلم يؤدي فرائضه الدينية، يجد نفسه مجبرا على تعلم كلمات عربية لا يمكن الإستغناء عنها في طقوس الممارسة التعبدية وخصوصا في الصلاة. وبذلك فارتباط المسلمين في كل مكان بلغة العرب يعتبر جزءا من العبادة، مادامت تلاوة القرآن لا تستقيم إلا باللسان الذي أنزل به. لذلك فهم يتعلمون ما تيسر لهم من كلمات القرآن بغرض أداء الفرائض الدينية، وليس بقصد المعرفة و اكتساب أداة جديدة للتواصل. وهكذا يمكن القول أن قيمة اللغة العربية لا تتحدد إلا ضمن هذه الحدود التعبدية... وعندما يتم تعريض هذه اللغة للنقد والمناقشة يتصدى البعض لذلك بدعوى أن العربية هي لغة القرآن وأهل الجنة. وهذا يجعلها في منأى عن النقد حسب هذا التصور. وهذا ما ينطبق على هذا المنبر الذي نتواصل عبره هنا أيضا. حيث أقرأ في تعليقات الكثير من القراء( الذين يردون على كتابات تناقش العروبة وتتداول الحقوق اللغوية و الثقافية لبعض الهويات الأخرى كالأمازيغ و الأكراد) تعليقات عنيفة تتهمهم بالتآمر على العروبة والإسلام... غير أننا نعرف أن المكانة التي اكتسبتها اللغة العربية بفضل القرآن لا تجعلها في مقام المقدسات. فهي شأنها في ذلك شأن كل لغات العالم لا تعدو أن تكون وسيلة للخطاب. وعندما ننظر إلى حضور هذه اللغة اليوم لا نجد لها أي تأثير، وخصوصا في مجال المستجدات التكنولوجية والعلمية، فقد أصبحت العربية عاجزة عن نحت المفاهيم و مسايرة ركب التطور الحضاري، وذلك بسبب عجز العقل العربي عن المساهمة في بناء أركان الحضارة الإنسانية.
إن الإصرار على النفخ في مكانة اللغة العربية هو احتفال عاطفي فقط، فحفظ العربية واستمرارها ما كان ليتم لولا القرآن. لكن الحفاظ الحقيقي على اللغة وإشعاعها لا يتوقف عند حماية ربانية للنص القرآني من التحريف و التزوير. فهذه حماية لمنطوق محدد أريد له أن يكون صالحا لكل زمان ومكان. لذلك فالحفظ الرباني يخص معاني و دلالات و تعاليم هذا الدين، أما اللغة فهي مجرد وسيلة للتبليغ مادام نبي الإسلام المختار كان عربيا. لكن بعض المتعصبين للعربية يستغلون هذه المكانة الدينية، فيجعلون المس باللغة العربية تجاوزا للخطوط الحمراء، وذلك بذريعة المساس بالدين الإسلامي. وهنا ينبغي التوقف عند السؤال التالي: هل يعد انتقاد العربية مسا بالقرآن والإسلام؟. هل القول بأن لغة العرب جامدة و غير مواكبة لروح العصر يعد تجريحا في حق الإسلام؟. الحقيقة أن موقع العربية كلغة للتداول بين اللغات الحية في العالم يليق تماما بمقام أهلها. ولا يمكن لهذه اللغة أن تتقدم أو تواكب التطورات إذا كان المتكلمون بها يعيشون خارج العصر، و يفكرون بآليات موغلة في القدم. وهكذا لا يمكن تجديد اللغة و إحياؤها إلا إذا نجح أهلها في الرقي و الأخذ بأسباب العلم والمعرفة. و قوة لغات مثل الإنجليزية والفرنسية الألمانية لا تتوقف على عدد الناطقين بها فحسب، بل ترتبط بحضورها الفعلي في ميادين العلم المختلفة. وإذا طبقنا هذا المعيار للمفاضلة بين اللغات سنستنتج بسرعة حجم اللغة العربية في هذا العالم.
ليست اللغة العربية وصية على الإسلام. ثم إن أغلب المسلمين في العالم ليسوا من الناطقين بها. إنها لا تعدو أن تكون وسيلة للتواصل بين الناس كباقي اللغات، وماعدا ذلك فلا امتياز لها إلا في عقول الذين يريدون أن يفرضوها ركنا من أركان الإسلام. محمد مغوتي.20/06/2010.
التعليقات (0)