مغامرة غير محسوبة النتائج..ومحفوفة بالضجر اصبحت ممارسة الابحار في فوضى الاعلام الرسمي العربي ..فليس هناك من مأمن ان تدوس على نص ملغم..او مادة مفخخة..ولن تكون الغفلة او حسن النية عذرا لك اذا تشظت في طريقك الاكاذيب غيرالمتقنة ..
لم تحسن السيدة بثينة شعبان تمويه مقاصدها وهي تستدر عطف-او تعاطف- الاعلام الغربي مع معاناتها الشخصية في مكابدة ان تمر عليها ذكرى عزيز راحل ولا زهور توضع برفق على قبره البعيد..ولم يكن من الحكمة ان تختار الاعلام الانجليزي البارد لتحاول من خلاله ان تبعث بعض الدفء لعلاقات نظامها الواهن مع القارة العجوز العنود..
لسنتين..تقول السيدة شعبان:" ونحن نرغب في الذهاب إلى مقبرة العائلة"ومغالبة دموعها تضيف"لكنني لا استطيع الذهاب لأني أخشى أن اقتل في حمص"..ومع منديلها المبلل بما جادت به عيناها الحزينة تستل من حقيبتها الورقة الاقرب الى قلب كل مسؤول عربي في لقاءاته مع الاعلام الغربي..فتعرض حقيبة تسوقها فارغة من الخبز لأن"صاحبة المخبز اخبرتها بقدوم رجال ملتحين وتهديدهم لها بحجة أنها مسيحية وأنها تضع الويسكي في الخبز".
يؤخذ علينا دائما كممتهنين للكلمة باننا نشط كثيرا فيما نكتب ونقول.. واننا نضيع البوصلة احيانا في المنطقة الشائكة المعتمة ما بين التكهن والاقرار..وقد تدفعنا بعض العزة الزائفة بالنفس الى تجاهل الحقائق والذهاب بالامور الى ما لا تحتمل من استطراد وتفلسف..ولكني اشك انه يوجد هناك من يستطيع –او يجرؤ-على ان يولج شهورا طوال بايامها المجمرة من معاناة شعب وأمة وارض وكرامة..وارقام تجاوزها العد من الشهداء والدماء والاشلاء المقطعة او المستلبة.. في سلة خبز فارغة..
كعراقيين..قد نكون كابدنا في سنين عجاف خلت الحاكم الاله وهو ينتحل الشكوى من فقدانه لبطاقته التموينية..ولكن يبقى من المؤلم..بل ومن البائس ان نرى سيدة في اواخر العمر في كل هذا الهوان وهي تسوق ذكرى رحيل والدتها لتمنح سيدها بعض الوهج المفقود على صفحات الجرائد التي ملت ترديد ارقام الضحايا على واجهة اخبارها..والاكثر تمزيقا للقلب هو ان نكابد مرأى نفس السيدة وهي تحاول اخفاء آثار صفعات الاسد الآخر على وجهها المبتسم قسرا كجزء من متطلبات المهنة..
نتفهم ان يكون للمنصب الرسمي المهم والمكتب الفخم ووميض الكاميرات ما يمنع السيدة شعبان ان تبر والدتها وتستمطر الرحمة على روحها بأن تكفكف بكلماتها اعين الامهات الثكالى..وقد يكون لكثافة ستائر مركبتها الرسمية ما يجعلها في منأى عن النظر الى المقابر التي تناثرت على طول وعرض ووجع الوطن..وقد يكون طول التعشق والعهد بعبارات المدح والنفاق والتلميع والترقيع لخطايا النظام لم يبق في جعبتها ما يمكن ان يكتب في صحيفة اعمالها امام شعب جريح..ولكننا كنا ننتظر من سيدة تتحلى بالدال المفخمة التي تسبق اسمها ان تعرف ان من اضعف ايمان النخاسة الاعلامية هو ان تعرض ما يمكن ان يتقبله الآخر ولو على مضض..او ان يكون في حاجة اليه على الاقل..وان صورة سيدها الموشاة بالدم والقمع والدموع لا يمكن ان تمرر للعالم الحرفي ظل وسائل الاتصال المعاصرة باستخدام تقنيات الصفق بالاسواق وان كان بطلاقة انجليزية لافتة..
كما انه من المفترض بالعقلية التي انتجت كل هذه الكتب التي تملأ رفوف الكتب في الولايات المتحدة-كما تقول السيدة- ان تعي ان الغرب لا يبدل مواقفه من خلال العبارات المنمقة ولا غضبا لدموع بائعة خبز في احدى مدن الشرق المنسية..بل عن طريق المصالح التي جعلته لا يرى الزبيبة في جبين القاضي مصطفى عبد الجليل ولا اللحى المموهة بالبدلات العسكرية المرقطة..المصالح نفسها التي دفعت الروس والصينيين لاستخدام الفيتو وهي نفسها من قد تطيح بسيدك الى حفرة ما ان عزت عليه مجارير الصرف الصحي .
كان على السيدة ان تدرأ عن نفسها الشبهات وتتمترس بما تجيده اكثر من اي شئ آخر من عبارات التعظيم الزائف المحنطة التي توفر لها الامن من غضب السيد والطمع فيما يده دون ان تدخل ذكرى والدتها في الامر..وكان عليها ان تمارس عملها بما يرضي السلطان من خلال ترديد الكلمات التي ترمم خراب الحكم وتجمل افعاله وتبدل الحقائق بما يليق بهيبة الرئيس ويبشر بالاصلاح الذي ياتي ولا يأتي..فليس من السهل ان يتقبل الشعب ان السيدة التي تنطق باسم النظام قد ضاقت بها الحيل لكي تتاجر بعظيمات امها الراحلة لتسول بعض الضوء على العتمة الكالحة لوجه ولي امرها العتيد..وليس من اليسير ان يصدق الناس ان السيدة التي تخشى زيارة قبر امها قد تقف معه في الدور لشراء الخبز من الاسواق..
التعليقات (0)