"هنا ،أحس بالوحدة القاتلة ..بدون أصدقاء وصديقات ...ليست لدي الرغبة ...في أن يكون لي شريك في حياتي ...حيث أن الثقة غير موجودة ،على الإطلاق ،فأنا أحس بالإختناق ...في هذا الجو الموبوء ..أما في أمريكا ..أو أوروبا ..سأحقق كل أحلامي ..فالهجرة تسكنني صباح مساء .." هكذا ،تتكلم خديجة ،ففي كل لقاء ،لي ،معها ،لاتفتأ تردد ،الكلمات ذاتها .." هنا التخلف ..الرجعية ..الفتاة منا ...لاتجد الحرية الكاملة للتعبير عن مابداخلها ..أعرف جيدا ،أنني ،كنت محظوظة ،بأبي ..فقد كان متفتحا ..كان صديقي..أخي ..كان رمزا لكل الأشياء التي فقدتها بموته ..مات أبي ،فأحسست بأن الدنيا غير الدنيا ..والناس غير الناس ..روحه مازالت ترافقني في كل خطواتي ...سكناتي ..أذكره ..أعيش صحبته ...قد ينظر إلي الناس بغرابة ..حيث أنني لا أشبه كل الفتيات ...أجد من لدنهن ،الرفض ،الصد ..والهجر ...أحب الكتابة في الليل ...الإستماع إلى الموسيقى الهادئة ..إرتياد فضاءات ...توحي بالرومانسية ..ولاأسعى إلى خلق علاقات قد تجلب إلى المشاكل ..مع أحدهم أو إحداهن ..."كنت ،أستمع إليها ،بكل أعماقي ،فهي وإن قالت الشيء الكثير ...عن أبيها ..عن خصوصياتها ..عن عائلتها ..فما زالت تخفي عني الشيء الأكثر أهمية ..في كل لقاءاتي معها ،كنت أجس النبض ...إلى نبضات قلبها ..إلى صدى روحها ..فكانت ترد علي قائلة ..."مهما حاولت ،أن تنبش في ذاكرتي ..لتعرف حقيقتي ،فلن تصل إلى مبتغاك ..لأنني سر ..لغز ..لايدرك كنهه إلى أبي ..." ألتقي العديد من الفتيات ...أحاورهن..أناقشهن ..ولاأجد صعوبة في إقناعهن إلا خديجة ..فهي عالم لاحدود له من الطلاسيم والألغاز..حياتها بحر متلاطم من الإشارات والرموز ..التي لاتذكرها إلا هي ..وحدها ،في المقهى ...على إمتداد الكورنيش ..لم تتوقف عن الكلام ...في كل شيء ..فهي بالكاد تتحدث عن نفسها ..وفي الوقت ذاته ...فهي لاتقول شيئا ..يستحق مني الوقوف والتأمل ..لسبر أغوارها وأعماقها ..بداخلي ،أعرف أن الفتاة في العصر الراهن ..وجدت نفسها محاصرة من كل الجهات ..وكل الطرق تؤدي إلى الجنس ..فلا أحد ينظر إلى الفتاة ..كإنسانة مثقفة واعية ..لها موقعها في المجتمع ..إحساس وكيان ..الكل ،إن لم أقل بدون إستثناء ..يحبك الشباك للإيقاع بأحداهن ..حتى فقدن الثقة في الكل ..خديجة تقول لي ..بهذا الشأن ..الفتاة تبحث عن شريك لحياتها ..لكنها تجد نفسها أسيرة الشك في إحساسه ومشاعره تجاهها ،الشأن ذاته ،مع الشاب ،فهو بدوره لايثق بالفتاة ..أن تعيش معه ...وبذات الوقت روحها ،مع الآخرين ..في كل لقاء كنت أكتشف في خديجة ..جانبا من الجوانب .." لووجدت طريقة للهروب إلى الخارج ،لما ترددت .." :قالت ."واهمة ": أجبتها "كيف "ردت بإستغراب ..."تعتقدين أن في أوروبا أو حتى أمريكا ...ستجدين " أرض الأحلام " وهذا وهم ..لأن الإنسان حيثما جد ،يبقى إنسانا في آخر المطاف ...فيه الخبيث والطيب ..وأن الصورة التي ينقلها الإعلام الغربي...عن الرفاهية ورغد العيش ،هناك ،ماهي إلا صورة وهمية ..ولاتغبر عن واقع الحال ...فالواحد منا يجدر به ،أن يعيش حياته ،حيثما حل وإرتحل ،هكذا ،بتلقائية ..ودونما أن يعلق مشجب آماله ..على وهم ..قد يقذف به إلى الجنون "..انت لست واقعيا ،فأنت إنسان حالم .."أجابتني نادية " الطل يفكر في الهجرة ،وأنت وحدك مازلت تعتقد في أشياء لاوجودلها على الإطلاق ،شخصيا ،إن وجدت إمكانية للهروب ،من هنا لن أتردد ..." صدقني ،إن قلت لك " أنت كاذب ..وأنك تخفي رغبتك في الهجرة ..أليس كذلك " كان الصمت رابعنا ،ماعاد للكلمات سحرها ،وجاذبيتها ،فليكن الصمت ،لغة التواصل بيننا ،كجيل فقد الثقة في كل شيء ...في نفسه ..في واقعه ...في السياسة ..في الصحافة ... في الشواهد ...في خطب الجمعة ...وتاهت معالم الطريق ..إلى الجنة الموعودة ...وإلى أرض الأحلام.
msaadali2003@yahoo.fr
التعليقات (0)