مواضيع اليوم

أربعون سبباً لعدم خروجي في 25 يناير 2012

1 أنني جبان، ولا حيلة لي في جبني هذا الذي صنعته الأيام والسلطــة والاسرة والطفولة و .. الطبيعة!
2 أنني أخشى أن يصيب قناصة السلطــة عيني بأذى، لذا فمن الأفضل لغيري أن يدفع الثمن.
3 لن أخرج لأنني أشعر بالأمن في وجود سلطة قوية ولو غاشمة، زعيم حاسم ولو ظالم، كرباج على كل ظهر ولو بغير سبب.
لم يحدث لي أي مكروه طوال عهد الرئيس مبارك، ولم أعترض أو أحتج أو أنتقد حتى لو سففني الرئيسُ تراب الأرض وأطعمني طينه!
4 لن أخرج لأنني عضو في جماعة الإخوان المسلمين، ونحن نطيع مرشدنا الروحي، وأن يد الله مع الجماعة وبالتالي فهويتي ذابت داخل الجماعة، وطاعة المرشد بعد طاعة الله.
لذا فأنا لست أنا، لكنني هم، ونحن نترك سيدنا يفكر لنا فهو أعرف بديننا منا.
5 لن اخرج لأنني سلفي، مطيع، لا أكترث لأي حاضر فعالمي هو الماضي، وشيوخنا سادتنا، وفتاواهم جواهرنا، وخروجي يعني غضب المجلس العسكري علينا، ولن تقوم لنا قائمة بعدها. نحن كالإخوان المسلمين لا نثير غضب سيد القصر حتى لو ربطنا جميعا في جذع شجرة ضخمة فرعها في الاسكندرية وأصلها في أسوان.
راض عن حياتي بكل ما فيها، وآكل طعاماً مسمماً، واعتادت معدتي على التلوث، وتستريح رئتاي لهواء القاهرة.
لو كان ولي الأمر حماراً، فالطاعة واجبة كما تعلمت، فنحن نتبع ما ألفينا عليه آباءنا وليس عقولنا.
6 لن اخرج لئلا يغضب والدي، وتبكي أمي، ويصرخ أشقائي الصغار، فنحن أسرة تعيش في الظل، وتموت دون أن يلاحظ الجيران اختفاء أحدنا.
7 لن اخرج لأنني مبني للمجهول، مصري بدون ظل، فم بغير لسان، قلب لا يحمل ضغينة للظالمين والمجرمين والسفلة، شفاه ترتعش لدى الحديث إلى أي ضابط أمن أو جيش.
8 لن أخرج لأنني متشائم، وهذه طبيعتي، ولا أرى أملا في الحياة، وأنتظر يوم أن ينزلق جسدي في باطن الأرض، فقد جئت إلى الدنيا وسأتركها ولا أترك مني أثراً.

9 لن اخرج لأنني قبطي، والكنيسة تحدد لي مأكلي ومشربي وثورتي وغضبي وسكوني وصمتي، والبابا امتدح المجلس العسكري فالتزمنا الصمت تجاه تجديد الثورة، تماما كما قام بتأييد جمال مبارك وريثاً للعرش فخسرت مصر شركاء الوطن كقوى معارضة في عهد المخلوع.
سأترك ابناء بلدي الشباب يواجهون العسكر والمتطرفين والفلول بمفردهم، فإذا انتصروا، حصلوا لي على حقوقي القبطية، وإذا فشلوا فنحن في أمان ولن يغضب منا العسكر أو الاخوان المسلمون أو السلفيون أو القاعدة أو غيرهم.
10 لن أخرج لأنني اعتدت على الذل والهوان وسف التراب، فلا فارق بين ثورة يناير وبين مبارك، فحقي مهضوم في كل العصور، وكرامتي معدومة في كل العهود.
11 لن اخرج لأنني امرأة، والدفاع عن مصر للرجال فقط، وزوجي لن يسمح لي بالبهدلة، ولكنه وعدني بمشاهدة المليونية في التلفزيون كما نشاهد القردة
12 لن اخرج لأنني فتاة لا تعرف غير البيت والجامعة، ووالدي سيغضب عندما يعرف أن ابنته تعرضت لكشف العذرية، خاصة أنني كنت أهوى ركوب العجل في طفولتي، وإذا عرف والدي أن ضابطاً طبيباً كشف على موضع العفة مني فسيموت هماً وكمداً.
13 لن أخرج لأنني شاب يعيش في حيرة، لا أعرف الخطأ من الصواب، ولا أعرف الفارق بين اليمين واليسار، ولا بين المتطرف والمعتدل، ولست ثورياً، ولا أتصور نفسي بعيداً عن أهلي عدة أيام في خيمة قد تتعرض لحريق، ثم كيف تنام والدتي وأنا بعيد عنها؟
14 لن أخرج لأنني مسلم مسالم، طيب، أحمل هموما أكبر من الثورة والعصيان والانتفاضة والتمرد، فأنا أذهب إلى المسجد خمس مرات في اليوم، وخطيب المسجد أكد لي أن المليونيات هي لعب عيال، وأن الناضجين الكبار أقدر على حمل راية الوطن.
15 لن اخرج لأنني لن أعض يد من اخذ بيدي، فلحم كتفي من خير الرئيس مبارك، ورغم أنه ورجاله في السجن فمرتبي يأتيني مضاعفاً، فرجال الرئيس مبارك يحركون مصر من وراء القضبان بفضل ملياراتهم التي لم يصادرها المجلس العسكري.
16 لن أخرج لأن مهمتي تخويف وترويع أعداء مصر من الشباب الثوري، وأحيانا قتل بعضهم أو تفجير عيونهم فأنام بعدها مستريح الضمير لأنني أحب مصر وأخاف عليها من دعاة المليونية .. خصوم المجلس العسكري.

17لن أخرج لأنني أشتاق لعهد مبارك، فقد كنت أعيش في دولة لها هيبتها حتى لو كانت كرامتي صفراً أو تحت الصفر. الأمن قبل الكرامة، والزعيم الرمز أهم من الدولة.
18 لن أخرج لأن منصبي ومركزي وهيبتي لا تسمح لي بالاختلاط بشوية عيال، فالقضاة والمحامون والأكاديميون ورؤساء الأحزاب وخطباء المساجد وكهنة الأديرة ومساعدو البابا وشيخ الأزهر متفرجون، فإذا نجح الشباب زعمنا أننا كنا نؤازرهم، وإذا فشلوا أكدنا أننا حذرناهم.
19 لن أخرج لأن طعم الذل والمسكنة والاستكانة والخنوع مرادف للذة السكون والهدوء والأمان، وأنا عدو للتغيير ، ولو خُـيّرت بين السباحة في بركة ماء آسن قذر، أو في ماء جار نظيف لأخترت بدون تردد .. البركة!
20 لن أخرج لأنني على المعاش، وما بقي من العمر قليل، وصحتي لم تعد تنهض بي، ولا أتصور نفسي مع شباب في عمر أولادي، أصيح، وأصرخ، وأنام على الأرض، وأهرب جرياً من مواجهة الشرطة.
لقد عشت مسالماً، وأريد أن أموت على هذا الحال، لكنني أتمنى للثوار الشباب الانتصار في يوم تجديد ثورتهم المباركة.
21 لن أخرج لأنني موظف مضطر للعمل يوم 25 يناير، ولا استطيع أن أغيب يوماً واحداً وإلا فإن أسرتي ستتأثر بالجنيهات البسيطة التي سيخصمها رب العمل من مرتبي الضئيل.
22 لن اخرج لأنني أعيش في واحدة من العشوائيات البعيدة عن السلطة، فلا ندفع إيجاراً، ونحصل على الكهرباء والماء والخدمات الأخرى مجاناً. نعيش حياة ملؤها البؤس، لكنها لا تتحمل أي تغيير في البلد.
23 لن أخرج لأنني واحد من نصف مليون ضابط وجندي نمثل جيشاً حارب آباؤه منذ أربعين عاماً، أما نحن فنحارب الشعب، ونفرم المحتجين، وندهس اخواننا المصريين بالسيارات،ونقمع المتظاهرين، ونقتل منهم المئات دون أن يتعرض أحدنا لمحاكمة أو عتاب أو استدعاء على استحياء.
آباؤنا كانوا أصحاب قضية، أما نحن فنعمل لدى الحاكم، رئيس أو زعيم أو مشير أو مجلس، ولو طلب منا تفجير عيون كل شباب مصر بالرصاص الحي لما تأخرنا لحظة واحدة، فنحن العسكر جيل اللاقضية!

24 لن اخرج لأنني واحد من نصف مليون رجل أمن في كافة المجالات، ومهمتنا يحددها الزعيم على لسان وزير الداخلية،
نطلق الرصاص وخراطيم المياه على المحتجين حتى لو كانوا أولادنا أو أشقاءنا الصغار ، وليس من حقي الاعتراض فأنا آلة يحركها كبار الضباط.
25 لن أخرج لأنني معتقل بريء، مضى علي حين من الدهر لا يسأل أحد عني، ولا يتأكد القاضي الذي حكم ببرائتي من عودتي إلى أسرتي، ولا يجيب أي قسم شرطة أو جهة أمنية استفسارات أهلي، فجفت عيون أمي من الدموع، وأصبح أبي كتلة متحركة من العظام، ونسيت أختي الصغيرة ملامح وجهي.
أنا داخل زنزانة في قبو تحت الأرض، منفصل عن بلدي، وأصبحت رقماً في أرشيف سجن يرى مدير أمنه ملفي أكثر مما يراني.
26 لن أخرج لأنني غير مقتنع بكل الأسباب التي دفعت الشباب لتجديد الثورة، وأثق في مشيرنا لأنه قائدنا، وأرى أن مجلسنا العسكري لا ينفصل عن جيشنا البطل، والانتخابات خيار المصريين الذي اندفعوا إليه افواجاً منظمة.
27 لن أخرج لأنني واحد من عدة ملايين أمي، لا يقرأون، ولا يكتبون، ولا يعرفون برنامج أي مرشح، بل لا أستطيع أن أكتب اسمه إلا بمساعدة موظف في اللجنة يمسك إصبعي ويشير به على أي شخص، فكيف أعرف ما يريد شبابنا، وكيف أقرأ لافتاتهم التي يرفعونها؟
أنا مواطن أمي أهملتني الدولة عشرات السنين، ولم يدر بذهن أحد أن أكون مشروعاً قوميا فكيف سأتعلم القراءة والكتابة بعد الثورة.
28 لن أخرج لأن الثورة سُرقت بكاملها، وتم تقسيمها على العسكر والإسلاميين، ولن تستطيع أي قوة في الأرض أن تعيدها لأصحابها، فصلابة العسكر وتمسك الاسلاميين بالتغييرات الهلامية جعلت حماس الشباب يخفت، فكلهم لصوص من الشخصيات العامة إلى المجلس الاستشاري، ومن المثقفين إلى رؤساء الأحزاب، ومن المرشحين لمجلسي الشعب والشورى إلى المرشحين لرئاسة الجمهورية.
29 لن أخرج لأنني واحد من نصف مليون مدمن قام عهد مبارك بتغييبي عن مصر وأنا على أرضها، فأسرق، وأغتصب، وأرتكب كل المحرمات والممنوعات حتى أشتري قطعة مخدرات تساهم في استمرار تغييبي عن العالم من حولي.
30 لن أخرج لأنني فنان تحقق السلطة شهرتي، وإذا غضبت على تصرفاتي وأهوائي، فلن يعرض علي مخرج أي عمل، وستهجرني الشاشة الصغيرة والفضية.
31 لن أخرج فآلاف الإعلاميين والصحفيين سيلزمون بيوتهم في ذلك اليوم بعد تقديم طقوس الولاء للمشير والمجلس العسكري، فأكل عيشنا بين أيديهم، وسنتسابق للنفاق والمداهنة والتزلف ومسح الجوخ كما فعلنا طوال عهد مبارك.
إننا مومياءات لا تتغير ، ويكفي أن نقرأ في عيون أعضاء المجلس ما تخفي صدورهم، فنكمل المهمة، ونبرر القتل، وننفي عن العسكر إساءة الاستخدام، ونزعم أن البلطجية فوق أسطح البنايات كانوا من شباب الثورة.
32 لن أخرج لأنني موظف حكومي، يراقب زملائي تحركاتي، ويوشي بي أقرب الناس، ومديري في العمل تلقى التوجيهات من السلطة أن نخرج لدعم العباسيين، ونرفع شعارات تخلط المجلس العسكري بجيشنا فيختلط الغث بالسمين، واللص بالشريف.
33 لن أخرج لأنني لست مسلما أو قبطيا، إنما من الطوائف المهمشة التي يرفض المتشددون تغيير خانة الديانة في الهوية الشخصية فيكون لنا نصيب لا يتصادم مع وطنيتنا، وحبنا لمصر، واستعدادنا للدفاع عنها.
34 لن أخرج لأنني صاحب ثروة جمعتها في عهد مبارك، وأخشى أن تنجح الثورة، وتعيد إذابة الفوارق بين الطبقات، وتصدر قوانين تحد من طموحاتي، وتقضي على الثغرات التي أنفذ منها في الجمارك والمطارات والأوقاف والعقارات وغيرها.
35 لن أخرج خشية افتضاح أمري، فممتلكات عائلتنا تمرح فيها الخيل، وأراضينا لو علم بها اقطاعيو العهود السابقة لحسدونا في قبورهم، ونحن بخير مادامت السلطة امتداداً لصانعنا وولديه.
36 لن أخرج لأنني طفل من مليون متشرد في الشوارع والأزقة وتحت الكباري وفي العشوائيات، والفوضى هي ملاذي، وتجار المخدرات هم آباؤنا الروحيون، والبلطجية مثلنا الأعلى في نزع حقوقنا عنوة، ولم يشرح لنا أحد عن مكاسبنا لو نجحت الثورة. إننا والكلاب الضالة نتآلف، ونأكل من نفس القمامة، وننام على الرصيف ذاته، وتركلنا أحذية المارة والأمن المركزي والمتحرشون بنا من ذئاب الليل.
37 لن أخرج فمصر لم تعد مركز اهتمامي، وأشعر بغثيان عندما أرى نقاشا سياسيا بين طرفين: وصولي وأحمق، ولا يهتز فؤادي لحب مصر، ولا أكترث لسيد القصر سواء يمسك سوطا يجلدنا به على ظهورنا، أو يمسك وردة يعبر بها عن حبه إيانا.
38 لن أخرج لأنني أعد العدة للهجرة الدائمة أو الموت غرقا في زورق قديم مثقوب قبل أن يلقي بي على شواطيء مالطا أو اليونان أو إيطاليا، فأنا نسيت تماما الوجوه الجميلة المفعمة بالحب، وكلما اختفى لص من الحكومة تولى حقيبته لص جديد. إنني غارق في أحلام اليقظة حتى اليوم الذي أبدأ فيه حياة جديدة .. بعيدا عن وطن لم يمنحني غير الخوف والجوع والمرض .
39 لن أخرج خشية أن تنتهي وقائع يوم القيامة المصري في 25 يناير قبل التاسعة مساء، ويحصد المجلس العسكري مع الاسلاميين نصراً على شباب مصر، وتتحول أم الدنيا إلى إمارة طالبانية تحت قيادة قناصة العيون، فماذا سيفيد خروجي؟
40 أما أنا فلن أخرج لأنني من قوى الثورة المضادة، وأحمل عاراً سيكون معي دنيا وآخرة، وقضيت عاما كاملا أشكك في الثوار، وأتعاون مع الجيش والأمن، وأصفق للبلطجية، وأفرح للضحايا من ابناء مصر، لكنني هذه المرة أرى في عيون شباب مصر تحدياً أكثر صلابة من 25 يناير الماضي، وإصراراً سيغير وجه الحياة في مصر، وتهكما على صانعي المصائد في السلطة الذين يريدون قتل الثورة في مجلس الشعب بجلسته قبيل اندلاعها، وباأحكام على مبارك لامتصاص الغضب، وبمحاصرة رمز الثورة .. ميدان التحرير، وبدفع أكبر عدد ممكن من زاعمي التحدث باسم الله ليتصادموا معهم، فيكون الجيش، ظاهريا، هو المنقذ.
إنني كواحد من أعدائها أكاد أراها الحدث الأهم في تاريخ الثورات لعام 2012، وستكون أم المفاجآت ، فتتحرر مصر منا جميعاً نحن قوى الثورة المضادة.
إننا قوى الثورة المضادة ننحدر بسرعة العد التنازلي نحو الخامس والعشرين من يناير حيث سينتصر الثوار، وينتهي مبارك ورجاله وكلابه وحيتانه ولصوص الوطن، ولن يكون لنا مكان في مصر نظيفة، وآمنة، وحرة.
إننا نقترب من اليوم الموعود، حيث تجري آخر معركة لاسترداد الثورة بين الذكاء الشبابي و المكر العسكري يسانده الدهاء الإخواني والسلفي.
لن أخرج في 25 يناير 2012 فأنا من الثورة المضادة، ونهايتنا ستكون يوم تجديد الثورة.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 10 يناير 2012
Taeralshmal@gmail.com





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات