أسوأ ما في رد الفعل العربي, والمصري تحديدا, علي المجازر التي يرتكبها سفاح ليبيا, هو حالة الاندهاش والاستغراب, وكأن نظام القذافي خلال الاثنين والأربعين عاما الماضية كان رحيما بشعبه ثم تحول فجأة ضدهم.
كان المعارضون الليبيون في المنافي ولازالوا ــ هم الأكثر عددا بين المعارضين العرب, لكن الاعلام العربي لم يلتفت إليهم. وكانت الوفود الصحفية تزور ليبيا بصورة شبه يومية وتكتب لنا عن المعجزة التي تتحقق هناك وعن النظريات العظيمة في السياسة والفكر التي يبتكرها القذافي. لكن أحدا من محبي التجربة الليبية العظيمة لم يكلف نفسه عناء الكتابة عن المواطنين أو يسعي للتعرف عليهم فضلا عن مشاكلهم. كانت ليبيا بالنسبة لهم أرض الاقامة في الفنادق الفخمة في طرابلس والهدايا لكنها لم تكن أبدا أرض العمل الصحفي المحترم.
وقد دأبنا هنا في مصر علي الانصياع لتسمية القذافي لنفسه وتكرار هذا اللقب مع كل خبر يتعلق به, ألا وهو الأخ العقيد معمر القذافي قائد الثورة.. لقب رومانسي يشعر المرء تجاهه بأن صاحبه لا هم له سوي الثورة علي الظلم والظالمين و نشر العدل والحرية. و قد أضفي الزملاء المستفيدين من صاحب المؤلفات العلمية والفلسفية العظيمة وأشهرها الكتاب الأخضر عن الحكم والسياسة والعدل والحرب, صفات الفروسية والألمعية و العبقرية عليه بل حولوه إلي حمامة سلام يسعي لنشر ربوعه في دافور والسودان وافريقيا وأمريكا اللاتينية ودول واق الواق.
وبينما كان هؤلاء الزملاء ينتقدون ويستنكرون محاولات التوريث في مصر, فإن أحدا منهم لم يفتح فمه أو يكتب سطرا عن التوريث في ليبيا والذي وصل إليتقسيم البلد بالعدل والقسطاس بين أبناء القذافي, ولا عن تبديد الثروات في مساندة حركات التمرد في العالم و استهداف المعارضين الليبيين بالقتل والتدمير.
وعندما كان مثقفو الغرب يدينون ممارسات القذافي ويرفضون جوائزه الباهظة القيمة, كان بعض مثقفينا يسافرون بالطائرات المخصصة لهم لاستلام الجوائز ثم يعودون ليدافعون عن الأخ العقيد وفضائه الثقافي والفكري ومنددين بكل من تساءل عن أسباب قبول جائزة باسم هذا الطاغية. الطريف أن هناك من يقول الآن إنه يبحث عن طريقة لرد الجائزة.. إذن ماذا عن الاعتذار ؟
المثقفون الذين يريدون تبييض وجوههم الآن بالهجوم علي القذافي بدعوي أنه تغير وأصبح طاغية يدركون جيدا أنه لم يتغير, وأن هذه طبيعته. فجرائم الحرب التي يرتكبها ليست جديدة, وحتي ألفاظ مثل الفئران والقطط وشذاذ الأفاق التي يصف بها شعبه قال أقذر منها في السابق. مشكلتنا ليست مع القذافي يفقط بل مع أرامله أيضا.
عبد الله عبد السلام
الأهرام القاهرية 26 فبراير 2011
التعليقات (0)