كانت بضائع تلك الجزر الشرقية تنتقل إلى الغرب عن طريق مجموعة من التجار العالميين الذين كونوا لأنفسهم شبكة تجارية دولية سيطروا من خلالها على غالبية طرق المواصلات البحرية والبرية التي تربط بين شرق العالم وغربه، وانتشرت فروع أولئك التجار في جميع المراكز الاقتصادية الاستراتيجية التي تقع على تلك الطرق وتتحكم فيها، ومن أهم تلك المراكز كانت جزر الأرخبيل الإندونيسي التي تمتد من الفلبين شرقاً وحتى بروناي غرباً، أما في الهند فانتشرت مراكزهم من مليبار ومدراس وكلكتا جنوباً وحتى شبه جزيرة الكوجرات وبومباي غرباً؛ ثم صعوداً إلى ميناء السند (كراتشي). وفي الخليج العربي كان ميناء العقير هو أهم مركز تجاري على الإطلاق تليه مدينة سرت على الضفة الغربية للفرات الأسفل، أما في جنوب الجزيرة فكانت عدن وموخا أكبر مراكزهم وأكثرها استراتيجية على الإطلاق حيث من هناك تمتد أذرعتهم لتحتضن الساحل الشرقي من أفريقيا جنوبا حتى رأس الرجاء الصالح؛ وسواحل البحر الأبيض وجزره شمالاً لتنتهي عند سواحل فرنسا وأسبانيا والمغرب. وكانت العلاقة التي تربط أفراد هذه المجموعة لا تقف عند حدود المصلحة وتبادل المنافع فقط؛ بل كان من الملاحظ تاريخياً وجود نوع من التقارب الثقافي الشديد الذي قد يصل إلى حد التمازج والاندماج بين أولئك التجار العالميين بمختلف أماكن تواجدهم الجغرافي، فالعلاقة بينهم كانت أشبه بالعلاقة بين الفروع العالمية المختلفة لشركة عائلية تملكها أسرة واحدة؛ ولكنها شركة متعددة الجنسيات. وقد برزت هذه الحقيقة من خلال عدة أمور قد يصنف بعضها كقرائن ولكن البعض الآخر يصل إلى مرتبة الأدلة والبراهين الدامغة على وجود وحدة انتمائية حقيقية تجمع أولئك التجار ضمن رابطة لا يمكن وصفها سوى أنها أسرية.
بدأت بوادر تكون تلك الشركة العائلية العالمية في الظهور تاريخياً ابتداءً من نهاية الألفية الرابعة قبل الميلاد، وتحديداً في المنطقة الجنوبية من العراق على ضفاف الفرات الأسفل والطرف الشمالي من الخليج العربي. فلأسباب غير معروفة؛ بدأت مجموعات من المهاجرين تفد إلى تلك المنطقة قادمة من الخليج العربي حيث ذكرت نصوصهم أن أول منطقة وطأتها أقدامهم في الخليج هي جزيرة دلمون (البحرين) قبل أن ينزحوا منها شمالاً نحو حوض الفرات، ومن لغتهم الفريدة التي لا تنتمي إلى أي من العائلات اللغوية المعروفة (كالسامية والآرية) اتضح للعلماء أن أولئك المهاجرين كانوا أغراباً عن المنطقة؛ لا ينتمون إلى سكانها الأصليين الذين كانوا يتحدثون السامية؛ كما أنهم لم ينحدروا من شمال العراق حيث كان يقيم الآريون حيث لم يعثر لهم على أي أثر للتواجد في شمال العراق قبل جنوبه.
في تلك الحقبة من الزمن لم توجد على سطح الأرض حضارة أو مدنية بمعناها الحقيقي سوى في الهند، لذلك فمن المرجح أن أولئك المهاجرين -الذين سموا أنفسهم بداية بشعوب الكالاما ثم ما لبثوا أن غيروا هذا الاسم إلى الشعوب السومرية أو السومريين- كانوا قادمين من الهند؛ وتحديداً من منطقة موهانجو دارو شمال بومباي على الضفة الغربية لنهر السند، وقد ظلت تلك المنطقة مزدهرة حضارياً إلى ما بعد تاريخ قدوم السومريين للعراق مما يشبر إلى استمرار علاقة السومريين بالهند حتى بعد استقرارهم بين النهرين بفترة طويلة، وهو ما تؤكده الآثار التي عثر عليها في كل من العراق والهند والتي ترجع إلى تلك الحقبة من الزمن وتدل بوضوح على علاقات تجارية قوية بين المنطقتين بفضل النشاطات التجارية للتجار السومريين عبر البحار.
لم يتمكن العلماء حتى اليوم من التوافق حول تحديد الأصل العرقي لتلك الشعوب فبقايا جماجمهم تدل على أنهم كانوا خليطاً من عدة سلالات وإن كان يغلب على الكثير منهم الطابع الآسياني ذو الرؤوس المستديرة؛ كما كانت بشرتهم تميل كثيراً نحو الاسمرار، ولا ندري فيما إذا كان لفظ "كالاما" هو الأصل الفونولوجي الذي اشتقت منه السنسكريتية عبارة "كالا" التي تعني اللون الأسود، ولا ندري أيضاً سبب تسميتهم لأنفسهم بالسومريين بعد قدومهم إلى العراق وفيما إذا كانت كلمة "سومر" هي الترجمة السامية الحرفية لكلمة "كالا" حيث أن سومر تشير إلى اللون الأسمر أو السمرة؛ فالسمرة أو السواد هو لون بشرة سكان الهند الأصليين لذلك سماهم الآريون عند قدومهم إلى الهند بشعوب التسودرا أو التشودرا أي الشعوب السوداء. كما أن رسوماتهم دلت على أنهم كانوا ينقسمون إلى طبقتين: طبقة الأسياد أو الخاصة وطبقة العبيد أو الأتباع أو المستخدمين، فالعبيد الذين يشكلون الغالبية العظمى ظهروا في تلك الرسومات حليقي اللحى والشوارب وشعر الرأس؛ أما طبقة الملاك والسادة فظهروا بلحى طويلة وكثة وشعور رؤوسهم طويلة ومسدلة على شكل ضفائر، وتميز أولئك السادة بارتدائهم لمعاطف طويلة وعمائم فوق رؤوسهم، وكانوا يتزرون بإزار سفلي فضفاض يبدأ بثنية عريضة عند الخصر وينسدل إلى ما تحت الركبة وفوق العقبين؛ وهو ما نسميه اليوم بـ "الفوطة" التي تعتبر حتى اليوم اللباس الرسمي التقليدي لسكان الأرخبيل الجاوي وسكان جنوب الهند والبورما والبنقاله والمليبار وسكان عمان وحضرموت واليمن وسكان السواحل الشرقية الأفريقية وسكان اسكتلندا.
كذلك هو الحال بالنسبة للقطعة الثانية من طقم اللباس السومري؛ وأعني بها العمامة التي كانت ولا تزال من أكثر المظاهر تأكيداً على الانتماء لطبقة السادة في المجتمعات المدنية التي سيطر عليها أولئك التجار الدوليون قديماً والتي كانت ولا تزال تعيش بالقرب من خطوط المواصلات الدولية لأولئك التجار ابتداءً من الأرخبيل الجاوي وحتى أطراف المحيط الهندي والبحر المتوسط. ومن الغريب بل من المضحك أن البعض يدعي بأن العمامة تقليد عربي سامي، فهضبة نجد وصحاريها التي هي منبع السامية الأصيل وموطن العروبة الأول لم تعرف قط لبس العمامة كتقليد شعبي، فلباس النجديين الأزلي هو غطاء الرأس المسدل الذي يسمى بالغترة أو الشماغ؛ وهو يختلف عن العمامة اختلافاً جذرياً فلا يلف منه شيء حول محيط الدماغ بل يتم تثبيته فوق الرأس بقطعة قماش صغيرة تحولت لاحقاً إلى عقال صوفي، أما العمامة فلم تعرف إلا لدى سكان السواحل والمرافيء والمراكز التجارية الدولية، ولم يتخذها لباساً رسمياً سوى طبقة السادة من الحضر والمدنيين باختلاف جنسياتهم ولغاتهم وانتماءاتهم الجغرافية، فالهنود الهندوس والسيخ هم أكثر شعب على وجه الأرض يتمسك بالعمامة كلباس تقليدي رسمي أزلي توارثوه عن أجدادهم منذ آلاف السنين قبل أن يتعرف الهنود على العرب أو المسلمين.
ولكن تلك الدفعة من المهاجرين السومريين لم تتوقف عند حدود العراق فحسب؛ أو دعنا نقول لم يقتصر طموح أولئك التجار في استيطان العالم على التمركز في حوض الفرات؛ بل واصلوا رحلتهم الاستكشافية في منطقة الشرق الأدنى مصطحبين معهم عبيدهم وأتباعهم حتى تمكنوا من تكوين امبراطورية عالمية من المستعمرات التجارية تمتد غرباً حتى أقصى أطراف العالم المسكون آنذاك. فبالتزامن مع ظهورهم التاريخي في جنوب العراق؛ ظهرت سفنهم نفسها ذات الطراز الفريد في الرسومات المصرية التي يرجع تاريخها إلى عصور ما قبل الأسرات؛ بل ظهرت صور أولئك السادة السومريين بنفس هيئاتهم العراقية وهم يحاولون الاستيلاء على بعض المراكز الاستراتيجية في حوض النيل، فقد صور رسامو حضارة نقادة الأولى التي نشأت في صعيد مصر في حدود الألفية الرابعة قبل الميلاد صوروا على آنيتهم الفخارية مركباً سومرياً ذا مقدمة مرتفعة، كما عثر في نقادة على آثار عراقية تعود لنفس التاريخ اعتبرها العلماء دليلاً على تواجد سومري واضح في كل من الدلتا وصعيد مصر يتزامن مع بداية التواجد السومري في جنوب العراق أو ربما يسبقه بقليل، أما في المرحلة الثانية من حضارة نقادة فبدأت صور الغزاة ذوي اللحى الكثة والعمائم والفوط تزيل جميع الشكوك حول تمكن أولئك السادة التجار من ترسيخ أقدامهم بقوة في حوض النيل ابتداءً من وجهه البحري صعوداً حتى أقاصي الصعيد؛ حيث أن حضارة نقادة الصعيدية قد ظهرت متأخرة في الزمن عن حضارة الدلتا وبالتالي فإن ظهور أولئك الغزاة التجار في الرسوم الصعيدية يدل على أنهم قد انتهوا في وقت سابق من احتلال كامل الدلتا وإنشاء مراكزهم التجارية في حوضه قبل أن يتوجهوا نحو الصعيد لاحتلاله.
بفضل أولئك التجار الدوليين نشأت المدنية على وجه الأرض، ولم يكن من الممكن بحال أن تنشأ مدينة ما دون اعتمادها بشكل أساسي على نوع من الاتصال التجاري المستمر بينها وبين العالم الخارجي، ولا يمكن أن يكون هذا الاتصال عشوائياً؛ بل يجب أن يكون منظماً ومقنناً تديره وتشرف عليه مجموعة من الوسطاء الدوليين الذين تجمعهم رابطة قوية من العلاقات والتفاهمات والمصالح المشتركة. هذا من ناحية؛ ومن ناحية أخرى لم يكن لأولئك التجار الدوليين أن يتمكنوا من إنشاء أي مدنية على وجه الأرض إلا على أكتاف العبيد. ولتفسير هذا الكلام وتبسيطه نأخذ كلاً من المدنية السومرية والمدنية الفرعونية كأمثلة، فقبل قدوم أولئك التجار إلى العراق أو مصر كانت الحياة في تلك المناطق تقتصر على بعض التجمعات الزراعية البسيطة المتناثرة والتي لا يوجد بينها ارتباط فعلي، كانت أشبه بالقرى العائلية المتناحرة التي يعادي بعضها بعضاً مما أدى لانعزالها وتقوقعها. ومن مساحة تلك القرى الزراعية يمكننا التكهن بأن سكان القرية لم يكونوا سوى أسرة واحدة ممتدة قد يزيد عدد أفرادها أو ينقص قليلاً عن القرية المجاورة، وهو أمر طبيعي في حال غياب سلطة تجمعهم أو حكومة مركزية تجبر قويهم على عدم الاعتداء على ضعيفهم طمعاً في أرض ذلك الضعيف ومزرعته ومواشيه، لذلك كان على الأسر الصغيرة أن تحاول الاندماج في جماعة أكبر تتحامى بها من اعتداء الجماعات الأخرى. وظلت تلك القرى في حالة من البدائية والبساطة، وظل اهتمام سكانها منصباً على الاعتناء بمزارعهم ومواشيهم التي كانت توفر لهم ما يحتاجون إليه من غذاء، وإذا ما ازداد عدد السكان قليلاً تعاونوا على استصلاح ما يليهم من الأراضي بالقدر الذي يتناسب مع احتياجاتهم المستجدة ومع قدرتهم على صيانة وحماية ذلك التوسع المتواضع، لم يكن بإمكانهم تنويع مصادر الدخل أو الاعتماد على أي عمل غير الزراعة؛ فلم يعثر الآثاريون على أي بوادر لقيام نهضة صناعية ما في تلك القرى اللهم سوى بعض المشغولات اليدوية المنزلية التي غالباً ما كانت تقوم بها النساء في أوقات الفراغ أو باب التسلية كبعض التماثيل الطينية والأواني الفخارية الخشنة ذات الحواف المتعرجة والمنحوتات الحجرية والحلي البدائية وأدوات الزينة وما إلى ذلك من الصناعات غير الاحترافية، كذلك لم تشهد تلك القرى أي نهضة عمرانية فظلت مساكنهم تعبر عن عشوائية البناء وبساطة مواده وأدواته وعدم وجود فئة من الحرفيين المتخصصين في مجال العمران ولا في أي مجال آخر.
كانت الحياة المعيشية في القرية تميل بشكل واضح نحو الاشتراكية؛ وهو ما دلت عليه أشكال المساكن في جرمو وحسونة وحلف شمال العراق حيث تشابهت تلك المساكن في أحجامها وتصاميمها لتشير بذلك إلى عدم وجود أي نوع من الطبقية بين سكانها، ويندرج نفس القول على نظيراتها المصرية كمرمدة بني سلامة ودير تاسا والفيوم، بل وجد الآثاريون في الفيوم أن أهلها القدماء لم يكونوا يخزنون الحبوب في بيوتهم بل يجمعونها في مخزن واحد خارج القرية؛ الأمر الذي إن لم يدل على شيوع الملكية الزراعية بشكل كامل فإنه على الأقل يشير إلى ميل شديد نحو الاشتراكية التعاونية. ولكن ما لبثت الأمور أن بدأت تتغير بشكل تراجيدي بمجرد قدوم أولئك التجار الدوليين.
إن أول ما يلفت نظر الدارس لتاريخ نشوء كل من المدنيتين العراقية والمصرية هو أن البداية الأولى لظهور المدن كانت عند مصبات الأنهار أي عند التقاء النهر بالبحر، ففي العراق ظهرت أول مدنية على الشواطئ الشمالية للخليج العربي وتحديداً تل العبيد والوركاء (أوروك)؛ تلك المناطق التي كانت تتصل مباشرة بالخليج العربي قبل انحسار مياهه عنها لاحقاً، أما في مصر فقد بدأت معالم المدنية تظهر بقوة في حوض الدلتا قبل ظهورها في أي مكان آخر. الأمر الثاني هو أن تلك المدنيات لم تنشأ داخلياً على الإطلاق بل قدمت من الخارج عن طريق مجموعة من التجار الذين جلبوا معهم سلعاً وأدوات بل وثقافات مختلفة تماماً عن تلك المحلية، لذلك أطلق الآثاريون على عصور حضارة العبيد والوركاء لقب العصر النحاسي أو بداية المعادن حيث تزامن قيام تلك المدنيات مع ظهور معدن النحاس في العراق وهو معدن لا يتواجد طبيعياً في أرض العراق مما يدل على أنهم جاءوا به من الخارج. الأمر الثالث هو ظهور المهن والحرف الصناعية، فبدأت المساكن والمباني عموماً تبنى بطرق دقيقة ومتقنة تدل على وجود فئة من البشر تحترف فن البناء والتعمير وتنتقي مواد البناء بدقة شديدة تدل على معرفة وخبرة هندسية لم تكن لتتوافر لديهم لولا تفرغهم الكامل لهذه الحرفة فقط، والأمر ذاته يندرج على المشغولات المعدنية وفنون النحت وصناعة الخزف والفخار الذي بلغ من شدة دقته وانسيابية سطوحه أن أطلق عليه الآثاريون لقب "فخار قشر البيض"، ولم يكن لتلك الفئة من المجتمع أن تتخصص في الصناعة والحرف المهنية وتعتمد في معيشتها اعتماداً كلياً على دخلها ما لم توجد فئة أخرى تتمتع بقدر من الثراء وتمتلك فائضاً من المال تصرفه في شراء الكماليات والبضائع ذات القيمة المضافة وتنفقه في بناء القصور والمباني الفخمة، وهذا النوع من الثروات الفاحشة لا يمكن تكوينه فقط من خلال الاعتماد على الزراعة وحدها، بل إن أسرع وأفضل الوسائل لجمع هكذا ثروات هي التجارة الخارجية، وهذا يقودنا لفهم المظهر الرابع المصاحب لقيام أي مدنية على وجه الأرض؛ إنه الطبقية الاقتصادية. مع بداية إنشاء المدن تجلت تلك الطبقية من خلال تقسيم المدينة إلى قسمين منفصلين تماماً بحيث تبدو وكأنها مدينتين مختلفتين تم إنشاؤهما داخل سور واحد؛ مدينة الأثرياء ومدينة العبيد والخدم، فبينما تحتوى الأولى على قصور ضخمة عالية الأسوار كثيرة الغرف يتوسطها بهو وتزين جدرانها تلك الزخارف الفنية الجميلة والمتقنة وتطل مداخلها على أفنية رحبة وحدائق ذات بهجة؛ نجد القسم الآخر من المدينة وقد تزاحمت فيه البيوت الصغيرة المتلاصقة كخلايا النحل يرتكز بعضها على بعض وتتخللها أزقة ضيقة ولا يحتوى أحدها إلا على أثاث بسيط وبعض الكماليات المخجلة. وهذا الطابع المعماري لم يقتصر على المدن العراقية والمصرية فحسب؛ بل وجدناه يتكرر بعد ذلك في جبيل وكريت وطروادة وعدن والهند وجميع المدنيات اللاحقة دون استثناء؛ بل وحتى يومنا هذا.
في ذلك الوقت لم يكن من السهل على كائن من كان أن يحمل تجارته من بلد إلى بلد متنقلاً عبر البحار والمرافئ والشطآن ومجاري الأنهار بقراها وأوديتها ومعابرها الغريبة الموحشة وسكانها وشعوبها غير الصديقة، لم يكن هنالك منظمة عالمية تحمي هذه التجارة وتضمن عدم الاعتداء عليها وعلى أصحابها، لم تكن هنالك دولة عظمى ترسل بوارجها وأساطيلها بين يدي أولئك التجار وتعقد اتفاقياتها ومعاهداتها مع كافة الدول والحكومات والشعوب التي تعيش بالقرب من طريق التجارة الدولية لتضمن انسيابية تلك التجارة وسلامة ذهابها وإيابها، لم يكن هنالك مؤسسة حكومية تطارد قطاع الطرق وتضرب على يد اللصوص والمجرمين والقراصنة. إذاً عندما نتحدث عن تجارة دولية قامت على رأس الألفية الرابعة قبل الميلاد وتمكنت من ربط كافة أرجاء العالم المسكون بشبكة بحرية من التجارة العالمية وأنشأت على كل مرفأ وشاطئ مدينة تجارية ضخمة تنساب منها وإليها جميع البضائع العالمية دون توقف؛ فإننا نتحدث عن حكومة عالمية اقتصادية عظمى كانت تحكم سيطرتها المطلقة على جميع تلك الطرق بما في ذلك الشواطئ الاستراتيجية التي تقع قربها.
عندما نتحدث عن عثور الآثاريين على فخار وتماثيل وصور وأدوات وبضائع سومرية في مصر في حدود الألفية الرابعة قبل الميلاد فإننا لا نتخيل أن مجموعة من التجار العراقيين المسالمين قاموا بشحن بضائعهم المتواضعة على متون قواربهم الصغيرة وأبحروا بها جنوباً عبر الخليج العربي والتفوا حول جنوب الجزيرة ثم توجهوا صعوداً عبر البحر الأحمر حتى خليج السويس حيث استقبلهم المصريون هناك بالقبل والأحضان والزغاريد واشتروا منهم بضائعهم ودفعوا لهم مقابلها مما تجود به خيرات مصر ثم تركوهم يذهبون بسلام بعد أن أقاموا لهم حفل وداع راقص تسوده المحبة والوئام والعلاقات الأخوية الحميمة بالرغم من عدم وجود سلطة عراقية في ذلك الوقت تستطيع المطالبة بدم رعاياها أو حتى البحث عن جثثهم المفقودة على شطآن البحر الأحمر، فالدنيا لم تكن وردية إلى هذا الحد، والمصريون لم يكونوا ملائكة في ذلك الزمان ولا في أي زمان أو مكان آخر.
لم يكن أولئك التجار مجرد تجار بل كانت حكومة تجارية عالمية في غاية التنظيم الإداري والسياسي بل والعسكري، كانوا مجموعة من السادة الرأسماليين الذين يعمل في خدمتهم الآلاف وربما عشرات الألوف من العبيد والخدم والأتباع ضمن هيكل تنظيمي دقيق ومحكم يتم من خلاله توزيع أولئك الأتباع حسب مهاراتهم وقدراتهم البدنية والعقلية، فمنهم مجموعة متخصصة في الجندية والقتال والحراسة والحماية الأمنية، ومجموعات أخرى متخصصة في شتى أنواع المهن والحرف والصنائع وهكذا. كانوا يشنون حملاتهم العسكرية المنظمة على المراكز البحرية الاستراتيجية؛ على الجزر والشواطئ ومصبات الأنهار فيحتلونها بالقوة ويصادرون ما فيها من مزارع وأراضي ويسوقون أهلها عبيداً وإماءً، ثم يقومون ببناء المدن المسورة والمحصنة تحصيناً جيداً في أهم نقاطها الاستراتيجية التي تتحكم في مداخلها ومخارجها لتكون تلك المدن عبارة عن مراكز تجارية معزولة بالكامل عن محيطها الجغرافي لتحميهم وتحمي سفنهم من هجمات السكان المحليين، وفي نفس الوقت تتحول كل مدينة إلى سوق مركزي تتجمع فيه السلع والمنتجات المحلية قبل تصديرها للعالم الخارجي عن طريق تلك الشبكة التجارية العالمية التي يملكونها.
وشيئاً فشيئاً يبدأ مجتمع المدينة في الازدياد والتضخم عندما ينضم السكان المحليين إلى جماعة العبيد والخدم المسخرين في خدمة أولئك الأسياد الرأسماليين، ويبدأ أولئك الأسياد في امتلاك المزيد والمزيد من الأراضي والمزارع المحيطة بالمدينة لينشأ من هذا الوضع ما يسمى بدويلة المدينة، ويرجع الفضل في ذلك إلى الطبيعة النفسية للمخلوق الزراعي وهي طبيعة أبرز ما يميزها صفات الجبن والكسل.
فالمدينة تتميز بميزتين فريدتين هي الأمن والرفاهية، فأسوارها الحصينة كفيلة بحماية أهلها من هجمات الغزاة وغارات اللصوص، وأسواقها الكبيرة التي تعج بجميع أنواع السلع من مأكولات ومشروبات وكماليات وحلي وأدوات زينة وملابس جميلة وفخمة من شأنها أن تغري كائناً من كان بالعيش بين أكنافها، ومن ناحية أخرى فإن ثراء تجارها وميلهم إلى البذخ والإنفاق بسخاء على شراء تلك السلع والكماليات من شأنه أن يوفر باستمرار فرص عمل للمهاجرين الجدد كي ينخرطوا في مجتمع الصناع والحرفيين والخدم والصبيان العاملين بالسخرة لدى الأسياد الرأسماليين في مؤسساتهم الاقتصادية المختلفة. والمخلوق الزراعي بطبيعته الجبانة والكسولة يحاول دائماً البحث عن مصدر أكثر أمناً للسكن والإقامة؛ وأكثر تحقيقاً للأمن الغذائي المستدام؛ بصرف النظر عن الثمن الذي يدفعه من كرامته وعزة نفسه في سبيل الحصول على هكذا مصدر، فتجده يقبل ببيع مزرعته أو حتى التنازل عنها لسيد رأسمالي في سبيل أن يقوم هذا السيد بضمه إلى قطيع صبيانه وعبيده وخدمه؛ ويوفر له مسكناً آمناً داخل أسوار المدينة؛ ودخلاً شهرياً ثابتاً لا ينقطع مدى الحياة؛ ومهما كان هذا الدخل ضئيل إلا أنه كفيل بتحقيق نوع من الشعور بالأمان الغذائي المستدام الذي تطمح إليه بشدة نفسية من تزداد خشيته من الجوع ورعبه من نوائب الدهر كلما ازدادت أمواله وتعاظمت ثرواته. وهذه الحقيقة نجدها متمثلة أمامنا اليوم من خلال تلك الهجرات المتتابعة والنزوح الجماعي غير المبرر من سكان القرى الزراعية نحو المدن الكبرى؛ حيث يهجرون مزارعهم ويتركون مواشيهم في أيدي العمال الذين لا يمكن أن يكونوا أمناء على تلك المواشي والمزارع كأصحابها؛ بل بعضهم يبيع مواشيه ومزارعه لينتقل إلى العيش في المدينة كي يعمل موظفاً بالسخرة كالعبد المملوك في مقابل ذلك الفتات الذي يلقى في جيبه نهاية كل شهر؛ بينما كان بإمكانه أن يظل سيداً مطاعاً آمراً ناهياً في مزرعته وبين حلاله.
وكانت ثروات أولئك التجار تزداد؛ وترتفع وتيرة انتزاعهم للأراضي الزراعية من أيدي ملاكها المحليين كلما برع أولئك التجار في اللعب على أوتار الجبن والكسل لدى الإنسان الزراعي، فمع وجود فئة من الحرفيين المهرة الذين يستطيعون تحويل المنتجات الزراعية الخام إلى منتجات ذات قيمة مضافة؛ أصبحت الصناعة العصب الاقتصادي الرئيس في مجتمع المدينة، وذلك على حساب الزراعة وتربية الماشية. فعلى سبيل المثال لم تعد قيمة الفواكه والأعناب تكمن في كونها طازجة؛ ولكن في مدى قدرة التقنية الصناعية على تحويلها إلى سلع معمرة يمكن تخزينها لمدة طويلة في سبيل تصديرها للخارج؛ وذلك عن طريق تجفيفها أو تحويلها إلى خمور، بمعنى أن التاجر أصبح يشتري الغلات الزراعية الخام بمبالغ زهيدة، ثم يدفعها إلى صناعه ليحولوها إلى منتجات ذات قيمة مضافة كي يبيعها بأسعار مضاعفة، وكذلك هو الحال بالنسبة للزيتون الذي يتم عصره وبيع زيته بأضعاف الثمن، أما المواشي فبفضل تقنية دبغ الجلود وصناعة الأنسجة الصوفية أصبحت جلود الأبقار وأصواف الأغنام تدر على التاجر ربحاً يفوق ذلك الذي يحصل عليه المزارع من لحومها وألبانها؛ وهكذا. وقد تمخض عن هذا الوضع أن تضاءلت أسعار المنتجات الزراعية والحيوانية الخام في مقابل المنتوجات الصناعية، وأصبح المزارع المستقل يرى في حياة العبودية داخل المدينة قدراً أكبر من الأمان المعيشي، الأمر الذي حدا بالمزيد من المزارعين لبيع مزارعهم والانضمام إلى قطيع السخرة المدنية، حتى أن أحدهم ليرضى أن يتحول إلى مجرد عامل بالسخرة في المزرعة التي كان يملكها في السابق؛ وذلك مقابل أن يضمن له مالكها الجديد دخلاً شهرياً ثابتاً لا يتأثر بتذبذب أسعار المحاصيل.
هل هي سذاجة أم غباء أم تغابي متعمد ذلك الذي يقوم به أولئك الذين يصفون أنفسهم بالمؤرخين عندما يحاولون التحدث عن نشوء المدنية في ذلك العصر الغابر وكأنها عملية تطور طبيعي وصلت إليه المجتمعات المحلية بمجهوداتها الذاتية وبمعزل عن المجتمعات الأخرى، وإن جميع تلك العناصر الثقافية المشتركة التي ظهرت لدى جميع المدنيات الناشئة في نفس الوقت لا يمكن تفسيرها إلا في إطار التبادل الثقافي السلمي الذي تم بين تلك المجتمعات المنفصلة عن طريق احتكاك التجار المحليين بنظرائهم في المجتمعات الأخرى احتكاكاً سلمياً انسيابياً لا تحكمه سوى المصالح التجارية المتبادلة. بل إنك ترى أولئك المؤرخون يستميتون في محاولة إظهار جميع تلك العناصر الثقافية المشتركة في صورة من السذاجة التي توحي بأن تلك الشعوب كانت تتمتع بروح من المحبة والوئام والتفاهم والاحترام المتبادل والحوار الحضاري الراقي الذي لا نتمتع به نحن اليوم في عالمنا المعاصر، على الرغم من أنهم عندما يتحدثون عن عناصر ثقافية مشتركة بين تلك المدنيات الغابرة؛ هم يعلمون أنهم لا يتحدثون عن مجرد تشابه في طريقة صناعة الخزف وتشكيل المعادن ونحت التماثيل ورسم المناظر الطبيعية؛ بل يتحدثون عن تشابه قد يقترب من حدود التطابق في العقائد واللاهوت والميثولوجيا والأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بل وحتى في ملابس وهيئات السادة والملوك وعلية القوم وفي الشعارات والرموز الوطنية والقومية والدينية.
قد يجادلوننا حول شعار الصليب المعقوف الذي عثر عليه منقوشاً في وسط بعض الآنية الفخارية العراقية الأثرية التي يعود تاريخها إلى عصر حضارة العبيد؛ حيث عثر أيضاً في الهند وجنوب إيران على نقوش لنفس الشعار ترجع في تاريخها إلى ما قبل ذلك الوقت وبعده، قد يقولون أن ذلك لا يدل بحال على وجود امبراطورية تجارية عالمية كانت تسيطر على تلك المناطق وتتخذ من الصليب المعقوف شعاراً أو رمزاً له دلالته العقائدية، قد يقولون أنه لا توجد أي علاقة بين الماضي والحاضر حتى لو ظهر ذلك الرمز بعد ذلك التاريخ بستة آلاف عام ليتخذ منه الحزب النازي الألماني شعاراً عقائدياً يعبر عن ضرورة قيام حكومة عالمية موحدة تحت قيادة مجموعة قليلة من المستنيرين الذين يجب أن يقودوا تلك القطعان الحيوانية الذين يسمون أنفسهم بالبشر؛ وأن تلك القطعان يجب أن لا تترك هكذا سائبة دون ترويض وإلا فإنها ستدمر نفسها وتدمر الكوكب من فرط غبائها وبهيميتها وسفاهة حلمها ونذالة طباعها وبلادة حسها وقصر نظرها وأنانيتها وجبنها وكسلها وطمعها وجشعها وشراهتها وعدم قدرة عقولها على الرقي لمستوى التفكير المنطقي المجرد، وهو نفس المذهب العقائدي الذي كان السادة السومريون يطبقونه عملياً من خلال تسخيرهم لكل تلك القطعان من العبيد في بناء المدن وتشييدها، بل والذي أبدع السادة الفراعنة في تجسيده واقعاً عملياً على كل تلك القطعان من الأفارقة حتى بنو على أكتافهم ما نسميه اليوم بالحضارة الفرعونية، ولكنهم قد يصرون على القول بأن ذلك كله لا يعني وجود اتصال انتمائي أزلي بين صلبان الهند والعراق وألمانيا المعقوفة، وأن المسألة لا تستحق كل هذا التهويل، وأنها لا تعدوا مجرد آنية فخارية سقطت سهواً على أرض العراق من قبل بعض التجار الهنود الذين مروا من هنالك مرور الكرام، وأن من يحاول تفسيرها بخلاف ذلك فهو مصاب بفوبيا نظرية المؤامرة. ولكن ما عساهم يقولون عن الفوطة والعمامة التي ظلت اللباس الرسمي التقليدي الأزلي لجميع أولئك السادة الرأسماليين وملوكهم وأشرافهم وكهنتهم وقساوستهم وأحبارهم العظماء منذ قيامهم بإنشاء أول مدنية على وجه الأرض وحتى يومنا هذا، علماً بأن هذه الفوطة نفسها هي التي تمثل اليوم اللباس الرسمي المقدس للكهنة في المحافل الماسونية. وماذا عن شعارات عبادة الكواكب كالهلال والصليب والنجمة الثمانية والسداسية والخماسية التي وجدت منقوشة على الآثار التاريخية العتيقة التي ترجع إلى حقبات ما قبل التاريخ في جميع تلك المدن والمراكز التجارية التي كانت ولا زالت تقع على طريق التجارة العالمية، والأغرب من ذلك أن جميع تلك الشعارات انتقلت بحرفيتها إلى الأديان السماوية التي ادعى أولئك التجار اعتناقهم لها، وأصبحت جزءً لا يتجزء من تلك الأديان، وحتى الآن لا يعرف الكثير من المسلمين أن الهلال الذي يصر كل من الشيعة والصوفية على وضعه فوق قمم المنائر واعتباره رمزاً أسمى للدين الإسلامي هو في الحقيقة رمز وثني لا علاقة له بالإسلام من قريب ولا بعيد، إنه رمز عبادة رب القمر أو دموزي أو بعل أو هبل. ناهيك عن الرموز الأخرى الأكثر وضوحاً كرأس النسر وجناحيه والبومة والأفعوان والسمكة وزهرة اللوتس والخابور والهرم الناقص المطبوع على ورقة الدولار وغير ذلك.
أما بالنسبة للعقيدة الدينية فيكفينا في هذا المقام الحديث عنها بشمولية شديدة فنقول بأن جميع الأديان التي أسسها أولئك التجار في كافة مراكزهم التجارية المنتشرة في جميع أنحاء العالم؛ أو تلك الأديان السماوية التي ادعوا لاحقاً اعتناقهم لها قد تم تحريفها وتحويرها لتصب جميعها في بوتقة واحدة هي عقيدة عبادة البشر الآلهة، ابتداءً من عبادة الميكادو في اليابان مروراً بالكنفوشستية الصينية وتعريجاً على الهندوسية فالبوذية فالماناوية ثم اليهودية فالمسيحية وانتهاءً بالصوفية والتشيع، وفي جميع تلك الأديان يتم تقديم تلك العائلات التجارية نفسها؛ بذات رموزها العائلية على أنهم هم أولئك البشر الآلهة؛ أو أنهم هم الممثلين الشرعيين لأولئك البشر الآلهة؛ أو على الأقل ينحدرون من سلالاتهم. والجدير بالذكر أن أولى الأساطير السومرية والمصرية التي تتحدث عن بدء الخليقة كانت تتحدث عن وجود سلالة بشرية تنحدر من نسل الآلهة، وأن أفراد تلك السلالة الأولى كانوا هم ملوك وحكام أولى المدن والمراكز التجارية التي تم إنشاؤها في العراق ومصر.
أما إذا أردنا الحديث عن النقطة الأكثر أهمية على الإطلاق فهي قضية ذلك اللون الأحمر العجيب. إن أول مملكة أقامها أولئك التجار في مصر قبل ستة آلاف عام تقريباً في منطقة الدلتا وتحديداً عند فرعها الغربي كان يرمز إليها بتاج لونه أحمر، وأصبح ذلك التاج الأحمر فيما بعد شعاراً للإله حورس رب الدلتا. وعندما انطلق أولئك التجار من مركزهم الذي أنشأوه على الساحل الشرقي للبحر المتوسط والذي أسموه ببلوس (حالياً مدينة جبيل جنوب لبنان) فانتشروا من هناك ليسيطروا على حوض البحر المتوسط بأكمله ويحتلوا جزره بما في ذلك الأرخبيل اليوناني الذي سيطروا عليه سيطرة مطلقة بعد تمركزهم في جزيرة كريت؛ ونشروا مراكزهم التجارية على جميع شواطئ المتوسط من أقصى غربه إلى أدنى شرقه صعوداً حتى حوض البحر الأسود حيث أنشأوا على مدخله أحد أكبر مراكزهم التجارية وأشهرها تاريخياً وهي مدينة طرواده، عندها عرفهم اليونانيون باسم "الفينيقيين" أي الشعوب الحمراء.
ولكن ما هو أصل أولئك الفينيقيين؟ وما هي علاقتهم الحقيقية بكل من الفراعنة والسومريين والكنعانيين والأموريين وأخيراً الحميريين؟
ذكر هيرودوت أن أجداد الفينيقيين قدموا من شواطئ الخليج العربي، أي من نفس المكان الذي انطلق منه السومريون لاستيطان العراق. وقد أكد سترابون على ذلك مشيراً إلى أن المدن الفينيقية الحديثة التي تقع على السواحل السورية واللبنانية كصور وصيدا وجبيل وأرواد ما هي سوى نسخ طبق الأصل من مدن أقدم كانت تقع على الخليج العربي، وأن تلك المدن كانت تحمل نفس الأسماء، بل ولا تزال إحداها تحمل نفس الاسم حتى اليوم وهي مدينة الجبيل السعودية. وإذا علمنا أن منطقة لبنان (أو فينيقية) كانت عبارة عن ولاية مصرية تتبع سياسياً وإدارياً لسلطة الفرعون المياشرة، وأن جبيل (ببلوس) على وجه التحديد كانت أكبر مركز تجاري مصري على البحر المتوسط، عندها لا يسعنا تجاهل تلك العلاقة العائلية القوية التي كانت تربط تجار العراق بتجار مصر بالتجار الفينيقيين، بل نكاد نجزم أن جميع هؤلاء كانوا عبارة عن فروع لعائلة تجارية واحدة استوطنت شواطئ الخليج العربي في حقبة من حقبات التاريخ، ونشرت فروعها لتحتل المراكز الاستراتيجية على طول الطريق التجاري المؤدي إلى الغرب، وأن هذه الفروع لم تترك ساحلاً يطل على بحر من البحار إلا وأقامت لها فيه مركزاً مدنياً ما.
لم يكن الفينيقيون سوى فرع من أصل أكبر هم الكنعانيون، ولفظ كنعان يعني "اللون الأحمر" -بالبابلية (كناخني) وبالحورية (كناجي)- وكانت الشعوب الكنعانية تنتشر وتسيطر على منطقة غرب الجزيرة العربية من اليمن جنوباً وحتى سواحل الشام شمالاً، ولكنهم في الشام ينقسمون إلى فرعين، فرع نزل في حوض البحر الميت وجنوب سوريا فسماهم أهل العراق بالأموريين، وهي تعني الشعوب الغربية حيث أنهم كانوا يتسللون إلى المدن العراقية من جهة الغرب، أما الفرع الثاني فهم الفينيقيين. ثم ما لبث أولئك الكنعانيون أن اعتنقوا الديانة العبرية السامية أو تظاهروا باعتناقهم لها، وكان ذلك في زمن سليمان على الأرجح، حيث بدأت الديانة العبرية الحنيفية من وقتها تتغير وتتحرف حتى تحولت إلى ديانة وثنية تماماً، نسخة طبق الأصل من ديانة الكنعانيين الذين كانوا يعبدون إله القمر دموزي ويطلقون عليه لقب "إلمقه"، وكانت مأرب هي مركز عبادته حيث لا تزال آثار معبده قائمة فيها حتى اليوم. وبفضل احتكاكهم بالعبريين اكتسبت لغتهم الكنعانية الحامية كثيراً من الألفاظ السامية بل وتأثرت حتى بالقواعد اللغوية السامية لتتمخض عن ذلك تلك اللغة الهجينة التي تسمى بالحميرية، وأصبح يطلق على الكنعانيين لقب "الحميريين"، ولفظ حمير يعني أيضاً "اللون الأحمر"، وفجأة تحول اسم البحر الإريتيري أو بحر القلزم إلى "البحر الأحمر" حيث إنهم كانوا يسيطرون على سواحله سيطرة كاملة، سواءً الشرقية منها والغربية.
لماذا اللون الأحمر؟ ولماذا يتخذه الماسونيون اليوم شعاراً لهم؟ أليس هو اللون الأكثر وضوحاً في شعارات فرسان الهيكل وفرسان مالطا وجماعة الجمجمة والعظام وغيرها؟ وماذا عن منظمة الصليب الأحمر؟ والهلال الأحمر؟ وما معنى كلمة "روتشيلد" بالألمانية؟
لم يكن من الصعب على شلة قليلة من التجار الدوليين أن يستعبدوا كل تلك القطعان من البشر ويسخروها ويروضوها كما تروض الحيوانات الأليفة، فالمخلوق الزراعي الذي سيطر الجبن والكسل على كيانه لم يكن بمقدوره مقاومة الخوف بأي شكل من الأشكال، الخوف من كل شيء، الخوف من الموت، الخوف من الجوع، الخوف من المجهول، الخوف من الحاضر والمستقبل، الخوف من المواجهة، الخوف من المغامرة والمجازفة، الخوف من التعب والمرض والشيخوخة، بل والخوف من مجرد التفكير في هذه الأشياء. لم تكن حياته سوى رحلة للبحث عن الأمان، عن الاستكانة والاستقرار، عن التحامي في ظل سيد يوفر له ذلك الشعور مهما طلب منه ذلك السيد من مقابل، وبصرف النظر عن تلك الأكوام الهائلة من التكاليف التي يضعها السيد على عاتقه في مقابل أن يحقق له قدراً من الأمن الغذائي والحماية الحسية المستدامة التي من شأنها أن تخفف عنه شيئاً من وقع ذلك الشعور القاتل بالخوف.
لم يترك الخوف في قلبه مكاناً للمشاعر الأخرى إلا إذا كانت تلك المشاعر تصب في بوتقة التخفيف من ذلك الخوف، لم يترك الخوف في ضميره مساحة للاكتراث بشيء من المبادئ والقيم والمعاني الإنسانية السامية؛ فأصبحت الأنانية والجشع والنذالة والطمع والكذب والنفاق والرياء والانتهازية والوصولية والاستغلال هي أسمى مبادئه الأخلاقية؛ فهي الصفات السلوكية الوحيدة التي من شأنها تكديس القروش البيضاء في جيبه لتزيح عن قلبه شيئاً من مشاعر الخوف من الأيام السوداء.
أصابه الخوف بنوع من التحجر العقلي، الجمود الفكري، فتراه يهرب من أي فكرة قد تضر بمصالحه المادية وتعكر صفو شعوره بالأمن الغذائي، تراه يسارع في طرد تلك الأفكار التي قد تلوح في مخيلته؛ بل ومعاداتها معاداة شديدة إذا ما شعر أنها قد تمثل قدراً من الخطورة يهدد مصالحه الآنية أو يمس وضعه الاقتصادي بشكل من الأشكال، فالمال بالنسبة له هو الأمان، هو المحور الذي تدور حوله جميع مشاعره وأفكاره ومعتقداته. وأخيراً وليس آخراً؛ جرد الخوف أحاسيسه من جميع مشاعر الكرامة والعفة وعزة النفس، فهذه المصطلحات لا يمكنها أن تحقق له أي نوع من الأمان الغذائي، بل ربما تضاعف خوفه من الفقر ورعبه من المجهول، فهي تلزمه بالتخلي عن المال في سبيل احترام الذات المجردة، وهو أمر لا قدرة للجبناء عليه، بل تجد الجبان على أتم الاستعداد لإهانة نفسه وتحقيرها وإذلالها إذا ما وجد أن ذلك الإذلال قد يجلب له نوعاً من الأمان الغذائي ويصرف عنه ذلك الشعور بالخوف من المستقبل.
إن أكثر السلع التي اشتهر الفينيقيون بالمتاجرة بها هي العبيد، وإن تلك الشعوب التي ظلت على مدار التاريخ تشكل أكبر مصدر طبيعي لتجارة العبيد؛ نجدها اليوم لا تزال سلوكياتها تعبر بوضوح عن ما ذكرناه من حقائق. فإذا أردت البحث عن التكروني فابحث عند مكبات الزبائل لتجده مرابطاً هناك يفتش عن رزقه بين المخلفات الآدمية، قد تشعر بالشفقة الشديدة عليه وتظن أنه من شدة فقره يبحث عن طعام لأطفاله بين تلك المخلفات، ولكنك ستصدم عندما تكتشف أنه لا يبحث بتاتاً عن طعام، ولا تجد عربياتهم تحتوي على طعام، بل إن أحدهم ليملك من المال ما يكفيه لإنشاء مشروع تجاري صغير؛ كأن يذهب للحراج مثلاً ويشترى بعض السلع الرخيصة بسعر الجملة ثم يقوم ببيعها بالقطاعي في أي مكان شاء ليكسب من وراء ذلك ما يغنيه عن الغطس والسباحة داخل براميل القمامة، ولكنه لا يريد أن يشتري أي شيء بأي ثمن، لذلك تجده يبحث عن النفايات المجانية ليبيعها إلى شركات إعادة التصنيع، لأن تجارة النفايات هي التجارة الوحيدة التي تدر على صاحبها الأرباح دون أن يضطر للمغامرة برأس المال، وبالرغم مما تجلبه هذه التجارة على صاحبها من عار وذل وإهانة وتحقير؛ إلا أن هذا النوع من الكائنات لا تساوي الكرامة والعفة وعزة النفس لديه أي مقدار إذا ما قورنت بالمال. إن التكروني إذا أردت أن تستعبده فما عليك سوى أن تلوح له بقطعة من طعام أو بحفنة من الريالات لتجده يخر ساجداً تحت قدميك ويعبدك من دون الله. بل إن الأمر العجيب حقاً هو أنك تجد أولئك المخلوقات يستعذبون الذل ويستمتعون بالإهانة بشكل لا تجده حتى عند الحيوانات، وهو أمر يصعب على العقل فهمه أو تفسيره بالرغم من ثبوته ثبوتاً قطعياً من خلال التجارب العملية، وإذا أردت التأكد بنفسك من صحة هذه القاعدة فما عليك سوى القيام بتجربتها مع أول تكروني تصادفه في طريقك، حاول أن تجرب التعامل معه بقدر من الاحترام والتقدير لتجده ينفر منك لاشعورياً وربما يسيء أدبه معك ويوجه إليك بعض الإهانات، عندها جرب أن تقسو عليه وتهينه وتذله وتمسح بوجهه التراب لتجده وقد بدأ يحترمك ويقدرك وربما يتذلل لك بشكل ملحوظ، بل إنك إذا أمعنت في القسوة عليه وإهانته وتحقيره ستتفاجأ عندما تجده يتعلق بك ويحبك ويقدسك تقديساً شديداً.
إن هذه السادية العجيبة لدى تلك الشعوب لا يمكن تفسيرها منطقياً إلا من خلال غريزة الجبن الخالع التي تمتلك عليهم كيانهم وتسيطر على نفسياتهم سيطرة مطلقة، لتدفع بهم لاشعورياً نحو تقديس بل وعبادة كل ما هو قوي وعنيف ومخيف ومرعب من جهة؛ ونحو احتقار كل ما هو ضعيف وطيب ومسالم من جهة أخرى، وهو أمر لا يقتصر على التكارنة فحسب؛ بل قس عليهم الهنود والبورما والبنقالة والجاوه والبخارية والمصارية والفلسطينيين واللبنانيين واليمنيين والحجازيين وأمثالهم من المخلوقات.
عندما ننظر اليوم إلى الهنود والبورما والبنقالة ونحاول تصنيفهم ضمن جدول الفصائل الحيوانية نحتار أين نضعهم ضمن الحشرات المقرفة كالصراصير والبعوض والذباب والخنافس أم ضمن الديدان والطفيليات التي تقتات على الفضلات الآدمية وتعيش في مجاري الصرف غير الصحي، فأنت لا تكاد تجد الهندي إلا كنّاساً أو زبّالاً أو لصّاً أو مزوراً أو جراراً أو ساحراً أو مشعوذاً أو صانع عرق أو مروج مخدرات أو عاملاً في أدني وأحقر المهن والوظائف، بل إنهم نافسوا التكارنة والمصارية واليمنيين والفلسطينيين في إنتاجهم وتصديرهم للشحاذين والمتسولين على مستوى العالم، أما العلامة الفارقة المميزة للهنود والفن الذي برعوا وتفوقوا فيه على جميع شعوب العالم فهو اللواط بكافة أوضاعه، فتجد الزبّال الهندي مستعداً لتمكين كائناً من كان من إسته مقابل خمسة ريالات فقط. وهنا نطرح تساؤلاً خطيراً نتحدى به العقول المفكرة: كيف تمكن شعب كهذا في العصور الغابرة من بناء أكبر وأضخم الحضارات والمدنيات على وجه الأرض في الوقت الذي نجد أحفادهم اليوم ينزلون في مستواهم العقلي والخلقي عن أدنى فصائل البهائم؟!
عندما نتجول قليلاً بين إشارات المرور تستوقفنا تلك المناظر التي تفطر القلوب تفطيراً: فتيات بخاريات تبدأ أعمارهن من الأربع سنوات ولا تتعدى أكبرهن سن الثانية عشر؛ يتجولن بين السيارات وهن ممسكات بعلب اللبان في أيديهن؛ ليس بغرض بيعها بل لاستخدامها وسيلة للشحاذة والتسول المقنع. إن البخاري الذي لم يبرع في مهارة ما سوى ترقيع الأحذية القديمة تراه مستعداً لإرسال فتياته الصغار إلى المجهول كي يجلبن له القوت بأي طريقة، مهما بلغت بشاعة هذه الطريقة ودناءتها وخستها، ومهما مثلته من خطر محدق على أجساد أولئك الفتيات ونفسياتهن بل وأرواحهن. هو لا يعرف شيئاً عن كرامة أو شرف ولا تمثل لديه أعراض بناته أي قيمة إذا ما قورنت بالمال، هو لا يهمه ما يحصل لهن عند الإشارات، وما يتعرضن له من دهس أو إصابات أو إهانات أو تحرشات بل وربما اغتصابات، فتلك الشعوب لا تجيد سوى استغلال الضعفاء حتى لو كان أولئك الضعفاء هم أبناؤهم وبناتهم.
إنه لمن الملفت جداً للنظر تلك السمة المناطقية التي نراها تتجلى بوضوح في قضية العنف الأسري في السعودية، فقد أثبت المسح الإحصائي أنه لا توجد منطقة في المملكة يعاني نساؤها من بشاعة الظلم والاضطهاد وهضم الحقوق الشرعية ووحشية وبهيمية المعاملة مثل منطقة عسير، تلك المنطقة التي يتذرع سكانها في حقدهم العرقي البغيض والأعمى على بني ربيعة وفي حربهم القومية السافرة ضد الحكومة السعودية يتذرعون بذلك النص المهترئ السند والمطاطي الدلالة (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)؛ في الوقت الذي يكفرون فيه كفراً مطلقاً بتلك الآية الصريحة القطعية التي أكد الله سبحانه وتعالى عليها في قرآنه أكثر من مرة: (وللذكر مثل حظ الأنثيين). إن تلك الشعوب لا علاقة لها بدين أو ملة؛ ولا تفهم شيئاً في عقيدة أو إيمان، إنما تحركها دوافعها الحيوانية فقط لا غير، وهم في سبيل إشباع تلك الدوافع يتذرعون بأي شيء، بما في ذلك الدين، يأخذون منه ما يناسبهم ويكفرون بما وراء ذلك وهم بذلك يحاولون التذاكي على الله، إنه تذاكي الأغبياء، لأن الله لا يمكن لأحد أن يضحك عليه.
إن بشاعة الاضطهاد الذي تعاني منه المرأة العسيرية لا يقف عند حدود منعها من إرثها الشرعي منعاً باتاً؛ بل يتعداه إلى ما هو أبعد من ذلك بمراحل قد لا يتخيلها العقل السليم، بل إن هذا الاضطهاد ليضرب بجذوره في أعماق التاريخ. إن الاستغلال الجنسي للمرأة العسيرية عبر التاريخ لا تزال آثاره قائمة أمام أعيننا اليوم، فأنت عندما تجد أسرة عسيرية مكونة من عدة أبناء يختلف كل منهم في شكله وملامحه وهيئته عن الآخر اختلافاً جذرياً؛ فتجد أحدهم أشقراً والآخر أسوداً والثالث كأنه بخاري أو جاوي أو هندي؛ عندها لا تملك إلا أن تساءل نفسك بشدة عن السبب: كيف يمكن لمثل هؤلاء الادعاء بأنهم ينحدرون من صلب رجل واحد؟!
في عسير كانوا يستخدمون المرأة كوسيلة للتقرب إلى رجالات السلطة ورشوة بعض المتنفذين في الحكومة، وخصوصاً في عهد الأتراك عندما كان العسيري يأخذ ابنته أو أخته أو ربما زوجته إلى القلعة ليستمتع بها الضباط العثمانيون في سبيل حصوله منهم على بعض المكاسب الإدارية والسياسية وربما المادية، كان أهل عسير يلقبون بـ "فروخ الأتراك" لأن غالبية أبنائهم لم يكونوا يشبهونهم بل يشبهون أولئك الضباط القابعين داخل القلعة العثمانية.
قبل الفتح السعودي المبين للحجاز كانت منطقة عسير هي المصدر الطبيعي الأكبر لتصدير الخدم والصبيان والخادمات المنزليات للمدن الحجازية الكبرى كمكة وجدة والطائف والمدينة، وحتى اليوم لا تزال المسنات العسيريات يتحدثن بخجل عن ذكرياتهن كخادمات منزليات كن يقدمن لأسيادهن من أبناء البيوت المكية جميع الخدمات التي تقدمها اليوم الخادمات الإندونيسيات. أما بعد أن قام آل سعود بتحريرهن وإكرامهن بل وتوظيف أبنائهن في أعلى المراتب والوظائف الحكومية؛ فوجئنا بأولئك القطعان من فروخ الأتراك وأبناء العمالة المنزلية وهم يعضون اليد التي امتدت لهم ويوجهون أسلحتهم مباشرة إلى صدور آل سعود ويفجرون مؤاخراتهم في وجوه أشرف من خلق الله على وجه الأرض، فوجئنا بقطعان عسير وهم أكثر تلك القطعان تمويلاً للقاعدة ودعماً للمسعري والفقيه وإثارة للبلبلة والاضطرابات الأمنية في البلاد وتهييجاً لبقية البهائم ضد حكومة بني عدنان ومرابطة أمام شاشات الكمبيوتر لحشد التعليقات المسيئة لآل سعود ولانتقاد أداء الحكومة السعودية في كل كبيرة وصغيرة وللمطالبة بالتعويضات الحكومية وزيادة الرواتب وتوظيف قطعان الخريجين الوهميين الذين يحملون في أيديهم أكواماً من الأوراق الرسمية والشهادات العلمية بينما لا تحتوي أدمغتهم على قدر من العلم يفوق ما تملكه جدتي.
هنا قد يحاول أحد المتحذلقين إحراجنا بالأسئلة التالية:-
أليس من المبرر إذاً ما يحاول أولئك السادة الماسونيون القيام به لاستعباد هذه القطعان من البهائم؟ ألم يثبت هؤلاء البهائم فشلهم في قيادة أنفسهم وضبط تصرفاتهم؟ ألا يعتبر مبدأ مقدساً ذلك الذي يدعوا إلى الأخذ على يد هذه القطعان لمنعها من أن تدمر نفسها وتدمر العالم؟ وهل من وسيلة أخرى لضبط هذه القطعان سوى استعبادها وتسخيرها تسخيراً مقنناً منظماً مدروساً بحيث يتم توجيه طاقاتهم نحو البناء والتعمير والإنتاج الحضاري والمدني بدلاً من منحهم حرية لا يستحقونها ولا يعرفون كيف يتعاملون معها بل ربما يوظفونها في الشر والتدمير والتفجير والإجرام؟
من خلال هذه الأسئلة نكون وصلنا إلى لب الموضوع الذي كنا نحاول شرحه طيلة هذه المدة، وهنا يحق لنا الادعاء بأن مصير هذا الكوكب أصبح متوقفاً على ما سنطرحه الآن من أفكار تتعلق بالإجابة عن هذه الأسئلة.
التعليقات (0)