في شهر سبتمبر الماضي تناقلت بعض الصحف الإلكترونية خبراً حول تمكن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة من إلقاء القبض على مجموعة من الجاوة في حالة تلبس وهم يمارسون الجنس الجماعي في جبل ثور الذي اختبأ فيه النبي صلى الله عليه وسلم مع صاحبه أبو بكر الصديق عليه رضوان الله تعالى وصلواته وهم في طريق هجرتهم نحو المدينة. وجاء في الخبر أن المجموعة كانت تتكون من 21 إمرأة و 7 رجال، إلا أن فهد الثبيتي (ناقل الخبر) ذيّل خبره بجملة غريبة تفيد بأن الهيئة كانت قد تمكنت في أوقات سابقة من القبض على 62 جاوياً وجاوية في حالات مشابهة من البغاء المقدس، ولكن ثمة تكتماً إعلامياً عجيباً حال دون الإعلان عن تلك الحالات السابقة أو حتى مجرد الإشارة إليها في وسائل الإعلام.
والأغرب من ذلك أن جميع وسائل الإعلام الرسمية التزمت الصمت الرهيب حيال الموضوع وكأن ثمة اتفاق شامل بينهم على صرف أنظار الناس أن ينتبهوا إلى ذلك التقليد الشعبي المنتشر انتشاراً كبيراً في مكة منذ الأزل وحتى يومنا هذا، إنه تقليد البغاء المقدس الذي لم يكن أهل مكة يخجلون منه في السابق، حتى جاء الفتح السعودي المقدس فبدأ المكيون بإخفاء هذا التقليد عن أعين بني ربيعة، واكتفوا بممارسته سراً بدافع من الخوف وليس الحياء.
كانوا في مكة يعتبرون نطفة الشريف أو السيد نطفة مباركة لدرجة أنهم كانوا يتقربون إلى الله بدعوة الشريف أو السيد إلى فراش زوجاتهم وأخواتهم وبناتهم، وكان الجاوة على وجه التحديد يحرصون على أن يفض السيد بكارة بناتهم كي تحصل البنت على بركة أبدية تصاحبها طيلة حياتها الزوجية، وكان الشريف أو السيد إذا وقعت عينه على فتاة فأعجبته وقرر مضاجعتها في الحال فمن العيب عليها أن تمنع منه جسدها، بل ومن العيب على أهلها أن لا يستغلوا تلك الفرصة المباركة علها تؤدي إلى انضمامهم لآل البيت النبوي، فالنسب الشريف يحصل عندهم من طريق الأم تماماً كما هو الحال بالنسبة لليهود، وبهذه الطريقة اكتسب الحوازم الحروب نسباً شريفاً -على حد تعبيرهم- بعد أن تزوج أحد أولئك الحوازم بفتاة من أسرة الأشراف فأصبحت ذريته منها تحمل لقب "الشريف" بالإضافة إلى لقب "الحازمي"، ثم توالد بقية الحوازم واستولدوا من سلالة تلك الفتاة حتى تكونت منهم قبيلة استوطنت منطقة "جرول" شمال غربي مكة، وأصبحوا يسمون بالأشراف الحوازم. في المقابل فإن المرأة تتحول إلى شريفة مباشرة بمجرد أن يضاجعها شريف؛ وذلك مثل فاطمة بنت جاري العسيري التي أصبحت تلقب بالسيدة والشريفة بعد أن تزوجها الشريف عون، وبهذه الطريقة تحول كثير من الأمم والشعوب التي لا أصل لها ولا فصل ولا شرف إلى شعوب مقدسة تدعي النسب النبوي، والمثير للسخرية هو أن كلاً منهم ينحدر من عرقية مختلفة وينتمي إلى ثقافة مختلفة بل وربما يتحدث لغة مختلفة بينما يجتمع جميعهم على كذبة واحدة هي ادعاؤهم النسب الفاطمي، فمجرد الاتصال الجنسي مهما كان شكله ونوعه وطبيعته وشرعيته كان كافياً أن يحجز لأحدهم مكاناً داخل تلك المشجرة الوهمية التي يسمونها مشجرة آل البيت.
أما الزنى الجماعي فأكثر من كان يرفع رايته الشعوب الصفراء، أي الجاوه والبخارية. فطقوس البغاء المقدس التي نقرأ عنها في تراث سومر وبابل ومصر؛ كانت تقام بحذافيرها في مكة والمدينة حتى بداية العهد السعودي، ليس فقط في جبل ثور بل في جميع المشاعر والمزارات المقدسة بما فيها عرفات ومنى وجبل أبي قبيس وشعب علي وغيرها، وكانت تزداد وتيرة ذلك البغاء في الأعياد والأوقات المقدسة كرجب وشعبان ورمضان وذي القعدة وذي الحجة ومحرم، وخصوصاً شهر رجب الذي له قداسة خاصة لديهم تضرب بجذورها في عصور الجاهلية الأولى، حيث أنه كان يوافق شهر تموز وهو شهر في غاية القداسة لدى عبدة الكواكب والأبراج، وكان رجب قديماً -أو رجب مضر كما يسمونه- شهراً شمسياً على عكس رجب ربيعة الذي كان شهراً قمرياً يوافق حالياً شهر رمضان.
كان الجاوة والبخارية يتبادلون زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم عندما يجتمعون في تلك الأماكن أو في غيرها بغرض أداء طقوس البغاء المقدس، وهي نفس الطقوس التي يؤديها الشيعة في حسينياتهم يوم عاشوراء، وكانوا يعتقدون أن بركة المكان والزمان تحل فيهم بحيث يصبح الأطفال الذين تحبل بهم النساء في تلك الليلة وبتلك الطريقة أطفال مباركين لا ينتمون لعالم البشر قدر انتمائهم لعالم الملائكة، وكانوا يعتقدون بأن الملائكة هي التي تجامع النساء وتنفخ في فروجهن، لذلك كانوا يسمون الأطفال الذين يولدون بهذه الطريقة بأبناء الملائكة، وهو لقب اتخذته بعض العائلات في العراق ومكة والهند وإندونيسيا، وكانوا يقدسون تلك السلالة تقديساً شديداً، وعادة ما ينتمي أبناء تلك السلالة إلى طبقة الفقهاء والمحدثين ورجال الدين المميزين الذين يملكون قدرة خارقة على إشفاء المرضى وإخراج الجن وعمل التمائم والتعاويذ التي تستخدم لجلب البركة.
وبعد الفتح السعودي المقدس تحجمت هذه العبادة كثيراً حيث لم يعد بإمكانهم ممارستها في العلن، فتقوقع الجاوة في معقلهم بمنطقة الفلق والشعب وأصبحوا يمارسون البغاء المقدس في الخفاء، وهم لا يزالون كذلك حتى اليوم. واستفادوا من الجنسية السعودية التي منحت لهم فتملكوا الأراضي والمنازل في تلك المنطقة وحولوا جبل الفلق إلى معقل سرّي لممارسة البغاء المقدس، حيث بدأوا يستقبلون بني جلدتهم من العمالة الإندونيسية الهاربة ومن المتخلفين من الحج والعمرة ليشكلوا منهم منظمة دعارية مقدسة تمارس هذا النوع من البغاء بأساليب مختلفة ومتنوعة قد تخطر وقد لا تخطر على البال. فمن أبرز وأشهر ظواهر البغاء المقدس المعروفة حالياً في الحجاز وفي منطقة مكة على وجه التحديد ظاهرة الزواج العرفي بالجاويات المقيمات بطريقة غير نظامية في منطقة الفلق، وهي ظاهرة يقف خلفها أولئك الجاوه السعوديون الذين استغلوا الجنسية السعودية فتمكنوا من التغلغل داخل مؤسسات الدولة الرسمية كموظفين ومدراء ورؤساء عمل ليقوموا من خلال مواقعهم تلك بالترويج لهذا النوع من البغاء وتلقي العمولة على كل عقد زواج يتم بتلك الصورة، وهم في الحقيقة من يقوم برعاية هذه المؤسسة البغائية وتوفير السكن لأولئك الزوجات السريات والاستفادة من الأطفال الذين ينتجون عن تلك الزيجات بتحويلهم إلى قوى عاملة داخل مؤسستهم تلك حيث لا يتمتع أولئك الأطفال بأي حقوق للمواطنة فالنظام لا يعترف بهم لكونهم أبناء حرام.
أما البخارية فقد تظاهروا لفترة بأنهم قد تركوا هذه العادة واعتنقوا الإسلام الصحيح على يد آل سعود؛ ولكنهم في الحقيقة كانوا يمارسونها سراً داخل ما يسمى بالأربطة (أربطة البخارية)، وكانوا يمارسونها فقط داخل المجتمع البخاري، أي مع بعضهم البعض فقط، فلا يسمحون لغير بني جلدتهم من ممارستها معهم حتى لا ينكشف أمرهم ويفتضح سرهم لدى الدولة السعودية، ولكن سرعان ما افتضح ذلك السر بعد أن تمكنت الحكومة السعودية من عقد اتفاق مع الروس يتم بموجبه السماح للحجاج البخارية بالقدوم إلى المملكة لأداء الحج والعمرة، عندها تبين أن معظم أولئك الحجاج كانوا يأتون إلى مكة خصيصاً بغرض إقامة شعائر البغاء المقدس في الرحاب الطاهرة لتعود نساؤهم وفي رحم كل منهن نطفة من نطف أولئك الملائكة الافتراضيين.
اتخذ الحجاج البخارية من موقف الباصات بمنطقة "كدي" مقراً موسمياً لعرض نسائهم لكل من يرغب في ممارسة البغاء المقدس، فكان نساؤهم يفترشن ساحات موقف كدي طيلة أشهر الحج، وكانت إحداهن تضع أمامها بعض السلع والمشغولات اليدوية كنوع من التمويه وذلك لإيهام السلطات السعودية أن الغرض الوحيد من هذا الافتراش هو الاتجار بتلك السلع والمشغولات، ومن خلف تلك التجارة الصورية كن يحاولن استمالة المشترين والمتسوقين واستدراجهم لإقامة العلاقات الجنسية، والذي فضح أمرهن هو أنهن لم يكن يقتصرن على بني جلدتهن من البخارية المتسعودين أو من أهالي مكة الذين يتفهمون هذا الوضع، ولكنهن كن يحاولن إقامة أي علاقة مع كائن من كان إذا صادف تواجده داخل حدود الحرم في ذلك الوقت المبارك. لم تكن أولئك الحاجات البخاريات مجرد داعرات عاديات، لم يكن غرضهن هو تقديم الجنس مقابل المال، بل كان الغرض هو الجنس ذاته، البغاء المقدس بطقوسه الفقهية الدقيقة التي لا تكتمل أركانها العبادية إلا باجتماع قدسية الزمان مع قدسية المكان، لذلك لم تكن إحداهن تشترط مبلغاً محدداً من المال بل تقبل أي مبلغ يعطى لها، فالمال عنصر هامشي في هذه العبادة.
ولكن سرعان ما اكتشفت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حقيقة ما يحدث في موقف كدي بعد أن كثرت البلاغات المقدمة للهيئة من قبل الحجاج القادمين من خارج الحجاز، عندها قامت الهيئة بمنع أولئك الداعرات الروسيات من افتراش موقف الباصات، ولكن ذلك لم يغير من الأمر شيء بل زاده سوءاً، فقد تمخض عن ذلك نشوء شبكة منظمة تعمل في الخفاء، وأصبح هنالك مروجون ودلالون دائمون من أهالي مكة البخارية الذين يحملون الجنسية السعودية، والذين يقومون بالتنسيق السري مع الزبائن وبالتكفل بكافة الترتيبات والتجهيزات الموسمية لإقامة شعائر البغاء المقدس في رحاب بيت الله الحرام بعيداً عن أنظار الحكومة السعودية.
لقد شكلت الشعوب الصفراء أكبر مصدر تاريخي لتفريخ العبيد والأتباع، فهم لم ينافسوا الزنوج الأفارقة والخدم الهنود فقط بل تفوقوا عليهم في هذا المجال، فالجاوي الذي يرسل امرأته لتعيش في بيت رجل آخر وتعمل خادمة له ولأولاده وتقدم لهم جميع أنواع الخدمات بما فيها الجنسية والتناسلية في مقابل أن ترسل له حفنة من الريالات كي يقتات هو وأسرته من عرق جسدها وفرجها؛ لنا أن نتخيل لو أن رجلاً كهذا -إن جاز وصفه بالرجل- لو علم أن بإمكانه أن يصبح شريفاً بين يوم وليلة؛ وأنه سينتقل من طبقة العبيد إلى طبقة الأشراف مباشرة دون المرور بمرحلة انتقالية وذلك بمجرد أن تتمكن زوجته أو ابنته أو أخته من استدراج شخص شريف إلى فراشها لتنتقل عدوى الشرف إلى رحمها أسرع من انتقال الإيدز، فما يلبث أن يصبح في بيته طفل شريف تتمكن من خلاله الأسرة برمتها أن تحجز لنفسها غصناً في مشجرة آل البيت، لنا أن نتخيل كيف سيدفع الشعور بالنقص والوضاعة والدونية بشخص كهذا كي يستميت وينتحر في سبيل الحصول على مكانة كتلك.
بهذه الطريقة تحول الأرخبيل الإندونيسي إلى أرخبيل هاشمي، وتحول الملايين من سكان جنوب شرق آسيا إلى سادة أشراف تعج بهم أغصان وفروع مشجرة آل البيت، وأصبح ملوك ماليزيا وبروناي ورؤساء إندونيسيا وسنغافورة بل ورؤساء الأحزاب السياسية والوزراء وكبار الموظفين والمتنفذين والقياديين وصناع القرار في تلك الدول وكبار ملاك الأراضي والمؤسسات الاقتصادية وكبار العلماء والأعيان ووجهاء المجتمع الذين يستطيعون توجيه الرأي العام كيفما وحيثما أرادوا؛ جميع هؤلاء يدعون بانحدارهم عرقياً من آل البيت؛ ولا يقبلون بحال أن يشك أحد في انتمائهم إلى السادة العلويين. وهنا تكمن الكارثة عندما تتشبث تلك القطعان من العبيد والخدم بتلك القشة الوهمية التي من شأنها أن ترفع من روحهم المعنوية وتكسبهم -أمام أنفسهم على الأقل- نوعاً من القيمة والمقدار والثقة بالنفس، عندها لن يتساءل أولئك القطعان عن مدى ركاكة تلك القشة أو حتى سرابيتها؛ بل سيكونون أول من يصدق تلك الكذبة ويتعلق بخيوطها الوهمية ويفعل المستحيل كي يقنع نفسه بهذا الهراء الذي لا يملك في هذه الدنيا غيره، ويترتب على شعورهم الفطري بالحقارة والنقص والوضاعة والدونية التي تمخضت عنها محاولتهم المستميتة لتأكيد انتمائهم العلوي أن تتحول عناصر هذا الانتماء إلى وسائل استعبادية في غاية القسوة تعمل على تسخيرهم لخدمتها دون رحمة، أما أبرز تلك العناصر على الإطلاق فهي المرجعية الثقافية المتمثلة في شخوص كل من الأقطاب الصوفية والآيات الشيعية التي تعمل جميعها على حشد وتسخير وتوجيه تلك القطعان نحو مسار عقائدي موحد، ألا وهو عبادة آل البيت. أما فقه هذه العبادة وطقوسها الشرعية فهي الأسرار التي لا يعلم مداركها سوى أولئك الأقطاب والآيات؛ وبهذه الطريقة يصبح أقطاب الصوفية وآيات الشيعة هم السادة الحقيقيون الذين يملكون رقاب تلك القطعان ويسوقونهم كيفما وحيثما شاؤوا من خلال امتلاكهم الحصري لحق الفتوى والتوجيه الديني والثقافي والسياسي لتلك القطعان من البهائم الذين باعوا أنفسهم باختيارهم لأولئك الأرباب البشر في مقابل أن يظلوا يستمتعون بذلك الوهم ويعيشون متعة الإيمان بتلك الكذبة السخيفة؛ كذبة انتمائهم لآل البيت.
إن قصة اعتناق الجاوة للإسلام لتتطابق حرفياً مع قصة اعتناق البخارية للديانة اليهودية، ففي أواخر القرن الثالث عشر خرج ملك مالاقا على الناس ذات يوم ليعلن لهم اعتناقه للإسلام، وما هي إلا لحظات حتى تحول جميع سكان مالاقا عن بكرة أبيهم إلى مسلمين بقدرة قادر، هكذا فجأة أسلموا جميعهم دون أن يكن لديهم أدنى معرفة عن ماهية هذا الإسلام، رددوا الشهادتين بصوت واحد دون أن يعلموا أين الله حاطهم فيه، ياله من منظر حق للأعين أن تذرف منه دموعها ليس من شدة الإيمان ولكن من كثرة الضحك، فبنفس الطريقة تحولت بقية جزر وممالك ذلك الأرخبيل العجيب إلى الإسلام، ليس بالتدريج ولكن بسرعة قياسية من شأنها أن تثير في كل باحث عن الحقيقة جميع غرائز الملقفة.
التعليقات (0)