أذكروا موتاكم بخير.
بالأمس مات المفكر " نصر حامد أبو زيد "، وبرحيله المفاجئ تكون الحركة الفكرية في العالم الإسلامي قد فقدت واحدا من الأعلام المتنورين الذين حاولوا أن ينتصروا لثورة العقل على حساب تقليد النقل. ولعل الكثيرين من القراء يعرفون المحنة التي تعرض لها الرجل عندما اختار أن يواجه الإنغلاق و الماضوية بقراءة عقلانية هادئة وهادفة حاول من خلالها توضيح مكمن الإختلالات في الخطاب الديني. فقد تعرض صاحب " نقد الخطاب الديني " لكل أنواع الحصار و التهميش بسبب كتاباته وأفكاره. وبلغ الحقد الأعمى عند الذين احترفوا نصب محاكم التفتيش الجديدة للفكر أن كفروا الرجل، و حاولوا أن يفرقوا بينه وبين زوجته بقرار قضائي اضطرهما إلى مغادرة مصر و الاستقرار في هولندا منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي.
مات نصر حامد أبو زيد، وانطفأت بذلك شمعة من الشموع القليلة في سماء الفكر المتنور في العالم الإسلامي، لكن يبدو أن ثقافة التكفير تأبى إلا أن ترافق الراحل إلى مثواه الأخير، ولا شك أنها ستظل تلاحقه لمدة طويلة. وعندما يصير التكفير ثقافة اجتماعية فذلك خطر حقيقي لأن الشأن الديني يصبح في متناول كل الناس، ومعه يصبح التكفير هواء للتنفس. لذلك لم أتفاجأ وأنا أتصفح عددا من المواقع الإلكترونية العربية التي تحدثت عن المفكر الراحل مما قرأته في تعليقات الكثير من القراء. و إليكم بعض ردود الأفعال التي قرأتها في عدد من المواقع. وهي على سبيل المثال لا الحصر: الحمد لله الذي أذل بالموت رقاب الجبابرة وحطم به آمال القياصرة. لا آسف عليه وعلى أمثاله. والحمد لله الموت رحمة. لعل موته عبرة لهؤلاء المعاندين و المرتدين والظلمة المجرمين. ا للهم انتقم منه و لا ترحمه. شوكة أزيحت عن طريق المسلمين. تلك كانت عينة من التعليقات التي تحتفل بموت إنسان. و تقرر مآله بكل حقد. وكأن مصائر الناس معلقة بدعوات هؤلاء. و أكاد أجزم أن أكثر من يتكلمون بهذه الطريقة لا يعرفون شيئا عن هذا المفكر و لم يسبق أن قرأوا جملة واحدة من كتاباته وكتابات غيره ممن يتصدون لهم في كل المناسبات، و يصفونهم بأقبح النعوت و يتهمونهم بكل الرذائل. إنها النمطية الجاهزة التي تجد تربة خصبة في واقع اجتماعي يؤسس للرأي الواحد و يفرض الوصاية على اختيارات الناس و قناعاتهم. ويحدث هذا في بيئة من المفروض أن أبناءها تعلموا فيها خصلة: " أذكروا موتاكم بخير ". لكن عندما يفقد العقل حضوره لصالح سطوة النقل فماذا عسانا ننتظر سوى المزيد من تفكير التكفير الذي يلاحق الناس حتى في قبورهم. محمد مغوتي.06/07/2010.
التعليقات (0)