بغض النظر عن آرائنا كعراقيين حول ما حصل مؤخرا في منطقة الفكة من أحتلال ايران للبئرين النفطيين ومن ثم الأنسحاب الى مسافة 50 مترا عنهما . فأن هذه الحادثة أكدت وجود أكثرية بين صفوف جميع العراقيين وعلى أختلاف مشاربهم ومذاهبهم الدينية والسياسية والعرقية تؤمن بأستبعاد الخيار العسكري حاضرا ومستقبلا في فض مثل هكذا نزاعات مع دول الجوار .
قد يكون الكلام عن أستبعاد هذا الخيار طبيعيا جدا أذا ما صدر عن أي عراقي وهو اللذي أنهكته مغامرات حربية لامنتهية ، أقحمه فيها نظام أرعن حكمه بعقلية العشيرة لعقود .
وبعد ويلات أضافيه لحروب سببها أحتلال صهيو-امريكي حول العراق "مع سبق التخطيط " الى جبهة تصفية حسابات بينه وبين أعدائه. وبعد سبعة أعوام من صراعات وفتن حزبية وطائفية وعرقية . فمن الطبيعي أن يصبح الكلام عن الحرب عند العراقي مكروها كراهة الموت .
أمتنع الأحتلال الأمريكي عن تحمل مسؤولياته الأخلاقية بالدفاع عن البلد اللذي يحتله واللذي فكك جيشه عمدا عندما طلبت منه المساعدة في طرد القوات الأيرانية من الفكة مدعيا وعلى لسان الجنرال لينك معاون قائد القوان الأمريكية للمنطقة الجنوبية " بأن قواته لا تستطيع التدخل في قضية أحتلال حقل الفكة لأن الأمر سياسي " ! .
هذا الرفض الأمريكي يطرح اليوم تساؤلا مشروعا حول منطقية أستبعاد فكرة التلويح بالقوة حاضرا ومستقبلا عندما تفشل الدوبلوماسية في استرجاع الحقوق الوطنية .
بالطبع نحن جميعا نعرف أستحالة وسخافة التلويح بالحل العسكري بوجه أي من جيران العراق حاليا وبلا أستثناء ، فقواتنا المسلحة لازالت فتية ولم تصل بعد الى مرحلة النضج اللتي تمكننا من تسميتها بالجيش النظامي . ناهيك عن أن الحروب لاتشن من أجل مشكلة حدودية كمشكلة الفكة .
ألا أن أحداث الفكة بينت أهمية أمتلاك العراق لقوة ردع حقيقية لكل من تسول له نفسه أحتلال ولو جزءً صغيرا من أرضنا العزيزة . فالتمنع االأمريكي أثبت المثل القائل "ما حك جلدك مثل ظفرك" .
أضافة الى أن أنعدام القوة العسكرية المؤثرة يفقد المفاوض السياسي العراقي أوراق ضغط مهمة "بل الأهم" في أي مفاوضات مستقبلية حول النزاعات الحدودية مع دول الجوار . وهذا ما بدا واضحا في حالة الفكة .
لكل ذلك فأن الأمر يتطلب بدوره تغييرا لعقلية اللاحرب السائدة فينا هذه الأيام ، واللتي قد تشجع "الآخرين" على أستباحة حرمتنا وأطالة أمد الأحتلال الامريكي . فحب الوطن والدفاع عنه يجب أن يظل هاجسنا مهما قدمنا من تضحيات .
لذلك فأن أستمرار حالة الضعف العسكري العراقي والكلام عن أن وقت الحروب قد ولى الى غير رجعة أصبح امرا غير مقبول عمليا في عالم لايعترف بالعواطف والقيم والأخلاق في العلاقات بين الدول ، فهذه العلاقات لاتحكمها ألا موازين القوة ، والقوة فقط .
أن بناء جيش قوي وحديث قادر على الدفاع عن العراق عند أي أعتداء على أرضه قبل الأنسحاب الأمريكي النهائي من العراق أصبح أمرا من الأولويات اليوم ، وليس غدا . وألا فأن العراق وآباره الحدودية ستصبح نهبا للجميع .
القول بأننا لن حارب مهما جرى يعني أننا لن نعيش بسلام .
التعليقات (0)