? الأدب الواجب على السالك التحلي به في خاصة نفسه فيقول: ((مقام العبد التقصير)) أي أن السالك يجب أن ينتبه دائماً إلى نواحي القصور في أعماله وأحواله وأفعاله، ليتجنبها أو ليصححها، أما الأعمال الصالحة والفاضلة، فيجب عليه أن ينساها أو يتناساها حتى يسلم من مرض العجب أو الرياء أو الكبر، ومن هنا حدد نظر السالك الصحيح فقال:
((السالك ينظر إلى سيئات نفسه وحسنات الآخرين، ويضع خلف ظهره حسنات نفسه وسيئات الآخرين، وهذا ما أشار إليه رسول الله r للسيدة عائشة عندما سألته فى معنى الحديث الشريف :{ يا رسول الله متى يكون الرجل محسناً؟ فقال r: إذا رأى نفسه مسيئاً، فقالت رضى الله عنها و متى يكون الرجل مسيئاً؟ فقال r: إذا رأى نفسه محسناً }
ولا يستطيع السالك أن يتأدب بهذه الآداب العالية إلا إذا لاحظ بعين فكرته أو بعين بصيرته حقيقته الأولى، وهى أنه مخلوق من تراب أو من طين أو من ماء مهين، ورأى ما زاد على ذلك من صفات وكمالات، إنما هي فيض هبات وأسرار تنزلات من الحق ? عليه، وهذا هو الأصل الأول لمن أراد الوصول إلى الله ?، وفيه يقول ?: ((من رأى نفسه فوق التراب ضل)).
وهو ما عبر عنه سيدي ابن عطاء الله السكندري في حكمه حيث يقول ((ادفن نفسك في أرض الخمول، تشرق عليك أنوار الوصول)). وفي هذا المقام يوجه السالك لنفسه الخطاب الذي أشار إليه الإمام أبو العزائم في قوله:
يا أيها الماء المهين من الذي سواك ومن الذي في ظلمة الأحشاء قد والاك
يا نطفة بقرارها قد صورت من ذا الذي بحنانه أنشاك
يا صورة من حسنه قد جملت من ذا الذي بجماله حلاك
ومن الذي بألست أسمعك الندا ومن الذي بوصاله ناداك
ومن الذي تعصي ويغفر دائماًومن الذي تنسى ولا ينساك
ومن الذي يدنو إليك بفضلهوإذا سألت جنابه أعطاك
ومن الذي عند الشدائد تقصدن ومن الذي إن تسألن لباك
ومن الذي شق العيون فأبصرتومن الذي بظهوره أعلاك
ومن الذي غذاك من نعمائه ومن الكروب جميعها أنجاك
ومن الذي منح الجميل بفضله ومن الذي بتلطف أحياك
ومن المجيب إذا سألت جنابه وإذا طلبت وداده أعطاك
ومن الذي كشف الحجاب تودداً حتى رأت أنواره عيناك
ومن الذي ملأ الفؤاد بحبه وبسره عند الصفا ناداك
ومن الذي أولاك نور جمالهوبذكره وشهوده صافاك
ولا يزال العبد يكرر على مسامع نفسه هذه العبارت حتى تكون طوع أمره ورهن إشارته، فيسير بها إلى الله ? سيراً حثيثاً، وهنا يبين ? الأخلاق والكمالات التي يجب أن يتجمل بها السالك فيقول:
((يجب على السالك في طريقنا أن يكون كالأرض في التواضع وكالشمس في المنفعة وكالبحر في الكرم وكالليل في الستر)).
هذا مع ملاحظة أن السالك في تجمله بهذه الجمالات لابد أن يتخلى عن الفطر المهملات والأخلاق السيئات، والتي يشير إليها ? في قوله:
وإياكم وأخلاق إبليس إنها لقد أبعدته وهو طاووس رامق
دعوا الكبر والحسد القبيحين سادتي دعوا طمعاً فيما يزول وسابقوا
وغضوا عن المكروه أعين عفةوجودوا ببشر فالسماحة رونق
وإياكم وعدوكم خبث طبعكموطمعاً وحب الجاه فهو يفرق
وتجمع هذه الآداب النصيحة التي يوجهها ? لكل سالك في طريقه فيقول:
((أخي تباعد عن أخلاق إبليس وهي الحسد والكبر والطمع وحب الشهرة والسمعة وأذية الخلق والغيبة والنميمة والكذب والزور وإشاعة الفاحشة في إخوانك المؤمنين، واحب لجميع إخوانك ما تحبه لنفسك، ودع الفساد، وتباعد عن أخلاق البهائم من الحرص والبخل والانتقام والحيل والمكر والخداع والتملك والزنا وشرب الخمر والتهاون بحقوق الناس، وتخلق بأخلاق الملائكة لتأدية المأمورات، والتباعد عن المنهيات، واحفظ الرأس وما وعى: من العينين والأذنين واللسان والأنف، والجسم وما حوى: من اليدين والقلب والبطن والفرج والرجلين، واحكم يا أخي إنك من أكابر الأولياء لله تعالى المحفوظين بعين عنايته لأن الله لا يوفق لهذه إلا صفوته من أوليائه وهو الموفق الهادي سبحانه وأدم الشكر على النعمة تعط المزيد))
أما أدب السالك في عباداته المختلفة وفي معاملاته وفي جلوسه ومشيه وكلامه ونومه وغيرها، فهذا يحتاج إلى شرح طويل وقد نفرده بكتاب خاص إذا يسر الله ذلك بمنه وفضله وكرمه .
التعليقات (0)