تعتبر الكتابة على الجدران من الظواهر الشائعة في كل المجتمعات، وهي تعبير عن ثقافة تعلن عن نفسها من خلال استغلال الأسوار كوسيلة للتنفيس عن الكبت الداخلي الذي يعيشه الإنسان. ومن تم فإن اتساع الظاهرة يرتبط بطبيعة القيم الإجتماعية السائدة والضغوط النفسية التي يتعرض لها الأفراد.
عندما يطالع الإنسان في مجتمعاتنا هذه الكتابات التي تنتشر في كل مكان، يدرك خطورة الواقع النفسي الذي يتربص بالأفراد وخصوصا في فئة المراهقين. فالقاسم المشترك بين معلقات مبدعي و كتاب " أدب الأسوار" هو الألفاظ النابية و البذيئة والتي تركز على الإهانات الشخصية الموجهة لأفراد آخرين بالواضح أو بالمرموز. وغالبا ما يكون الكبت الجنسي عنوانا لهذه الكتابات و خصوصا حينما يكون موضوعها هو المرأة أو الفتاة المراهقة على وجه التحديد، والتي تمثل مادة دسمة لمثل هذه السلوكات على أسوار المباني و المؤسسات كشكل من أشكال التحرش الذي يعرض سمعة الفتاة للتشويه و إطلاق الإشاعات. والمثير في الأمر أن أسوار المدارس و المعاهد التربوية، والتي يفترض فيها توجيه وتربية النشئ، لا تسلم بدورها من تلك الممارسات. وهو ما يحول فضاءاتها إلى ما يشبه أسوار أحياء " الهارليم " في نيويورك، حيث الصراع على أشده بين عشرات العصابات من اللصوص و قطاع الطرق الذين يخوضون حروبا كلامية متبادلة على الأسوار، وقد تتحول أحيانا إلى حروب فعلية في الشوارع وخصوصا في المناطق الهامشية.
ثقافة الكتابة على الجدران إذن تعبر عن واقع معيش، وليست مجرد ترف زائد. فالميل إلى التخريب و الإساءة إلى جمالية المحيط من خلال هذا الفعل يمثل نوعا من التمرد على الوضع الإجتماعي وشكلا من أشكال الإنتقام الذي يتحول إلى تنابز بالألقاب و خدش للحياء العام. وقد انتبه بعض المهتمين بالشأن التواصلي بين أفراد المجتمع إلى خطورة هذه الظاهرة، فحاولوا محاربتها بأسلوب حضاري يتخذ من الظاهرة نفسها منطلقا للتوعية والإصلاح. وهكذا ظهرت فكرة " الجداريات " التي تمثل فضاء تواصليا منظما و مفتوحا في وجه الموهوبين في الرسم و النحت و الكتابة من أجل التعبير عن خوالجهم وآرائهم بشكل يتأسس على رؤية تربوية ناضجة، و يقدم رسائل أخلاقية وقيمية تحتفل بالإبداع و تنتصر للقيم الإنسانية السامية. كما أنه يساهم في إضفاء مزيد من الجمالية على الفضاء الخارجي من خلال الزخارف و الألوان التي تضفي على الواجهات رونقا يسر العين ويشرح الروح....
وبما أننا بصدد الحديث عن الكتابة على الجدران، نرجو أن تكون الكتابة على " حائط إيلاف " حاملة لمعاني الجدارية التي تحتضن الإبداع و الكلمة الهادفة حتى يتم تفويت الفرصة على كل من يريد أن يحوله إلى حائط للخربشات الفارغة. محمد مغوتي.25/06/2010.
التعليقات (0)