مواضيع اليوم

أدبيات الإنفصـال (حلقة 11) .. مبدأ تقرير المصير

مصعب المشرّف

2010-11-02 18:14:22

0

أدبيـــات الإنفصــــال .. أوراق مبعثرة

حلقــة (11)

 

مبدأ تقرير المصير .. الفكرة والتبني والتكريس ..أين ومتى؟

 

كان ولا يزال طابور الحركة الشعبية الخامس في الشمال بقيادة ياسر عرمان عاكفون على نحت وتشكيل التماثيل وإقامة الأضرحة لمؤسسها جون قرنق ، ويحاولون جَهْدَ أيمانهم من خلال أدبياتهم وأبواق دعايتهم تقديمه وتكريسه كزعيم وحدوي وبزعم أنه كان لا ينشد الإنفصال.... يحاولون ذلك مستغلين حالة الضبابية والقتامة التي صاحبت تفاصيل تمرده وملابساته وأسبابه الحقيقية وحالة التشرذم داخل الكتلة الشمالية ما بين حكام ساهرون على التمسك بكراسي الحكم بشتى الذرائع ، ومعارضة شغلها الشاغل هو الإطاحة بالنظام الحاكم بأي ثمن.

جون قرنق .. مؤسس الحركة الشعبية لتحرير السودان

بل وقد خرجت إلينا خلال الأسابيع الماضية مقولات تدعي أن هذا المتمرد الإنفصالي الراحل إنما فـقـد حياته جراء تمسكه بخيار الوحدة. وأن الولايات المتحدة وإسرائيل هما اللاتي سعيتا إلى ذلك بتواطؤ مع الإستخبارات اليوغندية وأدى إلى حادثة تحطم طائرة الهليوكوبتر المعروفة.
لكن وبالمقابل هناك بالطبع الكثير من القرائن والأدلة والمستندات والبراهين والتسلسل التاريخي للأحداث وبما يؤكد أن "جون قرنق" لم يكن بهذه الروح الملائكية أو أنه كان نسيج وحده دونا عن غيره من زعماء وقيادات تمرد الجنوبيين المُزمن في مواجهة الشمال وجميع أنظمة وحكومات الشمال من اليمين إلى الوسط حتى اليسار منذ عام 1955م ولا يزال.
ومع إقتراب موعد إستفتاء تقرير المصير تتصاعد الأسئلة وتتنوع الآراء وتختلف وتتراوح ما بين عالم ببواطن الأمور وجاهل ؛ وأهم ما يثار في هذا السياق هو:- من صاحب فكرة وإقتراح "حق تقرير المصير" ؟

غلاف كتاب "جنوب السودان من الحرب إلى السلم"

وحتى لا ننسى أو تخوننا الذاكرة فلعل مراجعة موضوعية سريعة ورصد منهجي لما جاء في كتاب (جنوب السودان من الحرب إلى السلم" – من مشاكوس إلى نيفاشا) .. إصدار 2005م – الذي قام بتأليفه أستاذ الأجيال الصحفي العريق "عبد الله عبيد" صاحب عامود "قلب الشارع". والذي قضى (حتى تاريخه أمد الله في أيامه) قرابة 61 سنة في حقل النضال السياسي والصحافة السودانية وشغل عدة مناصب إدارية من بينها رئيس تحرير صحيفة الرأي العام ... ..... لعل مراجعة سريعة تضع البنان على بيت القصيد وتفضح كل الأكاذيب والمزاعم التي طفق يسوقها ويرددها البعض من ذوي الأجندة والتوجهات الحزبية والعرقية الضيقة التي تضع مصالحها الآنية فوق مصلحة الوطن الممتدة.
ولمن لا يعرف من الجيل الحديث أو من لم يكن متابعا من الجيل العتيق ؛ فإن أستاذنا الفاضل "عبد الله عبيد" بدأ نشاطه السياسي قبل عام 1949م شيوعيا نشطا وكان كادرا قياديا وتنظيميا من كوادر هذا الحزب في مدينة أمدرمان ذاق الويلات والأمرين من بطش وجبروت الإستعمار البريطاني ، ثم التشريد والملاحقات والسجون والمنفي خلال عهد الفريق إبراهيم عبود العسكري الديكتاتوري .. وإنتهى به المطاف عام 1971م في أوائل العهد المايوي وطنيا مخلصا لوجه بلاده بدون أجندة فكرية أو سياسية تحكمه ؛ لكنها لم تعفيه هي الأخرى من غضب وحنق جعفر نميري الشخصي .. وهو ما يعزز من مصداقية مُؤَلّفِه هذا الذي نحن بصدد مراجعته بهدف تقديمه كدليل موثق فيما يتعلق بمراوغات جون قرنق ، وتوجهات الحركة الشعبية ، ومماحكات التجمع الوطني الديمقراطي ، ودهاليز أسمرا ، وملابسات توقيع إتفاقية الخرطوم للسلام وإطار مشاكوس ثم سلام نيفاشا ، والتي أدت جميعها في نهاية المطاف إلى إنفصال الجنوب.

 

أستاذ الأجيال والصحفي المطبوع "عبد الله عبيد" مؤلف كتاب "جنوب السودان من الحرب إلى السلم"

هذا الكتاب يعتبر مرجعا تاريخيا مهما جدا قام فيه أستاذنا عبد الله عبيد بتوثيق كل ما جرى في تلك المباحثات من مشاكوس إلى نيفاشا وكذلك كل ما جرى خلف الستار في القاهرة واسمرا. أو كما جاء في تقديمه لكتابه فقد لخص الأستاذ عبد الله عبيد مادة هذا المرجع التاريخي بأنه عبارة عن مقالات سياسية مختارة نشرها في عاموده الصحفي اليومي "قلب الشارع" بصحيفة "أخبار اليوم" وحيث تعالج هذه المقالات قضية الجنوب في مراحلها النهائية – 2002/2005م – من المبادرة الليبية المصرية المشتركة مرورا بإتفاق مشاكوس حتى إتفاقية سلام نيفاشا.
وكمحصلة نهائية لما جاء في هذا الكتاب . فإننا نكتشف أن أول من حمل على عاتقه طرح فكرة "حق تقرير المصير" لم يكن سوى زعيم الحركة الشعبية الراحل "جون قرنق". .. وأن الذي تبنى هذا المقترح إنما هم أركان وزُمَـر ما كان يعرف بالتجمع الوطني الديمقراطي برئاسة السيد محمد عثمان الميرغني .
والتجمع الوطني الديمقراطي إنما هو تحالف ضم قطبي الأحزاب السياسية السودانية (حزب الأمة و الوطني الديمقراطي) إضافة إلى الحزب الشيوعي والحركة الشعبية لتحرير السودان ، وعديد من الأحزاب السياسية والجهوية الصغيرة. وقد تشكل هذا التحالف عقب إنقلاب عمر البشير الإسلامي الصبغة عام 1989م. .... وحيث لم يكن هذا الإنقلاب سوى محصلة لرفض هؤلاء الإسلاميون لإتفاق جون قرنق والسيد محمد عثمان الميرغني القائم على مقايضة الشريعة الإسلامية بالسلام وفق ما يرصده الكتاب الذي نحن بصدد إستذكاره هنا وفي حلقات قادمة إنشاء الله.
من جهة أخرى يوثق الكتاب المشار إليه أن الولايات المتحدة لم تكن في البداية تؤيد منح الجنوب حق تقرير المصير بل تميل إلى أن يظل الحل السلمي ضمن إطار السودان الموحد ... جاء ذلك وفق تقرير "دانفورث" مبعوث الرئيس الأمريكي بوش (تم رفعه للرئيس بوش في منتصف مايو 2002م) وفق ما رصده هذا الكتاب ، وحيث أوصى دانفورث في تقريره بالآتي:
1) إقتسام البترول بين الحكومة والحركة الشعبية.
2) إستمرار الولايات المتحدة في إعتراضها على تقرير المصير وتتمسك بوحدة السودان مع ضرورة الإحتفاظ للجنوبيين بكل حقوق المواطنة.
3) معالجة قضية العلاقة بين الدين والدولة بضمان الحرية الدينية وهو المفتاح لحل هذه المشكلة الخلافية في السودان.
4) تمثيل كل الفئات ووجود جيش قوي مشارك بل مشاركة جميع التجمعات في صنع القرار كعلاج لمسألة "نظام الحكم" وتقسيم السلطة والثروة.
5) ربط الإتفاقيات بين الفرقاء السودانيين بآليات تنفيذية تضمن لها النفاذ والفعالية في الداخل وأهمها قدسية القانون . بالإضافة إلى الضمانات الخارجية المتمثلة في آليات مجلس الأمن والإتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية.

التوثيق التاريخي لفكرة تقرير المصير:
يوضح كتاب (جنوب السودان من الحرب إلى السلم" – من مشاكوس إلى نيفاشا) .. إصدار 2005م في الصفحة رقم (67) منه ... يوضح الآتي:-
[أن فكرة تقرير المصير ترجع لعام 1993م حينما دعى السيناتور "هاني جونسون" أهم القيادات الجنوبية من سياسيين وعسكريين للإجتماع . وبعد المداولات وقعوا بالإجماع على وثيقة تطالب بتقرير المصير للجنوب . وبعد ذلك وقعت القوى السياسية الشمالية بما فيها النظام الحاكم الآن]. (بقصد نظام الإنقاذ).
ثم يتابع المؤلف فيوثق الأحداث بقوله:
[بعد ذلك جاء مؤتمر التجمع الوطني الديمقراطي بأسمرا عام 1995م والذي أصدر ميثاق القضايا المصيرية ومن أهمها إعطاء الجنوب حق تقرير المصير ليختار الجنوبيون بين الوحدة أو الإنفصال . في ذلك الوقت كان النظام القائم الآن (نظام الإنقاذ) يرفض ذلك المبدأ بحجة أنه دعوة لتقسيم السودان إلى دويلات.
بعد أقل من ثلاث سنوات إقتنع النظام ووقع مع بعض الفصائل التي تحمل السلاح – بإستثناء الحركة الشعبية – إتفاقية السلام ، والتي تنص صراحة على مبدأ تقرير المصير ؛ بل ذهب النظام لأبعد من ذلك وقنن الإتفاقية بدستور السودان في المادة 139 وجعلها من الثوابت التي يستحيل تعديلها إلا بقرار من ثلثي نواب البرلمان يعقبه (إستفتاء شعبي) لا يصبح نافذا إلا بعد توقيع رئيس الجمهورية عليه.
من هنا نعلم أن جميع أحزاب السودان – الحاكمة والمعارضة – المكافحة سلما أو حربا . شمالية وجنوبية .... لم تُجمِع على مبدأ واحد مثلما أجمعت على مبدأ تقرير المصير للجنوب . وهي القضية التي بحلها تُحـَل جميع قضايا السودان.]

(يتبع إنشاء الله)

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات