أدَبيـّات الإنفِصَال .. أوْراق مُبَعْثَرَة
(حلقـة 3)
لماذا يتجاهل جواز السفر الألكتروني فرضية إنفصال الجنوب؟
إنفصال الجنوب لم يعد فرضية كما يوحي العنوان وإنما بات حتما ؛ بل وقد إنفصل وإنتهى أمره نظريا .... ولكننا لانزال نردد كلمة (فرضية) لأسباب (روتينية) تقتضي إنتظار إعلان الإنفصال رسميا بعد إستفتاء تقرير المصير يوم 9 يناير 2011م.
فمن واقع تصريحات المبعوث الأمريكي(الجنرال سكوت غرايشون) بعد توقيع إتفاق السلام الإطاري بين الحكومة المركزية وحركة العدل والمساواة الذي قال خلالها :" أن الحكومة الأمريكية سوف تساعد حكومة جنوب السودان المستقلة بـ (2) بليون دولار سنوياً كانت تذهب لإقليم دارفور ولن تذهب اليه عند إنفصال الجنوب".
وكذلك بعد تصريح سيلفا كير بأن الجامعة العربية سيسمح لها بالعمل ضمن الجنوب في حالة الإنفصال .....
ثم الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم في لقاء مع الجالية السودانية بالقاهرة وقوله : "أن حكومة الخرطوم تريد بترول الجنوب وليس الوحدة مع الجنوب" .. أو بما يعني محاولة التنصل عن دور الحركة الشعبية في إنفصال الجنوب الحتمي ، ومحاولة إلصاق تهمة السعي للفصل بحكومة الشمال.
ثم الأخبار التي رشحت عن القلق المصري الإستراتيجي حول مياه النيل والذي تم مناقشته مع باقان أموم خلال زيارته الأخيرة للقاهرة ، وتطمين هذا لهم إلتزام دولة الجنوب المستقلة بحصة مصر في مياه النيل.
ووفقا لكل ما تم إيراده أعلاه يتضح لنا أن الحكومة المركزية وحدها ، وجوقة الحرس القديم من السياسيبن والمدنيين الشماليين وحدهم الذين لا يزالون يرددون "ييي بلدنا وكلنا إكوان" على قناعة بأن الجنوب لن يطاوعه قلبه على الإنفصال عن الشمال . دون أن يفطنوا إلى حقيقة أن الأغلبية الكاسحة العظمى من الجنوبيين الذين سيتوجهون إلى صناديق تقرير المصير مقيمين حاليا في الجنوب ولاجئين في دول الجوار ومغتربين ومهاجرين في دول الغرب .....
وربما كان أمر هؤلاء الحرس القديم من الساسة الشماليين سهلا وميسورا، وسيصحو جمعهم على الحقيقة بعد إنقضاء يوم 9 يناير 2011م المقبل ؛ وإن غدا لناظره قريب .... ولكن ماذا نقول عن وزارة الداخلية التي تتغاضى مع سبق الإصرار والترصد عن التنسيق ومواكبة الحقائق التي ستنشأ بعد 9 يناير على الأرض ؟
لقد أصدرت وزارة الداخلية تعميما شمل كافة إداراتها في الداخل وسفارات السودان في الخارج فحواه أن شهر نوفمبر القادم من عام 2010م سيكون التاريخ المحدد لإلغاء العمل بجوازات السفر الحالية اليدوية المكتوبة بخط اليد (الخضراء) . وحيث سيتم خلال الفترة المتبقية وحتى شهر نوفمبر القادم 2010م الفراغ من عملية إستبدالها بجوازات السفر الألكترونية الجديدة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : ما هو موقف وزارة الداخلية من حملة الجوازات الألكترونية من الجنوبيين (حاليا) و .... مواطني "جنوب السودان المستقل" بعد تاريخ 9 يناير 2011م وفق مسمى المبعوث الأمريكي غرايشون مؤخرا؟
إن من حق الجنوبي الآن سواء أكان في داخل أو خارج السودان الحصول على جواز سفر سوداني ألكتروني ، ستستمر صلاحيته لمدة خمس سنوات قادمة .. وبما معناه على أقل تقدير حتى أكتوبر 2015م ....
بل ومن حق الجنوبي وفق هذا القرار أن يحصل على جواز سفر ألكتروني سوداني يوم 8 يناير 2011م وينقلب إلى أهله مسرورا ؛ ثم يذهب إلى صناديق إستفتاء تقرير المصير صباح اليوم التالي ليصوت لمصلحة إنفصال الجنوب.
فماذا ستفعل وزارة الداخلية طوال الفترة القادمة ؟؟ هل تكلف نفسها إجراء حملات قبض وتفتيش لإستعادة هذه الوثائق كرهاً من الجنوبيين في الداخل ... وتستجدي حملة هذه الجوازات السودانية الألكترونية من الجنوبيين في الخارج كي يتكرموا ويتبرعوا بإعادتها طوعاً خلال فترة سريان صلاحيتها أم ماذا؟ ..
أم ستنتظر الداخلية حتى عودة حاملها الجنوبي المغترب وإنتزاع جواز السفر منه في المطار، وتبليغه بضرورة مراجعة سفارة بلاده في الخرطوم للحصول على جواز سفر خاص ببلده أو تقوم بترحيله مخفورا إلى ملكال ؟ .. وعلى حساب من سيتم الخفر والترحيل ؟ وهل سيظل دافع الضرائب يسدد وخزائن الشمال تنزف ويجري تفريغها أولاً بأول منذ عام 1955م لمصلحة تمرد الجنوب وحرب الجنوب ونيفاشا الجنوب وفصل الجنوب ، ولأجل خاطر الجنوب ومشاكل الجنوب وعيون أهل الجنوب قبل الإنفصال وبعد الإنفصال وإلى يوم الدين أم ماذا ؟.... وإلى متى سينتهي هذا الصداع النصفي؟
ربما ووفق هذا الحال من إنعدام التنسيق والرؤيا الواضحة لدى كافة أجهزة الدولة الرسمية تجاه فرضية إنفصال الجنوب المرتقب أن يَصْدُقَ العامل الجنوبي البسيط "جيمس" ، الذي يعيش ويعمل في الخرطوم ، حين قال بقناعة راسخة يحسد عليها وهو يتحسس جيبه المتخم وعينه على مسكنه العشوائي وأكشاك الفول وزيت السمسم والحدائق الغناء وسينما قاعة الصداقة: "أنه سيصوت لصالح إنفصال الجنوب ضمن إطار السودان الموحد".
... فهل نحن في الطريق لتطبيق مثل هكذا فكرة ومضمون وقناعة في علاقة الشمال بالجنوب بعد الإنفصال وإلى هذا الحد من السّبَهْلَلِيّة أم ماذا ؟
ما هو المقترح إذن؟
نؤكد إبتداء أن تطبيق نظام جواز السفر الألكتروني فكرة جيدة وحل أفضل للحد من تنامي ظاهرة تزويره .... ولكن المشكلة تكمن في أن "توقيت" إصداره غير مناسب ويفتقر للتنسيق مع إحتمالات واردة بقوة وفي مواجهة فرضية (إن لم تكن حتمية) إنفصال جنوب السودان بعد 10 أشهر قادمة لا غير.
ومن ثم فإن الحصافة تقتضي أن يتم حاليا إيقاف إصدار جوازات سفر ألكترونية "مؤقتا" لأبناء جنوب السودان على أن يستمر إصدار جوازات السفر اليدوية لهم ؛ وإلى حين أن تخرج نتائج إستفتاء تقرير المصير إلى العلن والنور رسميا.
أو في حالة أن البنود الخاصة بحقوق المواطن التي تضمنها الدستور لا تسمح بمثل هذا الإيقاف المؤقت لإصدار الجوازات الألكترونية لفئة معينة من المواطنين ؛ فيجب في هذه الحالة أن يتم الإيقاف المؤقت في مواجهة كافة مواطني السودان حالياً. على أن يستمر إصدار جوازات السفر اليدوية حتى تاريخ 12/6/2011م .... أي في تاريخ لاحق لتاريخ موعد تقرير المصير وليس قبله ,,,, وهي فترة كافية مدتها (6) شهور بعد الإعلان الرسمي لإنفصال الجنوب تلغى بعد إنتهائها صلاحية العمل بجوازات السفر اليدوية الخضراء الحالية الصادرة .......
وأما جوازات السفر الألكترونية . فإنه وبعد ظهور وإعلان نتائج إستفتاء تقرير المصير يكون من حق الداخلية أن تقصر إصدارها ومنحها لمواطني السودان فقط دون غيرهم من "مواطني دولة الجنوب المستقل" بطبيعة الحال......اللهم إلا إذا كان أخينا "جيمس"على حق فيما يقول بأن الجنوب سينفصل في إطار السودان الموحد....... وعلم الله واسع كما يقولون.
ومن ناحية أخرى فإنه وبتحديد تاريخ 12/6/2011م إنتهاء صلاحية جوازات السفر اليدوية التي يجري إصدارها حاليا . وتنوير كافة سفارات الدول الأجنبية وغيرها من الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة بهذا القرار ....... فإنه وبالنسبة للجوازات اليدوية القديمة التي ستظل سارية المفعول حسب الأختام الممهورة داخل صفحاتها ؛ سيسهل على وزارة الداخلية حرق هذه الجوازات "في أيدي" حامليها من الجنوبيين المقيمين خارج السودان بعد إنفصالهم ، وحيث يمكنهم التوجه بعدها إلى جوبا أو سفاراتهم سواء في الخرطوم أو الدول الأخرى للحصول على جوازات سفر وأوراق ومستندات ثبوتية بما يفيد تبعيتهم لدولتهم الجديدة المستقلة.
..................
خاتمـة:
وفي ختام هذه الحلقة لايفوتنا أن نُـذكّـر بإن أوراق المواطنة الثبوتية يجب التعامل معها وفق إستراتيجية غاية في الجدية والصرامة ، كونها تمثل ثغرة أمنية ولو كانت بمقياس تلك التي في كعب أخيل ، ناهيك عن حجم وإتساع ثغرات أنظمة رقابة في دولة متخلفة إداريا وتنظيميا مثل السودان.
ثم أن إستمرار تمتع الجنوبي بحمل أوراق الشمال الثبوتية في الداخل والخارج بعد الإنفصال سيعيق ويحد كثيرا من صرامة سيف قانون "السّوْدَنـَة" في مواجهة الجنوبيين ممن يعملون في أجهزة الدولة ومصالح ودوائر الحكومة والمؤسسات العامة والشركات الخاصة. والحق المشروع في إحلال العمالة السودانية الشمالية بدلا عنهم .... وكذلك الحال بالنسبة لمقاعد الدراسة الجامعية وتوظيف المستجدين والعلاج على حساب الدولة ، وممارسة الحقوق العامة من حرية التنقل والإقامة وترشح وإنتخاب وإنشاء أحزاب وممارسة أنشطة سياسية .أو تنظيم التظاهرات والإحتجاجات وغيرها مما لا يعد أو يحصى يكفلها الدستور وقانون العمل حقوقاً للمواطن وحده...... وحيث لا يعقل أن نشتهي أو نسمح بنمو وتكاثر سرطاني جديد في النسيج الاجتماعي وبطابور خامس للحركة الشعبية في دولة الشمال بعد الإنفصال.
(يتبع حلقات أخرى إنشاء الله)
التعليقات (0)