أدبيات الإنفصال ...... أوراق مبعثرة
حلقة (4)
إنسحاب الحركة الشعبية من إنتخابات بعض الشمال
.... قرار يصب في خانة تحصيل الحاصل
ما كان يجب أن يستغرب أحد لقرار الحركة الشعبية لتحرير (حنوب) السودان الإنسحاب من المشاركة في الانتخابات بمعظم ولايات الشمال والإكتفاء منها بالنيل الأزرق وجنوب كردفان وأبيي ، التي شهدت فيما مضى حضورا لها خلال فترة التمرد قبل توقيع نيفاشا ......
بل وحتى في إعلان الحركة الشعبية المشاركة في النيل الأزرق وجنوب كردفان إنما يجيء رفعا للعتب أمام حلفاء الأمس ، وحتى لا يقال أنها تخلت عنهم .....
كما ويأتي كذلك تَحِلّةً لِقَسَمْ الرئيس البشير الذي هدد بأن عدم موافقة الحركة الشعبية على المشاركة في الإنتخابات يعني خرقا لإتفاقية نيفاشا وسيؤدي إلى عدم موافقة المؤتمر الوطني على إستفتاء تقرير المصير.
ثم أن الحركة الشعبية وبعد إعلان إنفصال الجنوب رسميا في يناير المقبل لن يظل لها وجود قانوني في الشمال وإنما ستتحول إلى حركة سياسية أجنبية محظورة.
والعقل والمنطق يفيدان أنه لا توجد للحركة الشعبية شعبية أو حضورا مؤثرا وسط الناخبين في الولايات الشمالية التي إنسحبت من المشاركة الإنتخابية فيها . اللهم إلا من خلال بعض الشراذم من براطيشها الذين لا يتعدى عددهم العشرات ولأسباب خاصة بهؤلاء تدور معظمها في الآتي:
1) ظن بعض هؤلاء البلهاء من البراطيش الشماليين أن الجنوب لن ينفصل عن الشمال.....
2) ظن البعض أن إنضوائهم تحت لواء الحركة الشعبية وضمن كشوفات عضويتها يمنحهم الحماية وحرية التعبير في معارضتهم المنهجية لنظام حكم الإنقاذ القائم.
3) تورط بعضهم في قضايا جنائية تتعلق بالقتل العمد أو قطع الطرق والإعتداءات المسلحة والسرقة بالإكراه ؛ وقد وجدوا في ظل الحركة الحماية من الملاحقة ، كما وفرت لهم المأكل والملبس والمأوى والراتب الشهري الجاري المجزي وتلبية بعض من طموحاتهم السياسية في أن يكونوا محط الأنظار وتحت أضواء الشهرة حتى لو جاء ذلك على صفة نواب بلا سلطات تنفيذية أومجرد زبانية تعذيب وقتلة مأجورين لتنفيذ قرارات بتصفية وإغتيال الخصوم والمنافسين.
4) بعض شذاذ الشماليين من الزناة والقوادين والسكارى ومدمني البنقو الذين يعانون من تطبيق نظام الحكم للشريعة الإسلامية بوصف هذه الشريعة قيدا وتحرمهم وتضيق الخناق عليهم بالتشهير والجلد على الملأ ، وتظل سيفا مسلطا على حرية ممارسة ما يعتقدون أنه حق شخصي من حقوقهم أو مصدر رزقهم. وينادون لأجل ذلك وتلبية لمصلحتهم الخاصة بالعلمانية التي لا يجدون من يؤازرهم في إستعادتها وتطبيقها سوى الحركة الشعبية الغريبة على عادات وتقاليد وديانة وسنن الشمال والغالبية العظمى الكاسحة من أهله.
............................
إن الحركة الشعبية وبغض النظر عن المعلن في إدبياتها ومطبوعاتها إلا أنها في النهاية تظل حركة تمرد سياسي مسلحة وجدت طريقها للسلطة من خلال الجلوس إلى نظام حكم الإنقاذ القابض حاليا على زمام السلطة والتوقيع معه على إتفاقيات ملزمة للطرفين . ومن منطلق إعلان الشراكة ...... والشراكة تعني ضمن ما تعني نشوء مسئولية تضامنية ...... ومن المستغرب أن الحركة الشعبية برغم ما تفعل من (حركات) ومناورات أو تلجأ إليه من مكايدات بين الحين والآخر؛ إلا أنها وحتى تاريخه لم تعلن عن فض هذه الشراكة بشكل رسمي وإنما تكتفي بممارسة دور من ترغب في النكاح وتخشى الحبل ....
وبالتالي تبقى هنا ظلال من الشك حول مدى شفافية الحركة الشعبية في إطار العلاقة مع حلفاء الأمس في النيل الأزرق وجبال النوبة أو مع أحزاب المعارضة الشمالية من جهة ، وعلاقتها السرية وتفاهماتها تحت الطاولة مع حزب المؤتمر الوطني كشريكة له في الحكم من جهة أخرى ....... وهو ما يستوجب على الكوادر الوسطى وجماهير هذه التكتلات الجهوية وأحزاب المعارضة الشمالية الحيطة والحذر إذا أخذنا في الإعتبار أن لكبار القادة الحزبيين وفي التكتلات الجهوية مصالحهم الخاصة عند إبرام الصفقات السياسية التي لا يشترط أن تتفق بالضرورة مع مصالح القاعدة.
...................................
إن المراقب لقرارات الحركة الشعبية خلال الفترة الأخيرة يلاحظ الآتي:
1) التخبط وعدم التنسيق في مسألة إتخاذ القرارات المتعلقة بالمشاركة في الانتخابات من عدمه.
جميعنا يعلم أن قرار ترشيح ياسر عرمان لسباق الرئاسة قد إتخذه الأمين العام للحركة الشعبية "باقان أموم" دون الرجوع إلى جوبا . والتي أخذت وقتا طويلا قبل إعلان دعمها لياسر عرمان .
"باقان أموم" أمين عام الحركة الشعبية (جنوب السودان)
ثم أنها وعلى ضوء إنغماسها في المشاركة الفاعلة طوال الفترة الماضية مع المؤتمر الوطني في حكم البلاد ، نستغرب أنها إكتشفت فجأة وبعد حملة تطبيل وتهليل لمرشحها الشمالي ياسر عرمان للرئاسة وجود خروقات في جانب النزاهة وفق ما جاء على لسان ياسر عرمان وهو يعلن إنسحابه المخزي ، في نفس الوقت الذي أكدت فيه على لسانه إستمرارها في مدرج سباق الإنتخابات التشريعية؛ دون أن تنتبه إلى ما وقعت فيه من تناقض مفضوح هنا .....
والطريف أنه وحين إنتقدها الجميع من واقع أن عدم النزاهة لا تتجزأ بين الرئاسية والتشريعية وما يعني ذلك من تناقض ؛ إذا بها تلملم أذيال خجلها فتعلن مرة ثالثة إنسحابها من الترشح في بعض الولايات الشمالية والإكتفاء بالولايات الجنوبية وثلاث ولايات أخرى في الشمال كانت لها تحالفات فيما مضى مع قوى معارضة بها حين كان يجمع بينها وبينهم التمرد على الحكومة.......
وبالطبع لم تشأ الحركة الشعبية الإعتراف هنا بحقيقة أنه لا يوجد لديها أنصار في الشمال بل إدعت أن سبب إنسحابها هو عدم النزاهة ..... ولكن السؤال المنطقي الذي لا يزال يلاحقها هو :- هل النزاهة متوفرة في النيل الأزرق وجنوب كردفان دونا عن غيرها من مناطق وولايات الشمال؟
2) عدم إيلائها الإهتمام اللائق بلحلفائها السابقين حين الوصال مع الحكومة.
بعد إبرام إتفاقية نيفاشا وخلال فترة شهر العسل مع المؤتمر الوطني. وحتى قبيل الإعلان عن بدء فعاليات خوض الانتخابات ، لاحظنا فتور العلاقة بين الحركة الشعبية وحلفاء الأمس في النيل الأزرق وجنوب كردفان .... ورويدا رويدا تخلت عنهم الحركة وعن المطالبة بحقوقهم في قسمة الثروة على وجه خاص ، وذلك من منطلق أن الحركة قد حصلت على مبتغاها الأساسي المتعلق ببسط هيمنتها على الجنوب وإقتسام مداخيل النفط مع الحكومة المركزية في الخرطوم ...... وأما حلفاء الأمس في النيل الأزرق وجنوب كردفان ومواطنيهم فليذهبوا إلى الجحيم عند بريق الذهب وإقتسام الثروات ...... ولا يكون هنا إهتمام بهؤلاء وود معهم إلا في حالة نشوب مشاكل وبوادر توتر مع حكومة الخرطوم .... حينها فقط تعود الحركة الشعبية للتواصل معهم والإهتمام التكتيكي بهم على نسق اليهودي حين يفلس فيعود ليبحث في دفاتره القديمة.
وأما أبيي وخلافا لحالة جنوب كردفان والنيل الأزرق فإن عض الحركة عليها بالنواجذ إنما يعزى فقط لبريق المنطقة في مجال ثروة النفط ليس إلا.
3) إستخفافها بأحزاب المعارضة الشمالية.
إستغلت الحركة الشعبية أوضاع الأحزاب الشمالية التعبوية والمالية الهزيلة ، فعمدت إلى الإستخفاف والتلاعب بها وفق ما ترى أنه يحقق مصالحها من الألف إلى الياء . وعلى نحو يدعو إلى الأسف والأسى عندما نرى أبناء وأحفاد بيوتات شمالية وزعماء أحزاب ذات كاريزما روحية أو تاريخ وطني عريق ضارب في وجدان الشمال بزحفون على لحم البطون ويجثون على الركب العارية في جوبا لأجل تقبيل أيادي سيلفاكير وباقان أموم وغيرهم من أركان "حكومة الدينكا" هناك ، بل ومن لم يكن يحلم حتى بالحصول على شرف غسل المراحيض وملء أباريق الوضوء وبسط سجادة الصلاة لآبائهم وأجدادهم في الشمال.
سيلفاكير ديت .. رئيس الحركة الشعبية
وربما لو كان هناك من عتب يوجه إلى نظام الإنقاذ الحاكم في هذا الشأن فلا أقل من التأسي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إرحموا عزيز قوم ذل) ..... وحيث لم يكن هناك من داع لإيصال مثل هؤلاء من زعماء وأحزاب المعارضة والطائفية في الشمال إلى ما وصلوا إليه من ذل وهوان ومآل في موائد اللئام.
محمد عثمان الميرغني (يمين) و الصادق المهدي (يسار)
ووفقا لما جرى وتشكف وأستشف من حقائق أعلاه فلا مناص من إيجاد نوع من المعادلة السياسية ولو بحجم "شعرة معاوية" تحول دون تلاشي هذه الأحزاب التقليدية الشمالية وطوائفها من واقع أنها تساهم بشكل أو بآخر في ترابط النسيج الإجتماعي ، وتبقى مرجعية تاريخية وروحية لترسيخ الإنتماء ولبناء سودان جديد متكاتف الأجزاء واضح القسمات بعد إنفصال الجنوب المأمول...... ولنا في العواقب الوخيمة التي أعقبت إزالة الإدارة الأهلية العظة والإعتبار.
4) توجسها وعدم ثقتها في بعض أبناء الجنوب المقيمين في الشمال.
أكثر ما يعزز الرأي بتوجس الحركة الشعبية وعدم ثقتها في بعض أبناء قبائل الجنوب الأخرى خلا الدينكا والشلك والنوير المقيمين في الشمال ، أنها لم تجرؤ على ترشيح أي من كوادرها في ولاية الخرطوم. على الرغم مما كانت تدعيه وتزعم من وجود مؤيدين وأنصار لها بهذه الولاية .... ولا نزال نذكر "حوامة" المخدوع ياسر عرمان وسط بائعات الشاي و"الكسرة والملاح" والنازحين الجنوبيين وأبناء النوبة جنوب الخرطوم وفي الحاج يوسف وحتى الموردة لأجل إستجداء العواطف وجمع ما يستطيع جمعه من أصوات خلال حملته الإنتخابية التي كان يحلم على طريقة زلوط بأن توصله إلى كرسي الرئاسة المطل على ضفاف وجروف النيل الأزرق........ وياااا بلاش ...... وهل هان السودان إلى هذه الدرجة حتى يحلم بأن يحكمه المتشرد ياسر عرمان؟؟؟.
ياسر عرمان .. يلبس الجلباب العربي في الشمال ويتعرى في الجنوب
ومن الجائز الأخطر الذي يستشف من قرار الحركة الشعبية عدم المشاركة في الانتخابات بولايات الشمال لاسيما ولاية الخرطوم التي كانت تدعي أن لها قواعد وشعبية بها .... من الجائز أنه إعلان مبكر عن قرار خفي بالتخلي عن مسئوليتها (عقب الإنفصال) تجاه هؤلاء النازحين الجنوبيين وضرورة نقلهم إلى مواطنهم الأصلية في دولة الجنوب .... وهو ما يعد خرقا صارخا لبعض بنود إتفاقية نيفاشا وكذلك مسئوليتها القانونية والأدبية عن جزء من مواطنيها في بلاد الغير ..... وأما إذا كانت تظن أو يوسوس لها إبليس أن تترك هؤلاء في الشمال كي يصبحوا بمثابة مخلب قط لها ، وباب مساومة وإبتزاز وإختزال أياً كان في المستقبل فهي هنا وفي هذا المجال واهمة وتجهل أن قناعات الظاعن ليست كقناعات المقيم . وان دُجَــىَ الغابة ليس كـضُـحَـى الصحراء.
التعليقات (0)