أدبيات الإنفصال .. أوراق مبعثرة
حلقة (6)
مصير الحركي الشمالي بعد الإنفصال
على الرغم من أن التراث الإنساني وعصارة الخبرات الشعبية تعج بأمثال فلسفية عميقة المعنى متشابهة لدى كافة الشعوب من قبيل:" "العرجاء لمراحها" ... و "من فات قديمه تاه" .... "البسيب داره يقل مقداره" . وكما قال الشاعر:
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة ٌ..... وأهلي وإن ضـنـّوا عليّ كِرامُ
فإن البعض من ابناء الشمال للأسف الشديد بهرتهم في البداية أضواء الحركة الشعبية لتحرير السودان وشعاراتها الوهمية الكاذبة البراقة . فإنخرطوا في عضويتها زرافات ووحدانا ؛ ودون أن يفطنوا إلى أنهم بذلك يبيعون الدائم لشراء الزائل ويستبدلون الغالي بالرخيص والإحترام والحيثية والكينونة بالمذلة والهوان والتيه ..
ومن بين هؤلاء من إندفع إليها لأسباب عاطفية سطحية مغرما بالجديد ولأجل حب الإستطلاع وإشباع الغرور لا غير. ثم سرعان ما إكتشف زيف بريقها فخرج في الوقت المناسب من عضويتها غير آسف عليها ....
تظاهرة لبعض الحركيين الشماليين المؤيدين لمرشح الحركة الشعبية "ياسر عرمان" خلال إنتخابات رئاسة الجمهورية الأخيرة . وفي المقدمة حركي يهتف ويجز على أسنانه وقد إنتفخ جسده ووجهه في حالة غضب إنفعالي غير طبيعي
ومنهم من تمادى وإستكبر وأخذته العزة بالإثم فظل يغرق شبرا بعد شبر ويورط نفسه منساقا تحت تاثير عنف التيار بالمشاركة في عدائيات هذه الحركة تجاه الشمال .. الشمال الذي يمثل هذا الحركي الشمالي جزءا لا يتجزأ منه وحيث لا يمكن أن يتصور شمالي أن الحركة الشعبية ستكون له خير من أهله في الشمال أو أحن عليه منهم أو إحتراما له أكثر منهم ..... ولكنه إذا حدث وتصور البعض من أهل الشمال ذلك فلا جدال ولا عيب أن ننعتهم بالحمقى وأنصاف المجانين .... وكفى بالحماقة نعتا.
هناك البعض من الحركيين الذين يعدون على اصابع اليد الواحدة تورطوا حتى أذنيهم مع الحركة الشعبية قبل إتفاقية نيفاشا لأسباب شخصية مختلفة . وبات لا فكاك لهم ولا مفر من المضي معها وفي معيتها حتى آخر الشوط .. ولكن هؤلاء إستفادوا بشكل أو بآخر من فتات موائد ومناصب الحركة . وبعضهم حاصل على جوازات سفر بريطانية وأمريكية و "غرين كارد" . أو من السهل عليهم الحصول على حق اللجوء السياسي في الخارج بعد الإنفصال بسبب علاقاتهم وإتصالاتهم على أعلى المستويات في تلك الدول الغربية التي أفلحوا في تكوينها خلال فترة التمرد في معية جون قرنق أو بعد نيفاشا ومنهم على سبيل المثال ياسر عرمان.
لكن وبعيدا عن ياسر عرمان وأمثاله ممن يعدون على اصابع اليد الواحدة وباتوا الآن يحزمون حقائبهم إستعدادا للرحيل في أية لحظة بشتى المزاعم . فإنه يبقى آخرون ربما وصل تعدادهم إلى الآلاف من الشماليين الذين إنضووا بعد نيفاشا كأعضاء في الحركة الشعبية ممن ليست لديهم إتصالات خارجية وقنوات تضمن لهم الحصول على حق اللجوء السياسي . كما وليست لديهم أرصدة مالية محترمة في بنوك لندن وسويسرا توفر لهم مستقبلا آمنا وإلى حين أن تتضح الصورة في الجنوب بعد الإنفصال.
بعد أن كان يكتفى بسوط العنج لمعاقبة الحركي الشمالي جلداً تحت شتى الذرائع . فهل يتحول التعامل بعد الإنفصال في مواجهة هؤلاء ليصبح وفق قاعدة:
السيفُ أصدق أنباءاً من العَنَجِ ..... في حَدّهِ الحَدّ بين الجدّ والخَمَجِ؟
الآن وبعد أن بدأ قطار الحركة الشعبية في مغادرة محطات الشمال رويدا رويدا نحو الجنوب بلا رجعة إنشاء الله . فإن خيارات الأغلبية من الحركيين الشماليين ستبقى محدودة للغاية في ضوء المعطيات المشار إليها أعلاه . بالإضافة إلى أنهم باتوا "حتما" معروفون بالإسم والشكل والهيئة واللون وحتى الطعم والرائحة لدى الأجهزة الأمنية في الشمال ولدى أحزاب الشمال .....
ومن ثم فإنه وبعد أن إنكشف الغطاء عن هؤلاء فإن المتوقع منهم بعد الإنفصال الآتي:
1- البقاء في داخل الشمال مع الإنزواء عن الأنظار والتوقف عن ممارسة النشاط السياسي . ولكن هذا الخيار لن يعفيهم من مراقبة وملاحقة أجهزة أمن الدولة بوصفهم طابور خامس للحركة الشعبية في الشمال وليسوا محل ثقة سواء في مواجهة الحكومة الحالية والحكومات المتعاقبة أو تجاه الأمن القومي للوطن باسره.
2- الخروج من السودان إلى دول قريبة مثل مصر وارتريا وأثيوبيا يمكن الدخول إليها دون عناء والإقامة بها حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا...... وهو ما يعني تحولهم إلى جوعى ومشردين وتائهين وهدفا لبنادق صيد البشر على الحدود مع إسرائيل . أو كمن يستجير من الرمضاء بالنار.
3- محاولة تبرئة النفس من الحركة الشعبية لتحرير السودان ..... وهو ما يعتقد أنه أمر عسير للغاية لن يقتنع به الأهالي أو الحكومة ..... ؛ خاصة إذا نشبت عدائيات بين الشمال والجنوب بعد الإنفصال ، وحاولت الحركة الشعبية (أو لم تحاول) تحريك أنصارها من الشماليين للنزول إلى الشارع والتسبب في فوضى تشغل حكومة الخرطوم ولو إلى حين.
4- محاولة الإنخراط في عضوية أحزاب المعارضة الشمالية ولو من باب أن يضمنوا لأنفسهم الحماية والغطاء ...... وهي محاولة لن تبوء إلا بالفشل لسبب أن أحزاب المعارضة التي تستطيع توفير بعض الحماية والغطاء لمنسوبيها إنما هي أحزاب طائفية مغلقة العضوية أو تكاد . وبالتالي فهم يعرفون بعضهم مثلما يعرفون أبناءهم . ولن يسمحوا للحركيين بالإنضواء تحت راياتهم بهذه البساطة والسهولة . ثم أنه لا يستقيم أن تدخل هذه الأحزاب في عضويتها وزمرتها من يدين بالولاء في الباطن للحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب المستقل.
5- التسلل إلى جنوب السودان الحالي للإقامة به ..... وهذا ما أعتقد أنه أنسب الحلول في الوقت الراهن على الرغم من التصريح الذي أدلى به القيادي الجنوبي البارز "لام أكول" مؤخرا وقال فيه "أنه لم يعد هناك مبرر أخلاقي لدى أبناء الشمال للإستمرار في عضوية الحركة الشعبية" .....
................
على أية حال فإن الضرورة تقتضي التنبيه على كافة الحركيين الشماليين أنه وبعد إنفصال الجنوب وخاصة في حالة نشوب عدائيات . فإن التواصل والتعاون والإتصال التنظيمي بأي شكل من الأشكال أو التواطؤ بحسن نية أو سوء نية مع الحركة الشعبية أو تمرير معلومات لها أو تنفيذ تعليمات صادرة منها ، سيعتبر "تخابر مع دولة أجنبية" . وهو ما يضع فاعله مباشرة تحت طائلة الأحكام المتعلقة بمواجهة وعقاب مرتكبي جرائم "الخيانة العظمى" والتي ليس لها سوى عقاب واحد على وجه هذه الكرة الأرضية منذ فجر التاريخ . وهو الإعدام رميا بالرصاص بالنسبة للعسكري والإعدام شنقا حتى الموت بالنسبة للمدني. ,,,,, وقد أعذر من أنذر.
التعليقات (0)