أدبيات الإنفصال .. أوراق مبعثرة
حلقة (9)
أحلام الجنوبي في فردوس الشمال عقب الإنفصال
في تصريح له إلى "أفريقيا اليوم" أكد مواطن الدولة الجنوبية المرتقبة د. لام أكول زعيم الحركة الشعبية للتغيير الديمقراطي ووزير الخارجية السوداني الأسبق والمقيم حاليا في الخرطوم . أكد أن فقدان الجنوبيون حق المواطنة في الشمال بشكل تلقائي في حالة إختيارهم الإنفصال عن الشمال هو أمر طبيعي وقانوني.
ولكنه من جهة أخرى نراه ينقلب على عقبيه كعادة زعماء الجنوب فيدعي أن من حق أي أجنبي على أرض أي دولة أن ينعم بالخدمات الموجودة بها.
د. لام أكول .... سياسي جنوبي بارز
ومن جانبنا نفهم ما يشير إليه مواطن دولة الجنوب القادمة د.لام أكول ... وهو حلم الجنوبيين بأن يظلوا جاثمين على صدر وأنفاس الشمال ويتمتعوا خلال ذلك بكافة الخدمات الحكومية المجانية على حساب دافع الضرائب الشمالي .....
ومن جانب آخر نرى أن ما يأمل به الجنوبي الأجنبي إبتداء من غروب شمس يوم 9 يناير 2011م .. ما يأمل به في أن يمارس الذكاء على أهل الشمال في عقر دارهم ووسط مجالهم الحيوي، يبتلع في جوفه خيراتهم وينعم بأكل بلح الشام وعنب اليمن في آن واحد ، إنما هو محض حلم طائش من أحلام زلوط البائس وعشم إبليس في جنة الفردوس الأعلى.
ونرغب هنا وفي هذا السياق تذكير لام أكول بأنه ليس هناك قانون أرضي أو سماوي يفرض على الشمال أن يقدم خدمات صحية وتعليمية وإسكانية وتوظيف مجانية وإيواء لغير مواطنيه ؛ وأن يهدر أمواله وموارده وعرق جبينه وقوت عياله لأجل أجانب لا ينتمون إليه فحسب ؛ بل ويمارسون تجاهه الأحقاد والعدائيات والكراهية منذ 55 سنة ، ثم وفي نهاية المطاف يختارون عن قصد وبمحض إرادتهم الإنفصال عنه لإنشاء دولتهم الخاصة بهم.
ألم يسمع لام أكول بالمثل القائل: "جحــا أولى بلحــم ثـــوره"؟
وأن "الزيت الذي لا يكفي لإنارة البيت يغــلى على الجامع"؟
وأنه إذا كانت هناك مقاعد في صفوف الدراسة في الشمال فإن الأولى بها المواطنين أبناء الشمال.
وأنه إذا كان هناك سرير في عنبر مستشفى . أو حبة بانادول في مخازن وصيدليات المستشفيات الحكومية بأرض الشمال ، فإن الأولى بها المواطنين أبناء الشمال.
وأنه إذا كانت هناك وظائف شاغرة في كافة المجالات والقطاعات بالشمال فإن الأولى بملئها والتمتع برواتبها ومزاياها المواطنين من أبناء الشمال .
حتى الماء والهواء وغناء الكروان والعنادل والبلابل في أرض الشمال هي من حق المواطن الشمالي قبل غيره من أجانب الجنوب.
إذا كان لام أكول يرغب في إيهامنا بوجود قوانين تفرض على الدول والشعوب المضيفة أن ترعى الأجانب في أراضيها على نحو من الكرم الحاتمي ؛ وأن يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة . فإن على لام أكول أن يدرك ويتيقن بأن ما ذهب إليه من فرضيات وأوهام ليست من الواقع في شيء.
دول متقدمة مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة لا توفر خدمات مجانية في مجال الصحة والتعليم أو إلتزام بالتوظيف للأجانب.
بل ولا توفر معظم الخدمات الصحية لمواطنيها اللهم إلا في حدود ضيقة جدا أو تحت مظلة ما يعرف بالتأمين الصحي أو الإجتماعي .. إلى غير ذلك من أنظمة رعاية معقدة مدفوعة الثمن مقدما . ولو كان ذلك على هيئة إستقطاع رمزي شهري.
في الدول الغنية بالنفط مثل السعودية ودولة الإمارات المتحدة على سبيل المثال لا تقدم الحكومة خدمات الصحة والتعليم المجانية سوى لمواطنيها ولا تضمن التوظيف سوى لمواطنيها ....
عليه فهل يريد منا الجنوبي ونحن الفقراء مقارنة بغيرنا في الدول الكبرى أو النفطية العربية على سبيل المثال .. هل يريد منا أن نقاسمة لقمة العيش وحصيلة ضرائبنا وزكواتنا وصدقاتنا على قدر قلتها ومحدوديتها؟ أو أن نتيح له فرص وآفاق العمل والتوظيف في الوقت الذي يزحف العطالى من شباب الشمال في شوارع العاصمة المثلثة بحثا عن وظيفة؟
الخدمات الوحيدة التي يمكن أن يضمن الشمال تقديمها للجنوبي الأجنبي لفترة محدودة بعد الإنفصال تتلخص في حرية هذا الجنوبي – وإلى حين يرحل إلى بلاده - أن يتوجه إلى المستشفيات والعيادات الخاصة لتلقي العلاج .. وفي الصيدليات التجارية ما يكفيه من دواء.
وبوجه عام فإنه لا أمل للجنوبي بعد إنفصاله في الحصول على أي نوع من أنواع السلع المدعومة أو تلقي الدعم الحكومي فيما يتعلق بالغذاء والكساء والمأوى في حالات الطواريء أو نقص السلع التموينية وإخضاعها لكوتات تموينية مقننة.
وأن على الجنوبي أن يتوجه إلى المدارس والمعاهد والجامعات الخاصة إذا أراد تعليم أبنائه ؛ لاسيما وأن التجربة خلال فترة ألـ 55 سنة الماضية قد أثبتت عمليا أن أشد الجنوبيين عداء للشمال ومعاناة من عقد نفسية مركبة تجاه الشمالي بوجه عام إنما هم أولئك اللذين تلقوا تعليمهم الجامعي في الخرطوم بوجه خاص.
وأما في مجال التوظيف فلا مجال للحديث عن ضمانات يبذلها الشمال لأبناء دولة الجنوب بعد الإنفصال ، لاسيما وأن دولاب العمل الشمالي لا يحتاج إلى "خبرات" جنوبية . وغني عن القول أن العكس هو الصحيح وهو أن الجنوب هو الذي يحتاج إلى خبرات شمالية .... كما أننا نعرف جميعا أن توظيف الجنوبيين في الدوائر الحكومية بالشمال لم يكن لحاجة إلى خبراتهم النادرة ؛ إنما جاء إمتصاصا لتمرد الجنوبي في عهد نميري . ثم مجاملة للحركة الشعبية وعلى سبيل تأليف القلوب المتمردة وأحلام الوحدة الجاذبة عقب توقيع إتفاقية نيفاشا ... لكن وطالما إنفض مولد المجاملات والمحاصصات وإنفصل الجنوبي وإختار أن يقيم دولته الخاصة به فهي أولى به وهو أولى بها وليذهب إليها ليجد فيها الحضن والمأوى والرفاهية التي يحلم بها.
بقي أخيرا الحديث عن تملك الجنوبي للأراضي السكنية والزراعية والعقارات في الشمال .. وحيث من الضروري لفت نظر الجنوبي أنه لا محيص من أن يسارع ببيعها أو أن يخضع لقانون مصادرة هذه العقارات والأراضي . وغني عن القول أنه لن يعود له يحق في الحصول على أراضي حكومية مجانية في مجال الخطة الإسكانية أو خارج نطاق قانون الإستثمار.
وللحديث بقية بشأن تنظيم إقامة الجنوبي في ربوع الشمال بعد الإنفصال.
التعليقات (0)