مواضيع اليوم

أدبيات الإنفصال (حلقة 17) إقامة الجنوبي في الشمال بعد الإنفصال

مصعب المشرّف

2010-12-31 12:37:48

0

 

أدبيات الإنفصال ... أوراق مبعثرة

حلقة (17)


تنظيم إقامة الجنوبي في الشمال بعد الإنفصال

 

كلما إزداد موعد إعلان دولة الجنوب إقترابا وفق نتائج إستفتاء تقرير المصير المرتقب يوم 9/1/2011م .. كلما إزدادت ضربات القلب سرعة لدى من يرجو تحقق الإنفصال الطبيعي بين كياني الشمال والجنوب ..... ولكن البعض في الشمال حزين ومتضايق لسبب ما يشاع من أن شعب الجنوب سيحتفظ بإسم "السودان" ضمن مسمى دولته الوليدة .... وقد كان الشماليون يتمنون على الجنوبي أن يختار لبلاده إسما مبتكرا جديدا بعيدا عن أية إشارة لمسمى "السودان" فيه حتى ينسى الجميع في الشمال والجنوب والعالم على حد سواء وبأسرع ما يمكن أنه كانت هناك علاقة ما بين أرض الشمال والجنوب . وعلى قناعة بأنه لم ولن تكون هناك علاقة تذكر بين شعبيه في المستقبل سوى الجوار والإحترام المتبادل.


خلال تجمع سياسي في جنوب السودان الحالي .... رفع الكف الشمال رمز رغبة الجنوبي في الإنفصال عن الشمال

ربما يقترح البعض في الشمال أنه وفي حالة إصرار الجنوبي (كعادته) على الإمساك بذيل الشمال بعد الإنفصال وفق مقتضيات "سيك سيك معلق فيك" .... و "لا بدورك لا بحمل بلاك" .... يقترح هذا البعض أن يسارع الشمال إلى التخلي طواعية وعن طيب خاطر عن إسم السودان للجنوبي مثلما تخلى لهم عن دور السينما في العاصمة المثلثة وحواضر الأقاليم. وتغيير إسم الدولة إلى "الولايات الشمالية المتحدة" خاصة وأن إسم السودان إنما هو في حقيقته مسمى "عربي" خالص ويعني "أصحاب البشرة السوداء" ...... ومن ثم فهو يذكر في جانبه الآخر بثغرات وتهتكات عنصرية في العلاقة بيننا وبين العرب بوجه عام ..... كما أن مسمى "الولايات الشمالية المتحدة" تؤكد حرص الشمال بعد إنفصال الجنوب عنه على البقاء متحدا وإعترافه بالتعددية العرقية والثقافية ...... هذه التعددية العرقية والثقافية القابلة للذوبان والتمازج فيما بينها ، على عكس ما كان عليه الحال بين الشمال والجنوب من تنافر وصراع دموي ؛ ومن واقع أن مـعـدة الشمـال قد أثبتت عجزها المزمن عن هضـم الجنوبي بمختلف دياناته وتعدد نكهاته ودرجات نضجه.

من قوات المتمردين الجنوبيين التي كانت تقاتل القوات الحكومية داخل أقاليم الجنوب قبل الإنفصال

ويجدر بالذكر أنه وفي إطار تداعيات الإنفصال فإن البعض من هواة التصنيف يسارعون ببساطة وسذاجة إلى وضع الإنفصالي الشمالي في خانة الكاره للجنوبي وكذا يضع الإنفصالي الجنوبي في خانة الكاره للشمالي وكأن المسألة علاقة شخصية ... في حين أنه لو أمعن هؤلاء التحليل بعقلانية ، بعيدا عن العواطف الجياشة التي لم يعد لها محل من الإعراب في زماننا هذا .. لو نظر هؤلاء بعقلانية لأدركوا أن المسألة بعيدة كل البعد عن أحاسيس البغض . وأنها ترقى وتتجاوز ذلك إلى درجة من يزن الأمور بميزان العقل والرشد . آخذا في الإعتبار الإختلافات الجذرية بين الشمال والجنوب وذيول العلاقات التاريخية بينهما . والتي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الشمال والجنوب إنما خلقا ليكونا منذ الأزل دولتين منفصلتين مثلما هو الحال بين مصر والسودان من تباين وإستحالة التعايش العادل داخل إطار الدولة الواحدة . والذي أدى قبيل الإستقلال إلى إختيار السودان تقرير مصيره عبر البرلمان بتكوين دولته الخاصة به بعيدا عن هيمنة وجبروت وإحتواء الآخر في القاهرة الذي يظن نفسه أجدر بتولي زمام القيادة وأرفع درجة وأكثر تحضرا وإستنارة ....... فلماذا والحال كذلك نرضاها نحن الشماليون لأنفسنا ونحرم منها غيرنا ؟

لقد تطرقت الحلقات السابقة من هذه السلسلة (أدبيات الإنفصال) بما فيه الكفاية لمدى الإختلافات والحواجز النفسية وتدني أو إنعدام حالات المشاركة في النضال الوطني الجمعي ؛ والتي حالت دون تمازج الشعبين والإعتراف الإجتماعي والإنساني المتبادل . وتحول مستقبلا دون إستمرار الشعبين الشمالي والجنوبي بالحياة السلمية معا داخل إطار دولة واحدة ..... ولهذا فلا داعي للإعادة منعـا للإطالة والتكرار .....
الآن تطرح في الساحة الإعلامية والدعائية للحكومة المركزية والمتمثلة في التلفزيون الحكومي بوجه خاص ..... تطرح إستطلاعات (من جانب واحد كعادة الحكومة) للرأي الجماهيري مؤيدة للوحدة. ولكن الواضح منها أنها في الأصل إجتهادات دعائية شخصية ، ومدخلات إنطباعية أعدت وطبخت على عجل . فخرجت شائطة لا طعم لها ولا نكهة ... بل لربما لا نكون مبالغين إذا وصفناها بأنها محاولة بائسة ساذجة من هذا الإعلام الحكومي الضحل العشوائي المنهج لإخلاء الطرف وتسجيل نقاط في الوقت الضائع بما يفيد أن الحكومة قد أدت واجبها وفعلت ما عليها لمنع الإنفصال وكان الله يحب المحسنين.
الطريف في كل ما يجري أنه قد إتضح للعيان مدى "الجقلبة" و "الجرسـة" و "الحيرة" التي تنتاب أبناء شعب دولة الجنوب المقيمين حاليا في سودان الشمال ، بعد أن إكتشفوا ضحك الحركة الشعبية على دقونهم وأكلها بعقولهم حلاوة عبر وعدها (الخيالي) لهم بأنهم سيحتفظون بعد الإنفصال بالجنسية الشمالية إلى جانب تمتعهم بجنسية دولة الجنوب ...... وأن الواقع الصحيح هو عدم وجود أية وعود ولا تفاهمات بهذا الشأن بين الحركة الشعبية وحكومة عمر البشير ..... وأن لا قناعات وإستعداد لدى شعب الشمال أو إحتمال بموافقتة ورضاه من قريب أو بعيد بمثل هذه الأفكار الديماجوجية من حيث المبدأ . ناهيك من أن تترجم إلى قوانين ولوائح وأفعال ملزمة ...... وأن المسألة لا تعدو إذن سوى حلم آبق من ضمن "أحلام أموم" الأمين العام للحركة الشعبية وعلى وزن "أحلام زلوط" الديك المزعوط

دون كيشوت الزنجي "باقان أموم" .. الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان

على أية حال فإنه وفي هذا الإتجاه فلا ينصح عاقل أويقترح أن تسارع الحكومة ضحى يوم إنفصال الجنوب رسميا . وإعلانه دولته الخاصة به عقب إستفتاء 9/1/2011م ...... لا ينصح عاقل أو يتوقع أحد أن تسارع السلطات المحلية في "الولايات الشمالية المتحدة" بشحن أبناء دولة الجنوب المقيمين في السودان داخل عربات القطارات المتهالكة أو اللواري السفرية المكشوفة وعلى أسطح الترلات الصدئة ؛ وتسفيرهم على عجل في إتجاه واحد بلا عودة إلى وطنهم.
ولكن من جهة أخرى فإنه ينبغي تنظيم إقامة الجنوبي المؤقتة داخل أرض الشمال من واقع منحهم إقامات لمدة سنتين مثلا. يتعين عليهم خلالها تصفية ممتلكاتهم في الشمال . وكذلك تصحيج أوضاعهم بالبحث عن كفيل شمالي شخصي أو شركة أو الرحيل إلى بلادهم.
وبداهة يجب أن يضع الجنوبي المقيم في الشمال بعد تحوله إلى شخص أجنبي ..... يجب أن يضع في حسبانه أنه لن يهنأ ببلح الشام وعنب اليمن في وقت واحد .... وأن المواطن الشمالي لن يطيل الصبر على طول لسانه وكثرة الحِجّه واللِجّه في كل مرفق عام ومنعطف كما كان في السابق قبل الإنفصال . وأن الدولة لا تستطيع أن توفر له من مال دافع الضرائب الشمالي أية خدمات مجانية ، أو تسمح له بقدم المساواة مع المواطن الشمالي في مجال حرية التنقل والتملك والعمل السياسي.

كل ذلك بالطبع من المتوقع العمل به في حالة واحدة فقط وهي عدم نشوب عدائيات وحروب حدودية أو أعمال تخريب داخل العمق الشمالي تتورط بها حكومة دولة الجنوب.
وأما في حالة نشوب عدائيات . فلا مجال أمام الحكومة المركزية في الخرطوم سوى التعجيل بتسفير مواطني دولة الجنوب إلى بلادهم قسرا وبأسرع ما يمكن حفاظا وصيانة للأمن القومي الشمالي الذي لا يمكن ولا يجوز التلاعب به...... وحيث لا يمكن أن يلومها أحد وقتها .... ولأجل ذلك فينبغي على الجنوبي في الشمال توخي العقلانية . كما ينبغي على الإنفصاليين من غوريلات الحركة  الشعبية في جوبا التحلي ببديهيات التفكير والنهج العقلاني بعيدا عن دونكيشوتية طعن مآذن المساجد بالرماح ، ومخاطر اللعب مع صقور الجديان.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات