أخلاق السودانيين في خطر ! ....
بقلم: الزبير محمد علي
صوت الأمة
تُعرَف الموسوعة الحرة ويكيبديا الأخلاق علي أنها:( جمع خلق، والخلق هو صفة راسخة في النفس تدعوها إلي فعل الخير أو الشر. كالشجاعة أو الجبن، الظلم أو العدل، الكرم أو البخل.
ولا شك أن المنظومة الأخلاقية هي التي تُميَز الإنسان عن سائر المخلوقات؛ لذلك نادت الأديان السماوية علي جعل التحلي بالأخلاق عنواناً للمجتمعات. وفي الإسلام لخص النبي صلي الله عليه وسلم غاية رسالته في خمس كلمات: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
هذا يعني أن العبادات في الإسلام لا معني لها إذا لم توجه سلوك الأفراد والجماعات في الإطار الأخلاقي. وعندما سئل نبي الرحمة (ص) عن المرأة التي تصوم النهار وتقيم الليل ولكنها تؤذي جارها، قال (ص): هي في النار )
لا أحد يُنكر حرص هذه المرآة الناسكة علي الإلتزام التعبدي؛ ولكن هذا الحرص لم يفدها شيئاً، ولم يدفع عنها دخول النار؛ لأن إلتزامها التعبدي لم يُزكَي سلوكها المعاملاتي. لذلك قال بعض العلماء:( إن قبول العبادات مرهونُ بسلامة المعاملات). وهذا فهم معقول؛ لأن كل عبادة لا تدفع صاحبها إلي مرافئ السمو الأخلاقي، هي في أمس الحاجة إلي المراجعة علي ضوء التعاليم الإسلامية.
لا يتناطح كبشان في أن الإسلام علي المستوي النظري قد عمل علي حصار كافة مواطن الصفات الذميمة. فقد جاء في السنة النبوية ما يؤكد ذلك:
- ( ليس المؤمن من بات شبعان وجاره جائع ) إستراتيجية نبوية لمحاربة البخل، وإفشاء قيم التكافل بين أفراد المجتمع.
- ( من غشنا فليس منا) دلالة واضحة علي براءة النبي (ص) من الذين يمارسون هذه الرزيلة.
- ( لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما ) وصفة نبوية لمكافحة الرشاوي.
لقد أراد النبي (ص) أن يكون نموذجاً يُحتذي به في كافة نواحي الحياة. لذلك كان مثالاً في سلم الترقي الأخلاقي من حيث التعامل (تبسمك في وجه أخيك صدقة )؛ من حيث العفو ( إذهبوا فأنتم الطلقاء )؛ من حيث الإيثار ( لم يبيت (ص) ديناراً في بيته ).
إن السمو الأخلاقي الذي تحلي به نبي الرحمة (ص)، هو الذي دعا الله سبحانه وتعالي إلي القول ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ " ( القلم : 4 ).
بيد أن المجتمع الإسلامي أتي عليه حينٌ من الدهر فقد فيه هذه المزايا نسبياً. وعندما وقع الخلاف بين طرفي معركة الجمل وقف العُقيل بن أبي طالب بجانب تيار معاوية. قيل له: لماذا لم تقف مع علي رضي الله عنه. قال:( علي باع دنياه لدينه فهو خيرُ لنفسه، ومعاوية باع دينه لدنياه فهو خير لي !).
ومنذ العهد الأموي لقيَت البضاعة الميكافيلية سوقاً عامراً تُباع فيه من غير بوار. وما يُحزن المرء حقاً أن هذه البضائع الكاسدة لا تزال تجد رواجاً في المجتمع الإسلامي إلي يومنا هذا.
ولك أن تتصور حجم ظاهرة التدني الأخلاقي التي يمر بها المجتمع السوداني كنموذج؛ حيث أننا نري علي مستوي الأفراد خللاً واضحاً في القيم الأخلاقية للإنسان السوداني. ولا نبالغ إن قلنا أن هناك أفراداً إمتهنوا شهادة الزور في المحاكم!. وقبل آيام شهدت ولاية سنار خلافات حادة بين قيادات حزبية حول توزيع الأنفال الخاصة بالإنتخابات. وقد وصلت تلك المشاحنات إلي حد الضرب. وعندما فتح الضحية بلاغاً في الجاني أتي إليه الشاهد وقال له : (أعلم أنك مظلوم؛ لكن والله لو فرشوا لي الأرض مصاحف، فسوف لن أشهد لصالحك ! ). وهذا يكشف إلي حد كبير مدي الإستخفاف بالقيم الإسلامية، ومدي رواج شهادة الزور التي تعدل في ميزان الشريعة الشرك بالله.
والمدهش أن الشاهد من القيادات المحلية لحزب يدعي الإلتزام بالتوجه الإسلامي !.
وقد حكي لي أستاذ جامعي أن أحد الضُباط التنفيذيين قد أصدر قراراً بمنع تعاطي (الشيشة) علي مستوي المحلات التجارية؛ معتبراً ذلك بأنه يتعارض مع قيَم دولة المشروع الحضاري !. وفي إحدي الآيام ذهبت إلي بيت هذا المسئول طالبات يردن دعمهن مالياً لإقامة إفطار في الداخلية؛ فإذا بصاحبنا يتناول الشيشة داخل منزله!. ويبدو أنه دخل في حرج عظيم إزاء إنكشاف المستور.
يبدو صعباً علي القارئ أن يجد تفسيراً لهذا السلوك النفاقي ؛ ولكن عندما يقرأ هذه المفردات للدكتور حيدر إبراهيم قد تستبين له الحقيقة : ( برزت ظاهرة غريبة هي إزدياد التدين الشكلي وتراجع الأخلاق وموت الضمير . فقد كانت كلمة عيب في الماضي رادعاًًً أكثر من كلمة حرام الآن . فالفساد عيب ، ولكن المفسدون الآن يتفاخرون بفسادهم ويعرضون ( وأما بنعمة ربك فحدَث)! ولم نشهد في الإنقاذ محاكمة علنية لمفسد. ربما لأنهم يعتمدون علي الحج والعمرة لمسحالذنوب حسب فهمهم القاصر للدين الخالِ من الورع والضمير اليقظ ) ( السودانيون ومرض إستوكهولم- الصحافة مايو 2010 ).
لقد صار السواد الأعظم من الشعب السوداني يؤمن بمفهوم الغاية تُبرر الوسيلة. فإكتناز المال غاية تاتِ بالحلال أو الحرام غير مهم. المهم هو الثراء العاجل ومن يصل إليه فهو شاطر مُفتَح! مقيَم في نظر المجتمع.
وضمن ظاهرة إضطراب القيم الأخلاقية أيضاً ما نقرأه في الصحف الإجتماعية هذه الأيام ؛ حيث أن شاب يزني ببنت خالته ، وآخر يغتصب طفل الجيران! وأشياء أُخري يجف مداد اليراع عن ذكرها. وقد كان السوداني في الماضي حتي إذا إشتُهر بفساد الأخلاق؛ فإنه يستح من إرتكاب الفواحش في محيطه الإجتماعي.
كل هذا الإضطراب القيّمي يحدث ونحن في دولة القرآن ! كما يزعم الإسلاميون. ولكننا لا نري عجباً أو غرابة في مثل هذا السقوط الاخلاقي؛ ذلك أن الجبهة الإسلامية هي التي أورثت الشعب سلوكاً ميكافيلياً، لما لا وأن:
• الموظف الذي يتقن عمله ويرفع تقريراً صائباً في بعض المؤسسات يُهمش.
• الإداري الذي يُكافح الفساد في المؤسسة التي يعمل فيها يُنحي جانباً.
• الأستاذ الذي لم يركب قطار الإنقاذ يُنقل إلي أماكن نائية.
• التاجر الذي يدعم الأحزاب المعارضة يُحاصر بالمنظومة الضريبية.
• القري التي لم تُبايع الإنقاذ تُحرم من الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وغيرها.
• الصحيفة التي تكشف زيف النظام تُمنع عنها الإعلانات !.
إن هذه الشواهد وغيرها هي التي صنعت قطاعاً عريضاً من السودانيين ينافق من أجل لقمة العيش، لا جرم أن الإنقاذ إتخذت إسلوباً مخططاً في تجفيف مصادر الدخل للسودانيين. فمشروع الجزيرة أكبر مشروع مروي في إفريقيا الآن يحتضر! ومؤسسة النيل الأزرق الزراعية أصبحت في طي النسيان. المحالج ومصانع الغزل والنسيج التي كانت توظف ألافاً مؤلفة من السودانيين الآن شبعت موتاً.
وفي مثل هذه الأوضاع لا يري السودانيين مصدراً للعيش سوي الثراء العاجل عبر سلب مؤسسات الدولة أو عبر أسواق المواسير! المنتشرة علي نطاق واسع في الدولة السودانية.
إن منحني السلوك الأخلاقي للشعب السوداني قد وصل إلي أسفل سافلين. ولا يُرجي زوال هذا الإنحطاط في المستقبل القريب؛ ذلك أن الدولة الآن يقودها حفنة من الإنتهازيين الذين يجرون وراء المكاسب والمغانم؛ وبجانب هؤلاء فإن هناك شريحة من العلماء لا تأبه بما يجري من إنحطاط أخلاقي خاصةً إذا تعلق الأمر بالمسئولين؛ ولكن تهتم بإصدار بيانات في فتاة لبست بنطالاً ! أو الصادق تحدث عن النقاب ! وغيرها؛ وهذا يكشف إلي حدٍ ما حجم إختلال سلم الأولويات لدي هذه الشريحة من العلماء.
وفي خاتمة المطاف نقول أن التدني الأخلاقي فيما يتعلق بالأموال صار طبعاً لقطاع واسع من السودانيين؛ هذا القطاع يري بأم عينيه أن عمليات النصب، ونهب أموال البُسطاء هي المقياس للقبول الإجتماعي، أوالثيرمومتر للترقي في مؤسسات الدولة وهذا سوف يُعقد المشكلة أكثر.
ولكن مع ذلك يغمرنا تفاؤل حذر في تبدل الحال وتحسن الأوضاع إلي الأفضل؛ هذا التفاؤل مصدره خيرية البشر من جهة، وتميَز الشعب السوداني تاريخياً من الناحية الأخلاقية من جهةٍ أُخري.
ولا أحد ينكر أن الأخلاق هي سر تقدم الحضارات؛ فقد سئل أحد المسئولين اليابانيين عن سر التطور الصناعى والتكنولوجى والإقتصادى الذى تشهده بلاده للدرجة التى وضعتها ضمن قائمة الدول الثمانية الكبار فاجاب قائلاً: ( هذا التطور ثمرة لشيئين الاخلاق- والتواصل بين الأجيال).
أظن أننا أولى بغرس الأخلاق الفاضلة والقيم الحميدة التى أمتلات بها صفحات تراثنا الأسلإمى ولم تجد سبيلها إلى المجتمع المسلم إلا فى قرونه الأولى، ولتحقيق هذا نحتاج إلي شئيين:
أولاً: حل المشكل الإقتصادي الذي يُعان منه المجتمع السوداني بصورة عاجلة وعادلة.
ثانياً: نحتاج لوقفة مع الذات لتقييم أخلاقنا علي كافة المستويات حتى لا نقع نسبياً فى فخ قول الشاعر:
إذا اصيب القوم فى أخلاقهم
فاقم عليهم ماتماً وعويلا
على أن يكون تقييَمنا للأخلاق كما يقول السيد الإمام في مؤلفاته الفكرية على أسس موضوعية؛
أدناها المماثلة أى أن تفعل بالأخرين ماتحب أن يُفعل بك، وأوسطها إثبات المعروف ونفى المنكر، وأعلاها الإيثار الذى قال الله تعالى فيه ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة).
التعليقات (0)