البحر ملهم الشعراء وصديق النوارس ونافذة لبوح الهموم ومد أشرعة الأمنيات. هكذا كانت الكلمة وهكذا يكون البحر. البحر متعة النظر وطهارة الماء وعمق الحياة. وفي جدة بحر ككل بحار العالم في شكله، لكنه بحر مختلف في علاقته بالأرض والناس.
البحر الذي من المفترض أن يكون جاذبا أصبح طاردا في جدة. والبحر الذي يشكل الجزء الأهم من صورة المدينة بات وبالا عليها. والبحر الذي يلفظ القاذورات أصبح يستمتع باستقبالها وربما هضمها. ليس البحر من فعل ذلك بنفسه، لكنه الإنسان الذي لا يعرف قيمة البحر وردة فعله.
في جدة بحر غارق في مشكلات بيئية باعدت بينه وبين أهله. مشكلات لا تنتهي وربما لم تبدأ بعد. روائح كريهه تفض جموع الساهرين على ضفافه، وحشرات من كل الأنواع تخاتل الجالسين فتقضي على ساعة المتعة. وأرصفة تغص بالأوساخ وكأن البشر ينتقمون من وجودهم في هذا المكان. وحتى المجسمات الجمالية التي وقفت شهودا على دخول جدة إلى عوالم المدن الجميلة، أصبحت عصية على البقاء تحت طائلة الإهمال. يحدث هذا في الكورنيش الشمالي حيث الصخور المرجانية التي تقف دون التمتع بالنزول إلى البحر ومصافحته.
وعلى امتداد بحر جدة بطوله لا يوجد مكان للسباحة والتمتع بالماء إلا في مساحة صغيرة لا تتجاوز نصف كيلو متر في منطقة أبحر، أطلق عليها الأهالي اسم «الإسكندرية» كتعبير مجازي تستوحي منه أن هذه البقعة ليست في جدة.
إذن أين هو البحر في جدة؟. غائب إلا من الحوادث التي تجد لها الصحف مساحة للحديث والطرق والتنظير بين الفترة والأخرى. فمن حادثة السيارة التي سقطت في بحيرة الأربعين ـ وهي من بنات بحر جدة التي ولدت في حقبة الزمن الحزين ـ إلى حادثة فاطمة التي جرفتها أمواج الصرف الصحي التي تصب في البحر.
هل سمعتم من قبل عن أمواج صرف صحي في البحر؟ هذا هو بحر جدة المسكين. ولم يبق أمام أهالي جدة إلا أمران، إما أن يتركوا بحرهم وشأنه أو أن يطالبوا بإخراجه من مدينتهم.
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20090714/Con20090714291504.htm
التعليقات (0)