أحوال جنوب السودان قبيل الإنفصال
لا أدري لماذا يحزن بعض العرب على إنفصال جنوب السودان المرتقب عن الشمال أرضا وشعبا؟ ..... فأرض الجنوب ليست جزءا من الأرض العربية . والشعب الجنوبي ليس جزءا من الأمة العربية بأية حال من الأحوال ؛ بقدر ما هي أرض تنتمي إلى العمق الأفريقي ، وهو شعب ينتمي إلى العنصر الزنجي الخالص سواء من حيث الملامح والشكل والعادات والقناعات والتقاليد والإلتزامات السياسية. وقد نزحت معظم قبائله الحالية وعلى رأسها قبيلة الدينكا من دولة كينيا المجاورة قبل 450 عام على أقصى تقدير.
وفي حين يستعد فيه السودان لإستفتاء 9 يناير 2011م بشأن تقرير مصير جنوب السودان إما بالبقاء داخل إطار سودان موحد أو الإنفصال وتكوين دولة مستقلة ، فإن العديد من الجنوبيين يحذرون من أن حكومة الإقليم الجنوبي تسيطر عليها قبيلة واحدة هي قبيلة "الدينكا" ذات الأغلبية العددية من بين كافة قبائل الجنوب الأخرى . وتنافس قبيلة الدينكا على إقتسام كعكة الثروة والسلطة كل من قبيلتي "الشلك" و "النوير" بوصفهما القبيلتان ذات الأعداد المؤثرة. وتمثلان رقمين لا يمكن لأية حكومة في الجنوب أن تتجاوزهما أو تتجاهلهما.
وفي الوقت الذي لا يبدي فيه عامة الشعب السوداني في الشمال إكتراثا بهذا الإستفتاء أو بنتائجه. فإن الأغلبية العظمى الكاسحة من الجيل الجديد في شمال السودان يرغبون في إنفصال الجنوب وتكوينه لدولته المستقلة الخاصة به لأسباب عديدة أهمها أنّ تواصل الحروب الأهلية المدمرة التي يشعلها الجنوبيون داخل إقليمهم ضد سلطة الحكومة المركزية وما يؤدي إليه ذلك من إستنزاف لموارد الدولة ونزيف لدماء شعبها . وكذلك تحول الجنوب إلى بوابة مفتوحة للتدخلات الأجنبية في شئون السودان الداخلية بما في ذلك خياراته الثقافية وكذلك العقائدية المتمثلة في الدين الإسلامي حيث تبلغ نسبة المسلمين في عموم السودان حاليا 80% من السكان ؛ وينتظر أن ترتفع النسبة بالطبع بعد إنفصال الجنوب لتصبح أكثر من 98%. إضافة إلى إرتفاع نسبة العرب فيه من 45% حاليا إلى أكثر من 60% بعد الإنفصال.
رعاة أبقار من قبيلة الدينكا إلى جوار زرائب شوكية بدائية يتم تجميع مواشيهم داخلها .... ومن المؤسف له أن الجنوبي لا يربي ماشيته وينميها لأجل بيعها بل هي بالنسبة للفرد منهم مؤشر للثروة المعنوية ورفعة المكانة الإجتماعية بحسب عددها. وعادة ما يتوجب على الجنوبي إذا أراد أن يتزوج بفتاة أن يدفع مهرها أبقارا وثيران وليس أموالا سائلة .... ولأجل ذلك فالبقرة لدى الجنوبي تعتبر أهم ما يمتلك .... ولديهم مقولة شائعة مفادها " أن البقرة تعطيك زوجة .. ولكن الزوجة لا تعطيك بقرة " .... أو بما معناه أن البقرة أهم قدرا وأرفع قيمة من الزوجة..... والطريف أنه في حالة عدم إنجاب الزوجة فإنه يحق للزوج أن يعيدها لأبيها ويستعيد الأبقار التي منحها له مهرا لها.
ما أن ينتصف النهار حتى ينصرف الشباب في الجنوب إلى إحتساء الخمور البلدية مثل "المريسة" الرخيصة الثمن التي تصنع من الذرة الحلوة الرفيعة عقب تخميرها لعدة أسابيع ، وكذلك خمور "العرقي" الباهظة الثمن والتي يجري تقطيرها من ثمار الموز المنتشر بكثرة في أدغال الجنوب ..... وحين يأتي العصر تكون الأدمغة قد تكلفت على أفضل ما يكون وينشدون ، وبات العالم من حولهم ورديا وشاعريا حالما . فيخرجون لممارسة الرقص الحماسي على وقع الطبول الحارة وسط حلقات شعبية في الساحات والميادين الترابية بالطبع في القرى والبلدات والمدن . ويشاركهم هذا الرقص الشعبي إناثهم. المتأنقات خصيصا لهذه المناسبة. وتعتبر حلقات الرقص لديهم مجالا رحبا للوقوع في العشق والغرام وربما إختيار شريكة أو شريكات العمر ؛ ويسمح المجتمع في الجنوب بعلاقة المعاشرة بين الرجل والمرأة قبل الزواج على أن يلتزم الرجل بالزواج من صديقته في حالة حملها منه. ومن جهة أخرى فإنه لا توجد للرجل في الجنوب حدودا قصوى للزوجات سواء المسلم منهم والمسيحي واللاديني على حد سواء. بل يتزوج الرجل هناك على حسب ثروته وصحته بالطبع. ولكن برغم زوجاته العديدات فإن سيدة البيت تكون هي الأولى قانونا وعرفا ولها الكلمة الفصل في مصير سواها من الزوجات الأخريات..... وبوجه عام فإنه كلما كانت الزوجة ولودة للأبناء الذكور كلما إرتفع قدرها عند زوجها وزادت حصتها من سعة المكان والمأكل والمشرب والمبيت والمعاشرة الزوجية والهدايا على إعتبار أنها "زوجة منتجة".
لقطة مقربة لصدر وبطن أحد فتيان قبيلة المورلي في جنوب السودان وقد ظهرت عليه آثار الكي بالنار . وهي في الأصل علامات تحدد إنتمائه القبلي . وقد تكون مثل هذه العلامات البارزة مثيرة للإشمئزاز لدى غير الجنوبي بإعتبارها تشويها وحشيا لا مبرر له ... ولكنها مع ذلك تبقى بالنسبة للجنوبي قيمة جمالية وساحة إعجاب للإناث يحسد عليها وسط أقرانه الذكور ؛ ومصدر فخر لا يعلى عليه داخل مجتمع قبيلته في الجنوب.
يستعين رعاة الأبقار في جنوب السودان الحالي بأسلحة الكلاشنكوف لحراسة المواشي التي تقع ضمن مسئوليتهم خوفا من تعدي اللصوص وعصابات النهب المسلح المنتشرة بكثرة هناك ... وعادة ما يعمل المسرحون من عصابات التمرد في مثل هذه الأشغال والأنشطة بعد أن يكونوا قد تلقوا تدريبات على إستخدام الأسلحة النارية.
وصفت "هيلاري كلينتون" الوضع في السودان بأنه "قنبلة موقوتة" بالنظر إلى شكوك أمريكية أوروبية حول نوايا الحكومة المركزية في الخرطوم تجاه القبول بنتائج إستفتاء تقرير المصير .... وفي الصورة يظهر أحد الرعاة البدائيين من قبيلة الدينكا داخل زريبة للمواشي وهو يحمل علم صنعه من وحي خياله لدولة الجنوب بعد الإنفصال المتوقع ... وفي واقع الأمر فإنه لا توجد نوايا حكومية تجاه رفض نتائج الإستفتاء سلبا كان ذلك أوإيجابا .. ولكن تكمن المشكلة الحقيقية في الخلاف حول منطقة أبيي الغنية بالنفط من جهة والتي يقطن بها بطون عديدة من قبيلة المسيرية العربية الرعوية من جهة أحرى..... وحتما فإن منطقة أبيي ستكون فتيل إشتعال حرب جيوش نظامية ضروس بين البلدين بعد الإنفصال.
جنوبيون مسيحيون يمارسون طقوسا دينية خاصة بهم داخل إحدى الكنائس في مدينة "غوغريال" . والديانة في جنوب السودان تبدو نسيج وحدها . فالمسيحي الكاثوليكي على سبيل المثال يتزوج مثنى وثلاث ورباع وحتى العشرين طالما كان ثريا ويمتلك ماشية تكفي لدفع المهور وإسالة لعاب آباء الفتيات . وكذلك الحال بالنسبة للمسلم والمذاهب المسيحية الأخرى واللادينيين. فالكل في هذا سواء كما يقولون والمسألة في النهاية عادات وتقاليد يتبعها الرجل العادي أو القسيس والراهب الزاهد والمفتي لديهم وإمام المسجد الملتحي المسلم منهم..... كما يلاحظ أن الديانة حتى تاريخه لاتسبب الفرقة بين الجنوبيين حيث تجد داخل الأسرة والعائلة الواحدة أكثر من ديانة فالزوجة مسلمة والزوج مسيحي والزوجة لا دينية والزوج مسلم والأخ مسلم وشقيقه مسيحي والأب مسيحي أو لاديني والإبن مسلم .. وهكذا دواليك ، فالدين لدى الجنوبي يبدو وكأنه مدخل إجتماعي إحتفالي أكثر منه عقائدي حيث تجد الفرد منهم يصلي الجمعة في المسجد ثم يصلي الأحد في الكنيسة وتشاهده بعد أيام ساجدا يمرغ وجهه في التراب وهو يتوسل ويلهج بترانيم العبادة للبدر في ليلة التمام .. ..
وربما كان العداء المزمن تجاه الشماليين بوجه عام والعرب السودانيين بوجه خاص هو الذي لا يزال يوحد بين الجنوبيين ويجمع بينهم .... ولا يدري أحد ماذا سيكون عليه حال الوحدة الوطنية بين الجنوبيين بعد الإنفصال وغياب العدو التقليدي المشترك (العرب والشماليين) الذي كان يوحد بينهم؟
منظر داخل إحدى المستشفيات المتواضعة الإمكانات التي تشيدها عادة بعثات الفاتيكان التبشيرية وغيرها من بعثات تبشيرية مسيحية تابعة لمذاهب أخرى كالبروتستانت مثلا. وتدعمها الحكومة المركزية في الخرطوم بالأدوية المجانية والكوادر الطبية ومرافق الماء والكهرباء. ويتخوف البعض من أن تؤدي الحروب الأهلية الداخلية المحتملة بعد إنفصال الجنوب عن الشمال إلى تردي الخدمات الصحية إلى درجة العدم. ناهيك عن إحتمالات حرب نظامية بين الجنوب والشمال.
صبي جنوبي بترت رجله اليسرى بعد أن لدغته أفعى في بيئة لا يتوفر فيها الترياق اللازم أو الخدمات الطبية الحديثة قريبا من القرية التي يقطنها.
أغطية بلاستيكية تستخدم كملاجيء للرعاة مما يجعلهم هدفا سهلا للبعوض وذباب التسي تسي ولدغات الأفاعي والهوام الأخرى من عقارب وعناكب لا يتوفر لها الترياق الطبي المناسب وإنما يعتمدون في معالجة لدغاتها على الأعشاب والأدوية البلدية التي تصيب مرة وتخيب عشرات المرات....
راعي صبي من قبيلة الدينكا بعد إشعاله لروث الأبقار الجاف داخل زريبة لحفظ الأبقار بهدف طرد الحشرات اللادغة ولاسيما البعوض وذباب التسي تسي (ذبابة النوم) المنتشر كوباء قاتل إلى جانب الإيدز الحاصد للأرواح.
التعليقات (0)