في حياتِه كان منَ المغضوب عليهم، وكان ممن يشمله وصْف الإرهابيين، والمخرِّبين، وأعداء السلام، وكل هذه الكلمات الخدَّاعة التي أطْلقها العدوُّ وأذنابه؛ كي يبعدوا الناس إبعادًا عن الحقِّ القويم، والمنطق السليم؛ ولكن بعدما استُشهد - رحمه الله تعالى - تَحَدَّثوا عن حِكْمتِه، ونظرته الثاقبة وإخلاصه.
هو "الشيخ أحمد ياسين" الذي حاولتِ السلطةُ الفِلَسْطِينية - أو بالأحْرى السُّلطة الصِّهْيوفِلَسْطينية - تحديد إقامته، وتحجيم دَوْرِه، وتكميم فَمِه بأمرٍ من قُوى البغْي والطغيان الصِّهْيوني، وهو نفسه الذي كان للعملاء دور بارز في عملية تصفيته الجسديَّة، حينئذ لم نكنْ نسمع صوتًا لهؤلاء المرتزقة، الذين يتباكون الآن على حكمة الشيخ، لم نكنْ نراهم أو نسمعهم يشجبون وينددون، لم نعرفْ أنَّ أحدًا مِن هؤلاء قد قال: إنَّ ما تفعله السُّلطة يجُر الفِلَسْطينيين إلى حربٍ أهلية وانقسام، كلا، كانوا جميعًا في جحورهم.
بعد اغتيال الشيخ تغيرتِ الأوضاعُ، واستأسدتِ السلطةُ بمعاونة ودَعْم الكيان الغاصب، وأمريكا، ورأتْ حركة المقاوَمة الإسلامية حماس أنَّ دخول الانتخابات التشريعيَّة سيكون في مصلحة الشعب الفِلَسْطيني، وكذلك مصلحة الحركة ومشروعها المقاوم، وفازتْ حماس وحاولوا إسقاطها؛ لكنَّها لم تسكتْ، فقلبت الطاولة على كلِّ مَن أراد أن ينقلبَ عليها.
حينئذٍ خرج الفئران من جُحُورهم، وسمعنا أصواتهم الكريهة تنْتقد حماسًا، وتترَحّم على الشيخ الشهيد، فيقولون: أَلَمْ يقلِ الشيخُ: لو أتتْنا السلطةُ على طبق من ذهب لرفضناها، ويلمِّحون من وراء هذا؛ بل يصرِّحون بأن حماسًا بعد ياسين قد اتجهتْ إلى السُّلطة، وأصبح قادة المقاوَمة طلابَ سلطة.
ولكن هؤلاء يعرفون جيدًا أن حماسًا وقياداتِها الحالية لم تتخلَّ عن المقاومة؛ بل هي الآن أكثر تشبُّثًا بالمقاومة من ذي قبل، كيف لا، وهم يحققون النصر تلو النصر بالمقاومة، لا بشيء آخر؟! وذلك كله بمشيئة الله تعالى، هؤلاءِ المنافقون يعلمون أنَّ حماسًا اليوم بتمسُّكها بعدم الاعتراف بالكيان الغاصب، وعدم التفريط في ذرَّة تراب مِن ثرى فِلَسْطين - تفعل عين ما قصده الشيخ حينما قال: (لوْ أتتْنا السلطة على طبق من ذهب لرفضناها).
كيف لا، والعالمَ كله ينتظر منها كلمة لتفتح لها القصور؟! كيف لا، والعالَم كله ينتظر تغيير موقفها؛ فتنهال عليها الأموالُ مِن كلِّ حدب وصوب؟!
إن حماسًا تُحاصَر اليوم - يا سادة - لأنها تسير على خُطى ياسين، إن حماسًا - يا سادة - يُقتل قادتها واحد تلو الآخر؛ لأنها ترفض السلطة على طبق من ذهب، السلطة لم تجئ إلى حماس على طَبق من ذهب، بل جاءتْ إليها عنْ طريق دماء قادتها وبني قادتها.
آه لو قالتْ حماس يومًا: إنها تعترف بالكيان الغاصب، حينئذ سيطارد الصهاينة أذناب فتح؛ بل ربما يقتلونهم كما قتلوا عرفات من قبل؛ لأنهم يعلمون أنَّ هؤلاء لا شعبيَّة لهم، حينئذٍ ستكون حماس - وقبل الجميع - هي الحليفَ الأول لِقُوى البغي الصِّهْيوني والأمريكي.
إذا كان هؤلاءِ المنافقون العملاء ذوو الأصوات الكريهة، والعقول الخبيثة - يعتقدون أنَّ ياسين لو كان حيًّا الآن، لبقيتْ حماس كما هي، لا شأن لها بالسلطة، تتلقَّى الضرباتِ مِن هنا وهناك، ويُغتال قادتها، واحد تلو الآخر، ولا تحرِّكْ ساكنًا، ولا تُدافع عن نفسها، فهم واهمون، فلينظروا إلى الوضْع قبل "اغتيال ياسين والرنتيسي"، عندما حاولت السلطة اعتقال الدكتور الرنتيسي كما كانت تفعل دومًا، وكان الرجل يُسَلِّم نفسه حفاظًا على الوحدة، وحتى لا يوجَّه سلاح حماس إلى أجهزة السلطة؛ لكنَّه هذه المرةَ كان له موقف آخر، فقد قال: "لن أُسَلِّم نفسي، ومَن يُسَلِّم نفسه اليوم لا يلومَنَّ إلا نفسه".
بل قد أقْسم بالطلاق مِن زوجه أنَّه لن يسلِّم نفسه؛ حتى لا تجبره قيادة الحركة على ذلك، بل إنَّ الشيخ ياسين نفسه قد تحدَّى قرار السلطة بتحديد إقامته، وخرج في مسيرة في قطاع غزة، هذه كانت بداية تغيير موقف حماس من اعتقالات وتعديات السلطة.
فهؤلاءِ المنافقون الذين يتباكون على الشيخ، إنما هم يبكون على أنفسهم، ويضحكون على السفهاء من الناس؛ فهم لم يكونوا يومًا من أنصار الشيخ، ولا أنصار المقاومة، ولكنهم عبيد الدينار والدرهم، ولطالما تمنَّوا أن يُقتلَ الشيخُ؛ اعتقادًا منهم أن مقتله يعني انتهاء المقاومة، ولكن خابتْ ظنونهم، وأخزاهم الله، وصدق الله تعالى؛ حيث قال: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].
التعليقات (0)