«أبوعزيز» مواطن سعودي من «جدة» في الخامسة والأربعين من عمره، يقول عن نفسه إنه «رجل أعمال وتاجر أسهم»، عاشق حتى النخاع لتلك البلاد الجميلة التي اسمها «سويسرا»، له رحلتان في السنة إليها، في شهور الصيف، وعندما تغمر جبالها الثلوج شتاء!
حتى لا تسألوني.. «من هو.. بوعزيز؟ وكيف عرفت عنه هذه التفاصيل»، أقول لكم إنني لا أعرف الرجل ولم ألتق به من قبل، وهذه المعلومات وجدتها في مدونة له على «الانترنت» خصصها لرحلاته وصورها الى «سويسرا» التي يزورها منذ 27 عاماً.. متصلة! زارها مدينة.. مدينة، وبلدة.. بلدة، وقرية.. قرية، وزاروباً.. زاروباً، وسكة.. سكة، ويكتب أدق التفاصيل عن كل مكان يذهب إليه، بل إنه ينشر في مدونته حتى أطباق الطعام التي يأكلها مع أسرته في كل مطعم يدخلونه، ويقول عن ذلك.. «زوجتي والأولاد ضاقوا ذرعاً بحملي المتواصل للكاميرا وتصوير حتى فاتورة الطعام، لكنهم اعتادوا على عشقي الزائد لهذه البلاد، ولم يعد أحد منهم.. يتذمر مني»!! ابني «عبدالرحمن» هو الذي اكتشف موقعه الإلكتروني هذا، لأنني - كما يقول المصريون في أمثالهم - .. «ثور الله في برسيمه» في تلك التقنية، ومن خلالها استطعنا أن نتبع خطى «بوعزيز» ونزور المواقع السياحية والقرى والمطاعم التي مر.. عليها، لسنا نحن فقط من تعثر بهذه «المدونة»، بل اكتشفنا العديد من السواح العرب الذين دخلوا إليها واستفادوا من الشرح المسهب الذي سطرته أصابع «بوعزيز» داخل هذه الشبكة العنكبوتية عن حبه الخالد.. لـ «سويسرا»، بل، وشكروه أيضاً على تلك الخدمة الرائعة التي حصلوا عليها!! قرأت في إحدى صفحاته جملة لفتت انتباهي كثيراً يقول فيها.. «وبعد أن خرجت من هذه القرية السويسرية الصغيرة والجميلة والوادعة نظرت الى أعلى الجبل فإذا بكنيسة تطل عليها، وكم تمنيت أن تكون.. مسجداً!! وفي صفحة اخرى من زيارته لأحد المطاعم كتب يقول.. «تناولت طعام الغداء في هذا المطعم وإذا بصاحبه باكستاني مسلم.. ولله الحمد»!!
من حق «بوعزيز» أن «يتنطع» بالإسلام كونه مسلماً، ومن حقه - أيضاً - أن يحلم برؤية مسجد عوضاً عن كنيسة، لكن الذي غاب عن ذهنه - وهو يكتب تلك السطور - أن وجود المسجد في تلك القرية يعني وجود مسلمين، ووجود مسلمين يعني ظهور مشايخ للإفتاء ومشايخ لتفسير الأحلام، ومشايخ للإنشاد ومشايخ لفك السحر، وجماعة «ثوابت السنة»، وجماعة «ثوابت الشيعة»، ووكيل للمراجع السويسرية، ثم.. يتطرف «الشباب المسلم المتحمس» ويتلقفهم مشايخ التكفير فيستقطبهم «أسامة بن لادن» و«أيمن الظواهري» - هذا بالنسبة «للسويسريين السنّة» - أما «السويسريون الشيعة»، فتقوم السفارة الإيرانية في «بيرن» بتزويدهم بالمتفجرات من نوع «سي - فور» - من الباب الخلفي للسفارة - فيسافرون الى السعودية - بلد «بوعزيز» - ويفجرون الحجيج في موسم الحج لتتناثر دماء المسلمين الطاهرة في كل مكان، ويتلقى السويسريون «السنّة» سيارات مفخخة قادمة من ميناء «مارسيليا» ومرسلة من ميناء «طرطوس» السوري، فيركبها الانتحاريون ويقتحمون بها محلات الشوكولاتة في «لوزان»، ومطاعم «البيتزا» في جنيف، ومقاهي الرصيف في «مونترو»، فتتواتر الأنباء عن سقوط.. «60 قتيلاً وجريحاً في انفجار سيارة مفخخة في لوغانو» و.. «80 قتيلاً وجريحاً نتيجة انتحاري يرتدي حزاماً ناسفاً دخل الى بهو فندق.. كمبنسكي».. وهلم جرا!! بل، قد يختطف «إرهابيون سويسريون» أبوعزيز نفسه ثم يجلسونه القرفصاء - ويداه مقيدتان الى الخلف ويرتدي بيجامة برتقالية - بينما يقف خمسة مقنّعين خلفه يحملون الأسلحة الرشاشة والسواطير ليعلنوا صدور حكم أمير الجماعة على.. «بوعزيز الكافر الذي حلق ذقنه»، أو.. يقترب أحدهم - وبسرعة فائقة - ينحر «بوعزيز» من الوريد إلى الوريد، ونشاهد المذبحة - مع الملايين من البشر - على موقع «يوتيوب»!!
أما عن حكاية «الباكستاني المسلم.. ولله الحمد»، فقد كنت أتمنى على «بوعزيز» أن ينظر الى هذا الأمر بأبعد من أنفه ليسأل نفسه هذا السؤال.. «لماذا ضاقت أرض الإسلام التي تمتد من غرب الصين الى جنوب الملايو، ومن أطراف ماليزيا الى آسيا الوسطى.. بهذا الباكستاني الذي لم يجد ملاذاً آمناً له ولأسرته إلا في الأراضي السويسرية بعيداً عن ملالي بلاده، ولحى طالبان وعمائم العراق وإيران و.. تجار الإقامات والكفلاء في دول مجلس التعاون الخليجي»؟! هذا الباكستاني وجد الإسلام الحقيقي في أرض النصارى، ألم يقل الإمام الراحل الشيخ «محمد عبده» وعقب زيارته لفرنسا في القرن التاسع عشر.. «ذهبت الى الغرب فوجدت الإسلام ولم أجد المسلمين، وعدت الى الشرق فوجدت المسلمين ولم أجد.. الإسلام»؟!! نقول لـ«بوعزيز».. «استمتع بعطلاتك في سويسرا -صيفاً وشتاءً - مادامت آمنة وسالمة بلا «بن لادن» وبلا.. «مقتدى الصدر» وبلا.. صواريخ «زعيم النصر الإلهي»!! وألا ينسى مقولة العراقيين الشعبية الدارجة.. «الله يخلق و.. محمد يبتلى»!!
فؤاد الهاشم
- أبوظبي-
التعليقات (0)