أحلام اليقظة.
كان سيجموند فرويد - الذي يعد واحدا من أكبر علماء النفس – يستدعي لغة الأحلام لفك طلاسم ورموز الشخصية الانسانية في مستواها النفسي. وقد كان منهج التحليل النفسي الذي أبدعه فرويد يربط الى حد بعيد بين الأحلام( الكوابيس على الخصوص) و العقد النفسية التي يعانيها المرء. وهي تعبير عن أثر نفسي لأحداث تراكمت في اللاشعور منذ السنوات الأولى من حياة الانسان. وكلما غابت سلطة الرقيب ( الأنا الأعلى بلغة التحليل النفسي) انفلت الهو( الجانب اللاشعوري) من عقاله و أماط اللثام عن الوجه الخفي للشخصية الانسانية. والذي قد يكون وجها بشعا في كثير من الحالات التي يلجأ فيها بعض المرضى الى تفريغ كبتهم على الآخرين كآلية للتنفيس و تحقيق اللذة، سواء عبر جرائم الاغتصاب أو القتل مثلا، أو بعض الممارسات السادية ( التمتع بتعذيب الآخرين).
قائمة المكبوتات والعقد النفسية في المجتمعات العربية طويلة جدا. وقد يكون بعضها خارج تغطية ميكانيزمات ومناهج مدرسة التحليل النفسي ذاتها. ومن هنا تحتاج هذه الظاهرة الى وقفة للتأمل. ذلك أن أنماط السلوكات اليومية في الواقع تشهد الى حد بعيد على خطورة الوضع النفسي في المجتمع العربي والاسلامي على العموم. واستنادا الى التصور الفرويدي الذي نحن بصدد الاحالة اليه، فان مكمن الداء يتجلى في أنماط التربية التي يتوارثها الأفراد. و التي تختزل في ثنائية: الأمر والنهي. وهي ازدواجية تصب في نهاية المطاف في اطار معجم لفظي ورمزي يستقي مفاهيمه الأساسية من ثقافة العنف. اذ لا تنفصل الأوامر والنواهي عن السياقات اللغوية التي تتخذ من السلطة مرجعيتها النظرية. وللسلطة في هذا المقام دلالة خاصة. حيث تتجذر في اللاشعور الجماعي، وتكرر انتاج نفسها عبر سلاليم التراتبية الاجتماعية. فباسم السلطة يقمع الرئيس مرؤوسيه. وباسمها أيضا يذيق الأب بعضا من حلاوة العنف( ولو كان لفظيا) لأبنائه، والمدرس لتلامذته... وهكذا تتسع دائرة القمع كلما اتسعت أشكال العلاقات الاجتماعية التي تخضع لهذه التراتبية سواء في البيت أو الشارع أو العمل. وهو ما يؤسس لبنية اجتماعية هشة، تتكرس فيها لغة العقاب كطقس متواطئ عليه بشكل يكاد يلغي معه أية امكانية للحوار.
لكن هذا العنف الاجتماعي الذي يبدو من وجهة نظر منهجية منسجما مع أدبيات التحليل النفسي التي تعتبر العدوان ميلا غريزيا عند الكائن البشري، لا يجد في آليات التنشئة الاجتماعية المتبعة في الأسرة والمدرسة والشارع العام الا مزيدا من التكريس و التثبيت. وتتدخل في هذا الباب العادات والتقاليد الاجتماعية، كما تلعب التربية الدينية دورها أيضا. حيث لم تنجح المنظومة التربوية في العالم العربي والاسلامي في بلورة أسلوب عقلاني في تكوين النشئ دون أن تكون مقصلة العقاب وسيلة لذلك. وحتى عندما نلقن أبناءنا أبسط أشكال التصرف الأخلاقي، فنحن نفعل ذلك على الأرجح انطلاقا من مرجعية الثواب و العقاب. وللدين في هذا الاطار حضور مميز، حيث الجنة والنار مرادفان للثواب ( الصدق مثلا )أو العقاب ( الكذب مثلا ). وهذا يجعل الطفل منذ البداية مهزوز الشخصية لأنه يعيش تحت هاجس أخروي لا تسمح قدراته العقلية ولا بنيته العمرية من فهم دلالته و ادراك معانيه بوضوح. وهكذا ترتسم معالم اللاشعور في الواقع النفسي عند الأفراد منذ مرحلة عمرية مبكرة. ويصبح المستقبل حقل تجارب مفتوح على كل الانفلاتات الأخلاقية التي تمثل تنفيسا خاطئا عن الكبت الاجتماعي الموروث. و تزداد خطورة الأمر حدة عبر نماذج من الممارسات المرضية التي أصبحت تتكرر بشكل متزايد خلال السنوات الأخيرة وتهدد الكيان الاجتماعي.
واذا كان فرويد قد عمد الى قراءة الأحلام للوصول الى فهم أوضح لملامح الشخصية النفسية للانسان، فان الحال في العالم العربي لا يتطلب نفس الآلية التحليلية، فاللاشعور هنا لا يستوجب غيابا كليا للوعي بأي معنى من المعاني، بل هو حاضر في أحلام اليقظة قبل النوم.
محمد مغوتي03/03/2010.
التعليقات (0)