أحكام بالإعدام على الأهرام!
بقلم : حسن توفيق
كنت في بيروت – بصحبة الكاتب المخضرم عميد الصحافة القطرية ناصر محمد العثمان- للمشاركة في اجتماعات المؤتمر الثالث لمشروع كتاب في جريدة، وفي الاجتماع الأخير طلب المشاركون مني أن أقوم بصياغة بيان يتعلق بحدث أحمق، لم يشغل بال المشاركين وحدهم، وإنما شغل العالم بأسره، وهو إقدام حركة طالبان في أفغانستان على محاولة تدمير تمثالين عملاقين لبوذا، رغم أن هذين التمثالين بعدان من مقتنيات التراث الإنساني وفقا لما قررته منظمة اليونسكو.
حين عدت إلى أوراقي لكي أكتب هذه السطور بعيدا عن الاعتماد على الذاكرة، عرفت أن هذا البيان كان قد صدر يوم 20 مارس سنة 2001 ومما ورد فيه بالنص: إن المشاركين في المؤتمر يستنكرون أي مساس بالمقتنيات والآثار الحضارية والإنسانية بمختلف صيغها وأشكالها، لأن الإسلام بما عُرفَ عنه من تسامح وانفتاح حضاري وإنساني لا يقبل أي انتهاك لمقدسات الأمم الأخرى ومعتقداتها، فما جرى في أفغانستان مؤخرا من تحطيم وتدمير للآثار والتماثيل التاريخية، والتي تنتمي لحضارات مختلفة ومتعاقبة قبل الإسلام، ومن بينها التمثالان التاريخيان العملاقان لبوذا، إنما يمثل عدوانا سافرا على الحضارة الإنسانية، كما أنه يفتح الباب أمام صراعات إثنية ودينية وقومية، في الوقت الذي تتصاعد معه الدعوات للحوار بديلا للصراع، فضلا عن كونه يسيء إلى جوهر الإسلام.
إحدى عشرة سنة مرت على ذلك الحدث الأحمق الذي ارتكبته حركة طالبان، لكني لم أكن أتصور- ولو في الكوابيس المرعبة- أن العقلية الطالبانية المتخلفة ما تزال سائدة، وأن هناك من يسمحون لها بأن تنشر العفن الفكري من خلال القنوات الفضائية المصرية، لكن هذا ما جرى بالفعل، حيث ظهر على إحدى تلك القنوات شخص مصري، ليقول بالنص: نحن حطمنا تماثيل بوذا في أفغانستان، وسنحطم تماثيل أبي الهول والأهرام، لأنها أصنام، تُعبد من دون الله، وقال شخص مصري آخر، قدمه الإعلام المقروء باعتباره باحثا: إن الأهرام قد شُيدتْ وبُنيتْ بواسطة الدعارة التي مارستها بنات خوفو وخفرع ومنقرع!!
صحيح أن بعض الكتاب والأدباء المصريين قد تصدوا لما قاله هذان الشخصان الأحمقان، لكن هؤلاء ليسوا مسلحين إلا بالكلمة وحدها، أما المنتمون للفكر المتخلف- إذا جاز أن نسميه فكرا- فإن لديهم من المتفجرات والقنابل ما يكفي لا لتحطيم أبي الهول والأهرام فحسب، وإنما ما يكفي لتدمير قرى بأكملها بحجة أن سكانها ليسوا مسلمين، وما يكفي لنسف بيوت وفنادق بحجة أن السائحين الكافرين يسكنون فيها، وذلك عندما تصدر لهم الأوامر بتطبيق شرع الله وفقا لعقليتهم المتخلفة، وصحيح كذلك أن بعض قادة الشرطة المصرية قد أعلنوا أنهم مستعدون للتصدي لهؤلاء المتخلفين، لكننا – من جهة أخرى- نعرف ما يحدث من قتل لأفراد الشرطة في سيناء وفي مناطق أخرى مأهولة بالثعابين والأفاعي البشرية، وهذا يعني – بمنتهى البساطة- أن الذين حكموا على الأهرام بالإعدام، يمكنهم أن يحركوا الجهلة القتلة لكي ينفذوا تلك الأحكام، باسم الذود عن حياض الإسلام، دون أن يعرفوا أن جوهر الإسلام يدعونا لتفعيل دور العقل، ولا يدعونا للتدمير وللقتل.
فظيعٌ أمرُ ما يجري- وأفظعُ منه أن تدري .. هذا ما كان الشاعر اليمني الكبير عبد الله البردوني قد قاله، وهو يتحدث عن أوضاع اليمن، لكن ما يجري من فوضى سائلة ولزجة على الأرض في مصر وفي دول عربية أخرى، يحتم علينا أن نردد من جديد: فظيع أمر ما يجري- وأفظع منه أن تدري !
magnoonalarab@yahoo.com
التعليقات (0)