بعض الناس لا يفهمون - أو لا يريدون أن يفهموا - الحكمة فى منع الإسلام زواجَ المسلمة من غير المسلم ، مع إباحته زواجَ المسلم من الكتابية .. حتى لقد وصل الأمر ببعض هؤلاء الجاهلين والمتجاهلين إلى الافتراء على الشريعة الإسلامية، فوصفها أحدهم بالعنصرية ، وقال آخر : إنها جدار الفصل العنصرى !
والحقيقة أن العلة فى هذا التشريع الإسلامى هى اعتراف المسلم - بحكم عقيدته - باليهودية والنصرانية ، ومن ثَم احترامه لعقيدة زوجته الكتابية ، ولرموز دينها ، الأمر الذى يضمن نفى الحرج عنها فى بيت زوجها المسلم ، بل وتمكينها من الوفاء بكل فرائض عقيدتها .. الأمر الذى لا نظير له عند غير المسلمين إزاء الإسلام .
إن المسلم يقرأ فى القرآن الكريم : (إنا أنزلنا التوراةً فيها هدًى ونورٌ)[المائدة :24]، ( وآتيناه الإنجيلَ فيه هدًى ونورٌ)[المائدة :46]، (آمن الرسولُ بما أُنزل إليه من ربِّه والمؤمنون كلٌّ آمن باللهِ وملائكتِه وكتبِه ورسلِه لا نفرقُ بين أحدٍ من رسلِه)[البقرة :285].. كما يدعو الإسلام أهل التوراة والإنجيل إلى الحكم بما فيهما (وعندهمُ التوراةُ فيها حكمُ اللهِ)[المائدة :43]، (وليحكمْ أهلُ الإنجيلِ بما أنزل اللهُ فيه)[المائدة :47]، أى أنه يوجِب على الزوج المسلم أن يمكِّنَ زوجته الكتابية فى بيته المسلم - من إقامة دينها (اليهودى أو المسيحى)، بل وأن ينفق على تمكينها من ذلك .. وفى هذا نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى عهده لنصارى نجران (ولكل النصارى)، على أنه "إذا صارت النصرانية عند المسلم (زوجة)، فعليه أن يرضى بنصرانيّتها ، ويتبع هواها فى الاقتداء برؤسائها ، والأخذ بمعالم دينها ، ولا يمنعها ذلك ، فمَن خالف ذلك وأكرهها على شىء من أمر دينها فقد خالف عهد الله وعصى ميثاق رسوله ، وهو عند الله من الكاذبين".
وانطلاقًا من هذا التشريع القرآنى والنبوى ، ذهب بعض الفقهاء إلى النهى عن أن يعرض الزوج المسلم الإسلام على زوجته الكتابية مخافةَ أن يقترن العرض بالتأثير!.
وانطلاقًا من هذه الشريعة - التى بلغت فى العدل والسماحة هذا الأفق غير المسبوق وغير الملحوق ! - قال الصحابى حاطب بن أبى بَلتعة (35 ق.هـ. - 30 هـ./ 586 – 650م) للمقوقس عظيم القبط سنة 7هـ/ 628م، عندما حمل إليه رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ".. ونحن لا ننهاك عن دين المسيح ، وإنما نأمرك به".
وهذا الموقف الذى أوجبه الإسلام على الزوج المسلم إزاء عقيدة زوجته الكتابية، هو موقف لا نظير له ولا شبيه عند غير المسلم إزاء المسلمة ، فهو لا يعترف بالإسلام دينًا سماويًّا ولا برسول الله نبيًّا ورسولاً ، ولا بالقرآن وحيًا إلهيًًّا .. ومن ثم فإنه غير مطالَب دينيًّا باحترام عقيدة المسلمة ، ومراعاة مشاعرها الدينية ، وتمكينها من أداء شعائرها ، وإقامة العلاقات الروحية مع مرجعيتها الدينية ، الأمر الذى يشكل مخاوف حقيقية على عقيدتها وحريتها الدينية ، وإيذاءً لمشاعرها إذا هى اقترنت بمَن لا يعترف بدينها ، ولا يعظم رموز هذا الدين ، ويشهد على هذه الحقيقة أيضًا ما يصدر فى المجتمعات والدوائر غير المسلمة من ازدراء لرموز الإسلام ، بينما لا يحدث فى الدوائر الإسلامية إلا الاحترام لرموز الديانات الأخرى .. فهل يفهم ذلك الجاهلون والمتجاهلون؟!
التعليقات (0)