أحدث طرق النصب والإحتيال
(خلّوا بالكم من دفاتر شيكاتكم )
قصص النصب والاحتيال يبدو أنها فاتت كل حدود وأصبح بعضها على عينك يا تاجر في هذا الزمان الذي بات فيه المال والحصول عليه بشتى الطرق والوسائل هو الديدن العام والعرف والتقليد الجديد في مجتمعنا .
ومن أغرب تلك القصص حادثة سرقة تعرض لها أحد الشباب من أبناء أمدرمان حين أفلح بعض اللصوص في فتح أبواب عربته وسرقة بعض محتوياتها من مسجل وراديو وسماعات وأوراق ودفاتر شيكات خاصة به .
وحين إكتشف الضحية السرقة توجه من فوره إلى أقرب مركز للشرطة حيث فتح بلاغا بالحادثة .
وبعد المعاينة والفحص والتحري طلب منه تحرير قائمة بالمفقودات فكتبها جميعا ومن ضمنها دفاتر الشيكات وأرقام الحسابات وأرقام الشيكات وقام بالطبع بالتوقيع على إفادته ، ثم خرج وهو يردد نشيد المطرب محمد وردي:
يـا حارسنا وفارســنا ..... يا جيشــنا ومدارســنا
كــنا زمــن نفتش ليك ..... وجـيتنا الليلة كـايسـنا
وعلى ظن منه أن الأمر قد إنتهى وسيجد اللصوص الجزاء الرادع بعد القبض عليهم متلبسين ببيع وعرض المسروقات في الأماكن التي تعرفها الشرطة ومخبريها جيدا.
وفي صبيحة اليوم التالي توجه الضحية إلى البنك حيث أبلغهم بما جرى وحصل منهم على ما يفيد بإلغاء صلاحية أرقام هذه الشيكات.
بعد عدة ايام من تلك الحادثة وتقديم البلاغ فوجيء أخينا الشاب بالشرطة تطرق عليه باب منزله وتقتاده إلى النقطة ، فظن للوهلة الأولى أنها قد إستعادت مفقوداته وتطلب منه الحضور للتعرف عليها ......
ولكنه ما أن وصل إلى هناك حتى فوجيء بأنه متهم بتحرير شيكات فلكية بدون رصيد أحدهما بأربعين مليون والثاني بعشرين والثالث بعشرة والرابع بـتسعة مليون جنيه فقط لا غير.
الأنكى وأمر من ذلك أن المتقدمين بالبلاغ كانوا موجودين في إنتظاره لدى الشرطة ولكنهم لم يتعرفوا عليه .وافادوا بأنه ليس الشخص المطلوب وأن الشيكات قد قدمها لهم أشخاص آخرون إشتروا منهم بضاعة أخذوها وذهبوا . وحين تقديمهم هذه الشيكات إلى البنك افادهم بأن التوقيع مزورة ولايمت إلى توقيع صاحب الحساب بصلة .......
لم تأخذ الشرطة بأقول الضحية (المتهم) وقررت حبسه لديها إلى حين عرضه في اليوم التالي على النيابة التي لم تطلق سراحه إلا بكفالة مالية باهظة سددها له شقيقه وريثما يتم توليف الدعوى ضده وتقديمه للمحاكمة بتهمة تحرير شيكات بدون رصيد والإستيلاء على بضائع من الغير بدون وجه حق ......
المضحك والمثير للدهشة أن النيابة سارعت بتوجيه الإتهام لصاحب دفتري الشيكات المسروقان دون أن تأخذ في الحسبان حقيقة قيام لصوص بسرقتهما ... ودون أن تكلف نفسها خلال التحقيق عناء الأمر بالبحث والتحري عما إذا كان صاحب الشيكات المسروقة قد تعاطى ببضاعة بالبيع والتخزين والنقل .... ودون أن تسأل التجار الذين تقدموا ببلاغ عما إذا كانت أصول التجارة تقتضي أن يبيع التاجر بضاعة بمبالغ تصل إلى أربعين وعشرين وعشرة ملايين جنيه سوداني لأشخاص مجهولين ، ودون أن يكونوا على معرفة بمحرريها ودون أن يتحققوا من شخصية أصحابها ومطالبتهم بما يثبت شخصيتهم وأسمائهم وعناوينهم ... إلخ ؛ وذلك من واقعة أن هؤلاء التجار قد أقروا في محضر البوليس أنهم لا يعرفون المجني عليه وأن من قدموا إليهم الشيكات وإستلموا منهم البضاعة إنتحلوا إسمه وشخصيته.
آخر ما لجأ إليه الموظف المجني عليه المسكين الذي لا يزال واقعا تحت تأثير الصدمة هو تكليف محامي للدفاع عنه وإضطراراه لدفع أتعاب هذا المحامي من راتبه الشهري المحدود لمتابعة الدعوى مع دفع الرسوم رغم أنه مجني عليه .....
وحيث من المتوقع أن يطلب المحامي في أول جلسة من المحاكمة تحويل الشيكات إلى إدارة التحقيقات الجنائية حيث يمكنها وبسهولة ، ومن خلال معاملها الجنائية وخبراء الخطوط فيها من تحديد ما إذا كان صاحب هذه الشيكات هو بالفعل الذي قام بملء بياناتها من أسماء مستفيدين والأرقام والتواريخ وزور توقيعه بنفسه من عدمه؟
ولكن من ناحية أخرى فإنه وفي هذه الحالة يجب عدم إخراج التجار الذين تقدموا بالبلاغات ... يجب عدم إخراجهم من دائرة الإتهام وشكوك التواطؤ مع اللصوص ؛ أو أن يتم تكليف الشرطة بالبحث عن الجناة اللصوص الذين سرقوا دفاتر الشيكات من عربة المجني عليه والقبض عليهم بطرقها المعروفة ومن خلال مخبريها المنتشرين في جميع أنحاء السودان ؛ بحيث يمكن رصد أن هناك أشخاص ما حصلوا على بضائع وقاموا ببيعها وترويجها في السوق على إعتبار إنها مملوكة لهم دون أن يعرف عنهم أنهم أصحاب تاريخ في السوق أو مقتدرين من الناحية المالية أو لديهم غطاء إئتماني من تجار كبار .... هذا بالطبع إذا أخذت الشرطة هذه الدعوى مأخذ الجد وعملت على إطفاء النار في مهدها قبل أن بستفحل الحريق وتصيبني ويصيبك أيها القاريء الكريم وكل بريء يظن أنه في مأمن .... فالنصب والإحتيال مثل قنبلة الإرهابي الموقوتة تنفجر في أي لحظة ويمكن زرعها في اي مكان وتقتل من ضحاياها البريء تعيس الحظ قبل المقصود.
وسؤال آخر يجب طرحه هنا بقوة ؛ وهو هل من واجب القانون حماية المغفلين من أمثال هؤلاء التجار (بفرض براءتهم من التواطؤ مع اللصوص) اللذين لم يكلفوا أنفسهم عناء التحقق من شخصية اللص حامل الشيك (الشخصي) المزور المسروق ومنحه بدلا من ذلك بضاعة بعشرات الملايين ؟ .... أية تجار ورجال أعمال يتعاملون هكذا مع أشخاص ليست لديهم سابق معرفة بهم ولا يعرفون حقيقة أسمائهم ومكان متاجرهم ودون ضمانات أو تزكية من تجار معروفين في السوق؟
ومنذ متى يمنح التجار في السودان وحتى بلاد الواق واق بضائع بهذه المبالغ لحملة شيكات شخصية ؟ .... أو بمعنى آخر شيكات غير صادرة من مؤسسات تجارية مسجلة ومرخص لها بالعمل وفق مستندات سارية المفعول .... وحيث جميعنا حتى البلهاء منا وعديمي الخبرة التجارية يعرفون أن الشيكات الشخصية لا تصلح عرفا سائدا كمستندات وفاء إئتمانية لدى التجار في السوق عند تقديمها من قبل أشخاص مجهولين بالنسبة إليهم مالم تكن مضمونة السداد من البنك أو ما يطلق عليها (شيك مدير) manager cheque
يبدو أن في الأمر خدعة وتواطؤ ما .... وربما كانت هذه طريقة جديدة من طرق النصب والإحتيال واللصوصية تمارسها عصابات متعددة الأطراف يمكن وصفها بالمافيا .... والتي لا أشك في أنها ستحرق بنيرانها ولهيبها العديد من حملة الشيكات وغير الشيكات من المقيمين والمغتربين لاحقا ، بعد أن ينتشر هذا الأسلوب إنتشار النار في الهشيم وتصبح موضة العصر. ووفقا لعادة وميكانيزم التقليد والمحاكاة الذي يشمل كل شي إبتداء من محاولة جلب المرتزقة لغزو العاصمة مرورا بالغناء وإنتهاء بالنصب والسرقة والإحتيال ..... وسيظل النصب الجديد متواصلا على هذا المنوال السهل فترة من الزمان . وإلى أن يلاحظ كبار المسئولين في الأجهزة الأمنية والعدلية تكرار الأسلوب وتحوله إلى ظاهرة فيتم التدقيق بشأنها فتختفي ويختفي معها مرتكبيها والمتواطئين معهم بعد خراب مالطا ، وبعد أن يكونوا قد أتخموا جيوبهم بالأموال والمنقولات التي يساومون بها الضحايا المغلوب على أمرهم لسحب الدعوى من أروقة المحاكم ..... وترتيبا على ما جرى فلربما لا يحتاج أمثال هؤلاء اللصوص الجدد ومن خلفهم حماتهم من المتواطئين معهم .. ربما لا يحتاجون إلى فيما بعد إلى سرقة شيكات الضحية وإنما توقيع إيصالات أمانة وكمبيالات وصكوك مديونية وبيع عقارات مسجلة بإسمه وحتى قسائم طلاق بالثلاثة لحليلته وبأثر رجعي في حالة وجود إرث معتبر تمهيدا لإبتزاز الضحية وسلب ما قد يتوفر لديها من نقد ومركبات ومصاغ وحتى المأوى أونصف راتب المسكين الشهري وإلى أن يحال على التقاعد أو يرحمه الله في هذه الحال بعزرائيل .......
(اللهم لا تسلط علينا من لا يرحمنا ومن لا يخافك فينا)
التعليقات (0)