مواضيع اليوم

أحـداث العيـون هـل هـي بدايـة فشـل تدبيـر ملـف الصحـراء؟

شريف هزاع

2010-12-05 12:41:15

0

 

عبـد الفتـاح الفاتحـي

صـورة المغـرب ستعتـريها تجاعيـد مشوهـة بفعـل أحـداث العيـون
يشير استقراء التحليلات السياسية والحقوقية أنه مهما يكن تفهم المنتظم الدولي لارتباط النزاع في الصحراء بين المغرب والجزائر، فإن دبلوماسية المغرب وصورته دوليا ستكلفها أحداث العيون جروحا غائرة. ولا تزال أحداث العيون تتواصل لتغرز جروحا قويا على صورة المغرب الوطنية الدولية حينما أدان البرلمان الأوربي أحداث العنف في العيون، إدانة انتشت بها أحزاب اليمين الإسبانية حيث استطاعت تحقيق إجماع مجلس الشيوخ الكونغرسو الإسباني (الغرفة السفلى للبرلمان) بالمصادقة على بيان يدين أحداث العنف التي وقعت في مدينة العيون بالصحراء، إثر تدخل قوات الأمن المغربية لتفكيك مخيم الاحتجاج الصحراوي "أكديم إيزيك"، موجها أصابع الاتهام لقوات الأمن المغربية.

ونسجل اليوم أنه بعد اضطراد الزحف الدبلوماسي المغربي خلال العقد الفائت، فإنه اليوم يتراجع أداؤه، حينما لم تستطع سلطاته المعنية استباق أحداث العيون أمنيا ولحجمها اقتصاديا وسياسيا. وبالتالي المحافظة على سمعة الإجماع المغربي عموما والصحراوي خصوصا على تأييد مقترح الحكم الذاتي كورقة قوية تعضد الموقف التفاوضي للمغرب، وتبشر بإمكانية التفاعل الجيد مع مشروع الجهوية المرتقب.

والواقع أن القضية الوطنية الأولى اليوم توجد أمام فوهة المدفع، لحجم الكارثة الدبلوماسية التي يعيشها المغرب غداة توصية البرلمان الأوربي بفتح تحقيق دولي مستقل حول الأحداث في العيون. كارثة سياسية ودبلوماسية كانت لها تبعات سلبية قوية على موقفه التفاوضي حول الصحراء، وعلى صورته الحقوقية.

تؤكد القراءات السياسية والحقوقية لمختلف التفاعلات الدولية رسميا مع أحداث العيون أن صورة المغرب ستعتريها في المستقبل العديد من التجاعيد المشوهة لنموذجيته كديمقراطية ناشئة على المستوى الحقوقي أولا والحريات العامة وحرية العمل الصحفي، حيث تجمع الآن عدد من المنابر الإعلامية الدولية وخاصة الإسبانية أن المغرب يقيم حصارا لمنع الصحافيين من التوجه إلى الأقاليم الجنوبية. وهذه الإدانات لها بدون شك الكثير من التداعيات على المغرب أمام شريكه الإتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما سيرفع من فاتورة المطالب الغربية بتقديم إيضاحات حول هذه الاتهامات الأخيرة وتقديم المبادرات الدالة على تغيير المغرب لمعاملاته قبل التفاوض معه بشأن تطوير شراكته الأوربية.

لكن قراءات أخرى رأت بأن قوة الحملة الدعائية فإنها لم تنل من المغرب كما كان يعتقد الخصوم، خاصة بعد رفض مجلس الأمن إيفاد بعثة إلى الأقاليم الجنوبية لمراقبة الوضع الحقوقي وفتح تحقيق دولي بشأن أحداث العيون. وهو ما اعتبر خيبة كبيرة للبوليساريو والجزائر. وعلى ضوء ذلك اعتبر المغرب قد خرج منتصرا في هذه المعركة المفاجئة. غير أن الإعلام الاسباني والجزائري وعلى الرغم من ثبوت لا مصداقية للأخبار التي نشرت حول الأحداث حينما تم نشر صور وأرقام وتقارير مغلوطة وكاذبة، تأكدت لدى العالم واعتذر عنها، قد استطاع تأليب الرأي العام السياسي للأحزاب اليمينية الأوربية في آخر لحظة ليفسد انتشاء المغرب بانتصاره الصغير.

موقف البرلمان الأوربي وعلى الرغم من لا إلزامية توصيته بفتح تحقيق حول الأحداث، فإنه سيجلب على المغرب ضغطا قويا سيربك الموقف المغربي إلى أبعد الحدود، بل سيعد بداية تراجع الدبلوماسية المغربية التي استطاعت على مسار ثلاثة عقود توليف الآراء الدولية لصالحاها بفضل مبادرة الحكم الذاتي، والتي وصفت دوليا بأنها مبادرة متكاملة وواقعية.

وعلى العموم فإن مصادقة البرلمان الأوربي على توصية إيفاد بعثة أممية إلى الأقاليم الجنوبية لمراقبة الوضع الحقوقية يعني أن إستراتيجية البوليساريو قد عرفت طريقها إلى التحقيق، حيث ظلت على مدار عقد من الزمن عبر دعايتها الإعلامية أن تحول الرأي العام الدولي إلى توسيع صلاحيات بعثة المينورسو قبل وأن تخوض أي مفاوضات جادة مع المغرب.

كما أن هذه الأحداث قد أثرت بشكل كبير على الاستقرار الذي ظل المغرب يعبر عنه خلال سنوات عدة لتشجيع الاستثمار في الأقاليم الجنوبية، وشوشت هذه الأحداث على إجماع الصحراويين في الأقاليم الجنوبية في دعم الحكم الذاتي، وهو ما سيكلف الموقف التفاوضي للمغرب بعضا من قوته في ظل استثمار إعلام الخصوم الجزائر وإسبانيا بأن صحراويي الداخل أعلنوا عبر هذه الأحداث عن رفضهم لمقترح الحكم الذاتي.

أحداث العيون عنوان حرب غير معلنة بين المغرب والجزائر
وقد كشفت أحداث العيون الأخيرة عن وجود اختلالات في تدبير تعبئة الصحراويين في سياق المشروع المجتمعي الديموقراطي الذي بشر الملك محمد السادس بتقوية بنائها حينما أعلن عن مشروع الجهوية الموسعة، جهوية مغربية تحفظ التنوع الثقافي وتقوي الترابط الوحدوي لمكونات المجتمع المغربي.

عدد من المتتبعين أكدوا أن أحداث العيون كشفت أيضا عن زيف نتائج سياسة عقيمة تنتهج في الصحراء، وكشفت عن الحجم الحقيقي لتمثيلية الشيوخ والجمعيات المدنية الداعمة لمغربية الصحراء. وأعادت تساؤل كيف يتم لجم مزعزعي الإجماع الصحراوي حول مغربية الصحراء ومصداقية مبادرة الحكم الذاتي، كما كشفت وجود صراع بين جيل الشيوخ الذين يستفيدوا من ريع الدولة، باستمرار النزاع حول الصحراء، وإن هم فقدوا رمزيتهم وتمثيليتهم على جيل جديد من المعطلين والمحرومين والأرامل والمطلقات.

وحيثما إن الدولة لم تستوعب التغيرات والتحولات التي حصلت في المجتمع الصحراوي، واستمرت في إدارة ظهرها لمطالب جيل جديد من الصحراويين حذا بهؤلاء إلى إعلان عصيانهم للدولة، وأصروا على لي ذراعها حتى تستجيب لما يتيسر من مطالبهم، فكان لهم ذلك، إلا أن مطالب أخرى لمؤطرين سياسيين لاحت في الأفق، دعت بالدول إلى التدخل لتفكيك المخيم.

وهكذا وفي ظل تراجع أداء دبلوماسية الجزائر والبوليساريو لم تجد غير احتجاجات سكان الأقاليم الجنوبية للمطالبة بالشغل والسكن إلى أن توظف على أساس أنها احتجاجات ذات مطالب سياسية.

وعلى العموم فإن أحداث العيون أعادت تسليط الضوء على الحرب الضروس غير المعلنة بين المغرب والجزائر، وهو ما يؤشر على توثر العلاقات إلى أبعد المستويات، في وقت سجلت فيه تحرشات حرب جزائرية مقنعة على المغرب في وقت بات الأخير الأقرب إلى حسم النزاع حول الصحراء الغربية، اعتبارا لمؤشرات عدة منها قوة مقترح الحكم الذاتي، وإعلان المغرب لموعد الإعلان عن الجهوية الموسعة، إضافة إلى الضغط الحقوقي على البوليساريو بعد اعتقال مصطفى ولد سلمى، والنزيف الذي خلفه العائدون الفارين من المخيمات، وهو الذي هدد ما تبقى من بنية البوليساريو، وقد تنبه الخطاب الملكي الأخير في الذكرى 35 للمسيرة الخضراء فسعى إلى تعميقه، حينما أعلن محمد السادس عن إيلاء عناية خاصة للعائدين من مخيمات تندوف حينما وصفهم بـ "رعاياه الأوفياء"، كما أقر بتمثيليتهم داخل المجلس الاستشاري لشؤون الصحراوية في تركيبته الجديدة التي سيتم الإعلان عنها قريبا.

أحـداث العيـون مسؤولـة مـن؟
وكشفت أيضا عقم السياسات الريعية التي تنتهجها الدولة لدعم القضية الوطنية الأولى، حينما صار تدبير الشأن العام في الصحراء محطة مزايدة سياسية داخلية، حيث أكدت عدة تسريبات إعلامية أن حزب الأصالة والمعاصرة كان يخطط بأن يجعل من هيمنته على الأقاليم الجنوبية عنوانا على نزوعاته السياسية المستقبلية في قيادة حكومة ما بعد عباس الفاسي.

ويؤكد عدد المحللين الصحفيين أن بناء استراتيجية الحزب لقيادة الصحراء بناء على "رتوشات سياسية"، تم التخطيط لها عبر التنسيق مع رجالات سلطة مقربين. فمن جهة أقدم على ترحيل عدد من نواب حزب الاستقلال إليه لإضعاف قوة حمدي ولد الرشيد رئيس المجلس البلدي لمدينة العيون، ومن جهة أخرى روج لشخصية محمد الشيخ بيد الله كأمين عام صحراوي يقود أكبر حزب سياسي في المغرب.

تحرك حزب الأصالة والمعاصرة وفق القراءة السالفة يأتي متزامنا وقرب موعد الإعلان عن المشروع المغربي للجهوية الموسعة، حيث يحاول الحزب الترويج لبرنامجه السياسي لقيادة أولى نماذج الجهوية الموسعة بالمغرب في الأقاليم الجنوبية.

وكان حزب الأصالة والمعاصرة قد أفرد حيزا خاصا من تصوره للجهوية للتفصيل في "مقتضيات خاصة حول جهة الصحراء"، فذهب بجرأة وصفت بـ"غير المحسوبة سياسيا" إلى حد اعتبار مجموعة من الجماعات المحلية في الصحراء جماعات وهمية ينبغي إلغاؤها في إطار تقطيع إداري جديد، وهي جماعة العركوب، وجماعة امليلي، وجماعة بئر انزران، وجماعة كليبات الفولة، وجماعة أم دريكة وجماعة ميجك، وبلدية لكويرة، وجماعة اوسرد، وبئر كندوز، وجماعة اغوينيت، وجماعة تيشلة وجماعة تيفاريتي..).

وزكى أعضاء حزب الأصالة والمعاصرة اقتراحاتهم هذه بالمطالبة بإفراد مقتضيات دستورية خاصة بما أسموه "جهة الصحراء الغربية"، مع الإحالة على قانون تنظيمي خاص بالجهة يمكن أن يتم تطوير بنوده في حالة الاتفاق السياسي على المبادرة المغربية للحكم الذاتي.

ويرى بعض الفاعلين السياسيين منهم عبد الحميد شباط عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال أن الطموح الزائد لحزب حديث النشأة، والمفتقر للتجربة السياسية وضعت قضية المغرب الأولى محط مزايدات سياسية دولية لا تزال ترخي بضلالها على الدبلوماسية المغربية، وحولت رخاءها السياسي بعد تقديمها لمبادرة الحكم الذاتي إلى ضغط سياسي متصاعد يذكيه الإعلام الإسباني والجزائري بكثير من التحامل.

توجه سعى عبر بروباغندا لإضعاف النفوذ السياسي لقبيلة آل الرشيد ومن يساندهم، بتحميله فشل تدبير القضية الاجتماعية في الأقاليم الجنوبية، يفسر ذلك بعدم تدخل قيادات السلطات العمومية والأمنية في العيون لمنع تجمع بعض من ساكنة العيون بضواحيها على خلفية مطالب اجتماعية مشروعة، حتى يجد لها "حزب البام" حلا برز في توزيع المزيد من بطائق الإنعاش وتوزيع البقع الأرضية وغيرها.

إلا أن قدر هذه الأحداث أخذ منحى غير متوقع، حين حول انفصاليو الداخل المطالب الاجتماعية إلى مطالب سياسية، واستطاع الإعلام الإسباني في سياق الرد بالمثل على مطالب المغرب بسبتة ومليلية تدويل الأحداث على الرغم من أنها حملت السلطات العمومية المغربية خسائر بشرية ومادية كبيرة.

ويتساءل المراقبون اليوم عن الأسباب الحقيقية التي جعلت السلطات المغربية تفشل في استباق أحداث، وهو ما يشير أن المغرب من الناحية الأمنية بالصحراء يحتاج إلى تدابير ومخططات مندمجة تصل إلى المعلومة الدقيقة بخصوص الأوضاع في الصحراء والمخططات الانفصالية، خاصة أن انفصالي الداخل باتوا يتجولون بحرية أكبر بين المخيمات والأقاليم الجنوبية ويقيمون اجتماعات غير قانونية دون أن تتم العناصر الاستخباراتية المغربية من اختراقهم.

محـلل سياسـي مهتـم بالنـزاع حـول الصحـراء
elfathifattah@yahoo.fr




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات