مواضيع اليوم

أحزان راهبة كاثوليكية

أحمد الشرعبي

2011-07-21 05:06:50

0

 قصيدة / أحزان راهبة كاثوليكية . للشاعر / إبراهيم أبو عواد .

 

خُدودي هِيَ الْمَذْبحُ ، ورَقَبَتي هي المذبحةُ. إنني مَخْنوقةٌ يا كُلَّ صُلبانِ الجسدِ المهشَّمِ الذاهبِ في الضياع كوباً من الشاي المصلوب على خشبة الغُبار . لا مِكياجٌ حَوْلَ ظِلِّ الريح ، ولا عيوني قوافلُ البدو الرُّحَّل . يَتْلون الظِلَّ النحاسِيَّ تُلْموداً لهذه الحجارة، وأينَ ظِلِّي ؟. هل فَكَّرْتَ بالدم يَبْني على رؤوس شعيراتي الدموية ناطحاتِ السَّحاب ؟ . نَشيدُ الريح طلاءُ أظافر للقتيلة . يا كل براميل النفط في مستودعات ميناء السنونو، اقتليني عاريةً من أجنحةِ البجع وتراتيلِ الكنيسة .
عذراً أيها الموتى العُراةُ ، لم أنتبه إلى وجوه الأرامل العابرة خلف زجاج القطارات التي لا ترجع . لو كُنتَ قبضتي لخرجت الأرانبُ من قفصي الصدري ، لكنني أجراسُ الجلاد . مَن أنا لأُحدِّد نوعيةَ مكياج جودي فوستر ؟! .
فلتكنْ حُفْرتي جَرساً في أُذن غزال ، مَن سيتذكر بكائي أمام الموج المتعاون مع رجال المخابرات ؟ . أنا لم أعد أنا ، مَن أنا ؟ . لا شيءَ حَوْلَ اسمي سيعشق صليبي المهجور الذي كسرتُه . وقد يرسم إسفلتُ الوحشةِ صَليباً وَحْشياً على صَدْرِيَ المبعثَر ، حيث لا طفلٌ يلتقمُ ثَدْيي، ولا نشيدٌ وطني لأبنائي في مدارس الخيال. غرقتُ في حليب العشبة الأخضر. وحليبي أكياسُ أسمنت على رصيف الميناء المكسور . مَن أنا لأمنع أنَّا كارنينا من الانتحار ، وكلُّ حياتي انتحارات؟! .
تَكاثرْ أيها الحزن . سَيِّجْني بقيود الغَسَقِ بأُمومة الأرصفة . أُنادي على القتيلات في المرفأ . تتساقط أظافري كالثلج الأخضر في رئة المدخنة . أحببتُ قطتي فَخَانَتْني ، فأين سأجدُ زَوْجاً لا يخونني ؟. دُلَّني يا مَن تمشي على جذوع أشجار الألم ، وتتعاطى وجوهَ الفقراءِ . وَحْدَها الماريجوانا مَن سَتقرأ وجوهَ طالبات هارفارد العابرات إلى نباتات اللاعودة . مَن أنا ليعتذر لِيَ اللصوصُ عن سرقة الشعب ؟! .
سأعود لكيلا أعود ، فانهضْ من موجز تاريخ الحزن وتَقَمَّصْني . أنا خشبةُ المسرح ، لكنني لا أعرفُ وشمَ النعال التي ستركض على جسدي . لا تسحقيني يا أمي ، واتركي أبي يمارس هوايته في وأد البنات. كُلُّ وجهٍ مطرٌ على أرضٍ لا تعترفُ إلا بالجلادين . فلتفرشْ مرايا الطوفان عِظامي أجنحةً صناعيةً للنَّعامات المشلولة .
يا جارنا الراكضَ على حواف الكرسي المتحرك ، ولا تملك ثمنَ مخدة تنام عليها، كُلُّنا كراسي أشباحٍ، وعروشٌ تقتل ملوكَها كالنمل الأحمر الرومانسي. مَن أنا لأقول لابنةِ القَيْصر : كُوني أقل تفاهةً من لاعبات التنس الصربيات ؟! .
المطرُ ينقر جسدي الخريفي كشتاء خارج من غرفة العناية المركَّزة . لا تسألني لماذا أموت خمسين ألف مرة في الثانية الواحدة ، لأن قلبي أسئلة القش بلا إجابات معقولة . يومياتُ امرأة تكره نفسَها لا تنسى وجهَ جلادها تخون زوجَها مع أنها غير متزوجة . احتضاراتُ مُراهِقة تتاجر بثدييها في المسبح المختلَط .
إلى ما وراء برقوق الجنس أنظر، إلى دم الولادة على أغصان الرعشة النهائية ، حيث اللاعودة تصير عودةَ نوارس محكومة بالإعدام . أنا أكرهكَ لأني أحبكَ . منتهى التشويش في ذاكرة رقائق البطاطا. على طاولات المطعم تجلس عظامي المبتلةُ بالسيانيد . إن يستلقِ الفيضانُ على رموشي يرمِ الضبابُ ملابسي على حبل مشنقة عابرة . افهمني أيها الأسمنتُ الملوَّث بمرايا العذارى العاشقات . لماذا نقتل الحب باسم الحب ؟. لن أرسم الصليب على صدري المهجور قبل أن أنتحر مثلما فعلت أنَّا كارنينا ، لأن كل ذكرياتي انتحاراتٌ .
إسهالٌ خفيف أصاب العشبَ المحاصَر . والماعزُ يكتب واجباتِه المدرسية على سطح كوخي . في أقاصي أنوثتي تنبت ذكورةُ النهر، لكنني المشنوقةُ اللازوردية بلا أرقام سجناء ، وتاريخي ضد تاريخي . إن أعضائي تتآكل ، وكرياتُ دمي تتقاتل فيما بينها على أماكن النفوذ في شواهد القبور. مَن أنا لتنتظرني ولادة بنت المستكفي على أبواب محاكم التفتيش ؟! .
أَزمنةُ الحطب تصير مكاناً يختبئ فيه الخيالُ خوفاً من علبة مكياجي . لمن أتزين أمام مقصلة الرماد ؟ . أحفرُ في دماغ نحلة اسمَ عائلتي التي لا تزورني إلا في مواسم احتضاري . جنازتي ستصير ملتقى العشاق الفاشلين . سوف يلتقي الشابُ المهذَّب بابنة الجيران، ويستمعان إلى وصايا الغبار، ويذهبان إلى الانتظار في محطة القطارات الفارغة جراء الإضرابات . ربما يحصل الزرنيخُ على جائزة الكلب الذهبي في أحد المهرجانات السينمائية، حيث تصير جدائلي صالة سينما لرجال المخابرات المخلِصين للحطب .
لا رَجُلٌ أموت على صدره ، ولا سيارةُ نقل الموتى ستنحت على خاصرة رقصة الموج شاهدَ قبري . لو مرَّت على كفني الجاهز الأشجار المسافرة فلا بد أن أعود مع الفجر في مساء خريفي . مَن أنا لأُدرِّب الكلابَ البوليسية على الملاعب العشبية ؟!.
يوم كانت أنوثتي علبةَ سَرْدين كان أبي يخون أُمِّي مثلما تخون الخيانةُ بناتِ الرمل. يا حماري المكتئب حاول أن تفهم لغةَ أبقاري . يا حائطَ الوداع افهمْ مشاعرَ الوسادة . لا أعيش إلا مع دبابيس تزرع الحشيشَ في مسامات جِلدي. ودمي لا يقبل القِسمةَ على اثنين. وجسدي عاجزٌ عن الانصهار في جسد رَجُل .
إنني وَرَقُ اللعب على طاولة لاعبة قمار شابة ومحترِفة . إن أطنان المكياج على وجوه المذيعات المقرفات اللواتي يتم اختيارهن حسن حجم أثدائهن المسرطَنة تحمل لونَ دم الحيض. تعادل دمُ الحيض مع دم المكياج في المباراة التي خسرتها الجواري المبتدئاتُ أمام النخاسين المحترِفين . ساعةُ حائط على ألواح مذبح سوق النخاسة . أيتها الجواري المحنَّطات اركضنَ إلى مجلس الخليفة غير الشرعي ، وارقصنَ أمامَه لتتفشى الجماجمُ في طرقات الحلم . مَن أنا لأصبغ البحرَ الأبيض بلون دمائي البنفسجية ؟! .
حياةُ هذه القتيلة في اضمحلال ذكريات العشاق الفاشلين . إنني انقلابٌ عسكري ، فروحي تنقلب على قلبي،وقلبي ينقلب على رئتي، وعيوني تنقلب على أطرافي، وكبدي ينقلب على معدتي. رضعتُ مع حليب النحل أعوادَ المشانق والمجازرَ والاغتيالاتِ والانقلاباتِ ومحاكمَ التفتيش وصكوكَ الغفران . إنني عنصر الهيدروجين .
أُمراءُ الحرب وديمقراطيةُ القراصنة وتاريخُ أحجار الكبت الجنسي. وَحْدَها حيطان الدَّير تفهم أنيني الدامي . افْهَمْني يا حطبَ المدخنة كما تفهم سياراتُ نقل الموتى أشكالَ التوابيت . مهاجرةٌ أنا إلى زجاج البروق المعتمة ، ولا أملكُ سوى الوهمِ الخشن الذي سَأُعَلَّق عليه في نهايات خريف الجرح . أتقاسم الوهمَ مع حطب الذكريات القاتِلة .
إذا اتصلت بي أنا كارنينا بالهاتف الخلوي فأخبروها أنني أُشرَّح على خشبة المذبح ونقَّالات المعْبَد . قضيتُ حياتي على قمة إيفرست أتسول الضوءَ من شمس تكرهني لأن حَلْقي جحرُ فئران ، وعيوني خفافيش . يا قلبي البائس الطريد المنفي المتذبذب بين الأضداد ، أنا وأنتَ قضينا حياتنا كجرذان نيويورك ، لكننا لم نسترحْ على أثاث مكاتب ناطحات السحاب .
في الثانية عشرة زارني دم الباركنسون وعرقُ مراعي السل، وفي الخامسة عشرة عانقتني تجاعيد النيازك ، وفي الثامنة عشرة دخلتُ في شيخوخة الحطب . وفي العشرين انتحرتُ ، فصارت حياتي كينونة الانتحارات عطراً مغشوشاً مزروعاً في مبيدات حشرية متكوِّمة في زوايا حياتي اللاحياة . إنني شبح مستودعات الميناء ، وهذا ما بقي من وجهي المشروخ . وأنا الآن في التاسعة والثلاثين . إن حياتي متوالية هندسية من الانتحارات. ورَحِمي أقواسٌ للهزيمة ، فازرعيني خَوْخاً للاكتئاب أيتها الغريبة المتجمِّعة حول البئر . يا كل البغايا الراجعات من تجميع الزبائن، احرثنَ وجهَ النهر بارتعاشة الجنس في أجسادكن الملوَّثة بالزرنيخ . تحفر السيول في جدائلي شوارع من الشوكولاتة ، وتنصب ابتساماتُ السنجاب في أوداجي إشاراتِ مرور لسيارات لا تتحرك . بلادي راقصة باليه مبتدئة ضاعت في كواليس المسرح ، والراهباتُ يمشينَ في جنازة القيثار .
أحمل الرقم القياسي العالمي في الصدمات العاطفية . أَنْفيَ المتحدِّثُ الرسمي باسم القنفذ المصلوب، وجسدي خازنُ بيت الأحزان . أنا المقتولة في كل مساحات بلاط الأكواخ النائية . مُخَدَّرٌ لحمي كأنني منقوعة في كل تواريخ السيانيد والأفيون. اقتلني يا ضوء المطر دون أن تخدشني لكي أتحرر. مهاجرةٌ أنا إلى صوتي المذبوح والعناكبُ والمجازرُ وسورُ المقبرة الزجاجية . بين لساني ولعابي حقولٌ من اليورانيوم المخصَّب .
جارتي عازفة البيانو تخون زوجَها مع أحد تلاميذها ، ولاعبةُ القمار ليس لديها وقتٌ للطبخ والاعتناء ببيت الزوجية. كل عضوٍ في جسد الشاطئ المسبيِّ حطامٌ كلاسيكي . وينمو في شرايين الضباب دمٌ غريب . عزيزتي النار ، أنتِ الحاكِمةُ العسكرية على قلبي الذي تقاسمه الغرباءُ الذين أَحْبَبْتُهم ورَحَلوا . هي خدودي المطفأةُ مناجم فحم، لكنَّ العُمَّالَ مُضْرِبون . فاقطعني أيها الكربون وردتين مثلما يقطعُ الماسُ أثداءَ الأميرات العاريات في صالة الرقص .
إن صدري مزارع الزرنيخ، وعَرَقي مسموم ، وضجري مسمومٌ. إنني السم المترسب في ممالك الضجر. أكذبُ على قلبي وأقول إني أكرهكَ . الدهشةُ مُرْضعتي التي تكرهني، والحطب سائقُ سيارتي المعطَّلة . إن دولة الجنون ماتت ، لم تعد سوى مزرعة حشيش للقُرصان. إذا خانتكَ أظافِرُكَ في معركة العشق فاخلعها وواصل القتالَ لكي تحرِّرني من الأَسر . أكتبُ فلسفةَ اللحم المحترق لأنسى الصدماتِ العاطفية التي احْتَلَّتْني .
زَوْجي مشروعُ أرمل لأن محاكم التفتيش سوف تعذبني حتى الموت ، فابك عليَّ يا رملَ البحر حتى الموت . ليلة إعدامي مولدي ، وأنا التي وَلدتُ خشبَ الغابات المحترق . ودُفِنْتُ ليلاً لئلا ينبش قبري كهنةُ الأسمنت . سيفُ الأدغال المسموم يخترق أحشائي . يا كلَّ النوارس المنفية في أقاصي سعالي ، ارحمي أنوثتي المفخَّخةَ كبراميل النفط في مستودعات الميناء المنسي. اتركوا يا حفاري قبوري الويسكي وركِّزوا في الشمبانيا . اتركوا الماريجوانا وركِّزوا في الكوكايين النقي. يا حزنيَ البلاستيكي الذي لم أستفد منه غير الرَّبو، اصلبني عاريةً من أكوام الشطآن ، وانْهِ اللعبة .

http://ibrahimabuawwad.blogspot.com/




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات