بعد ما تفجرت فضيحة السيليكون الصناعي، الذي انتجته شركة "بولي لمبلت بروتيس"، بفرنسا، ارتفعت سحابة من الشك حول مدى خطورة المواد الشبه الطبية بشكل عام، والتي تتسلل يوميا، و في صمت، دون أن تتحرك السلطات الى سن القوانين المنظمة لردع هذا الخطر الداهم .
فأصداء هذا الحدث لم تنتهي عند حدود فرنسا، حيث نظمت 30 الف امرأة من جمعية "ضحايا السيليكون" تظاهرة امام وزارة الصحة للمطالبة بدفع تكاليف عمليات زرع جديدة، بل امتدت الى دول كثيرة سبق لها ان استوردت منتوجات السيليكون المغشوش و الذي كان وراء اغلاق الشركة المصنعة عام 2010.
واذا كانت ياسمين بادو، وزيرة الصحة السابقة، سبق لها وأن نفت وجود هذه المادة بالمغرب، فان تصريح وزير الصحة الحالي، الحسين الوردي، فند كل ما قيل، ليُقر بان السيليكون الصناعي وليس الطبي، الذي يُعتقد انه يقف وراء وفاة امرأتين حتى حدود الساعة و بات يعرض نساء كثيرات لحالات من السرطان في فرنسا وفي غيرها من بلدان العالم، ولج سوق التجميل المحلية، بل وزاد على ذلك حين دعا النساء، التي خضعن الى عمليات تقويم الثدي، الى إزالة الحشوات المستعلة من باب الاحتياط.
ان وقوع هذا الحادث، الذي شغل بال الرأي العام الدولي والمحلي على حد سواء، لا يجب أن يمر مرور الكرام دون ان تتحمل وزارة الصحة مسؤوليتها في اتخاذ الاجراءات الضرورية لوقف زحف الخطر المتنامي داخل سوق تحقق ارباحا طائلة على حساب صحة المستهلك، فالفراغ القانوني، الذي لم تملأه السلطات بقوانين رادعة، يفسح المجال لعبور الكثير من المواد الشبه الطبية، سواء القادمة من بعيد أو المصنعة محليا، الى متناول المستهلك الذي ينتهي به المطاف ضحية لوصفات "شركات مجهولة الاسم".
فاذا كان إقرار وزير الصحة بدخول السيليكون الصناعي الى المغرب يعتبر خطوة ايجابية في اتجاه تصحيح الصورة النمطية، التي تشكلت لدى الرأي العام عن الناطقين باسم الحكومة، الذين يتقنون فن تغطية شعاع الحقيقة بغربال التصريحات الفارغة ، فالتصريح ينطوي على اعتراف ضمني بالمسؤولية عن تسلل هذه المواد الخطرة لغياب المناعة القانونية في هذا القطاع.
ولهذا فمن واجب الوزارة أن لا تتوقف في منتصف الطريق، بل عليها ان تتجاوز محطة الصدمة، التي احدثتها فضيحة السيليكون الصناعي، وتواصل مسيرتها نحو المحطة الرئيسة، حيث يجب عليها ان تتحمل تكاليف علاج الضحايا، و تستتبع ذلك بفتح تحقيق حول القضية وملاحقة المسؤولين عن الاستخفاف بصحة المواطنين.
صحيح أن عمل الحكومة قد بدأ لتوه ولا يسع المواطن إلا أن يمنحها الوقت الكافي لترجمة التزاماتها ووعودها بالإصلاح على أرض الواقع، إلا أن ضرورة التحرك لوقف التهديد الذي تشكله بعض المستوردات يعتبر اولوية تستدعي مراجعة القوانين التي تمنح الضوء الاخضر الذي يضمن المرور الآمن للكثير من السموم التي تستقر أخيرا في أجساد المغاربة قبل أن تفتك بهم.
فاذا كان الكثير قد تفاءل بالتصريح الحكومي الذي تخللته التزامات رئيسها، عبد الاله بن كيران، فما ننتظره حقيقة هو أن تكلف هذه الحكومة نفسها عناء سن قوانين جديدة لإزالة "السيليكون السياسي" الذي زرعته بعض الاحزاب السياسية داخل "بزولة" الجسم الحزبي، اعتقادا منها بأنها ستنجح في تمويه الرأي العام كي لا يلتفت الى رؤوسها التي اشتعلت شيبا ولم تعد قادرة على قيادة سليمة لأحزابها المتهالكة على طريق تعزيز الديمقراطية الداخلية المطلوبة هنا والآن!
فيبدو أن بعض الاحزاب السياسية، التي ترهلت نتيجة لقلة الحراك الداخلي وطول جلوسها على كرسي السلطة، قررت اللجوء الى القيام ببعض العمليات التجميلية الموضعية عوض المبادرة الى التخلص من "الوزن الزائد" لتواجد الذكور في الاستحقاقات الانتخابية.
ولهذا فقد اصبح من ملحا وعاجلا أن تعمل الحكومة الحالية على شق القنوات القانونية، من داخل المنظومة الحزبية، التي ستمكن النساء من تمثيلية مهمة على رأس لوائح التنافس الانتخابي.
فالتباكي الذي سمعناه من طرف بعض "التقدميين"،ــ نسبة لحرصهم الدائم على التواجد في المقدمةــ، والذين يدعون الدفاع عن المرأة ومناصفتها والحرص على الاهتمام بقضاياها وانشغالاتها الحقيقية، ليس دليلا ملموسا على رغبتهم الملعنة في أن تتبوأ المرأة المكانة اللائقة بها، بقدر ما هو مزايدة فارغة لا تعدو أن تكون عملية تجميل غير موفقة لزرع "سيليكون سياسي" داخل الجسم الحزبي المترهل.
فلو كانت هناك إرادة حقيقية لإنصاف المرأة، لسعت هذه الاحزاب السياسية، ومنذ مدة، الى الاقرار بوجود هذا الترهل الذي يستدعي عملية "تقويم هيكلي شامل " من خلال توسيع دائرة حظوظ المرأة عبر تمثيليتها المكثفة على رأس اللوائح المحلية، التي ستؤمن لامحالة وصولها الى البرلمان ثم الحكومة، دون الحاجة للتعويل على انتقالها عبر كوطة اللائحة الوطنية التي اوصلت لوحدها 60 امرأة من اصل 67 هو العدد الاجمالي للنساء البرلمانيات.
اما "الوقوف" المزعوم الى جانب النساء البرلمانيات، وهن تعبرن عن احتجاجهن الصامت على ما اعتبرنه اقصاء للمرأة في حكومة بن كيران، هو أكبر تعبير عن احتقار المرأة والرجل على حد سواء، فالحائط "العازل"، الذي ارتفع عقبة في وجه طموحات المرأة المشروعة و الذي ظل هؤلاء "المتعاطفون" مع المرأة يتباكون أمامه، لم يكن ليكون أصلا لو لم تساهم هذه الاحزاب السياسية في بنائه عبر تغييب المناصفة و اقصاء المرأة من ترأس لوائح الدائرة المحلية.
إنه لمن غير المنصف أن تُحمل بعض "الناشطات" حزب العدالة والتنمية لوحده المسؤولية عن غياب تمثيلية مهمة للنساء في الحكومة، علما ان الجميع يدرك ان المشكل يضرب بجدوره في حقل ثقافة راسخة، لم تعمد الاحزاب السياسية، وللأسف، الى المساهمة في خلخلة ركائزها، بل على العكس تماما، فهاكم احزابا تدعي الحداثة واحترام حقوق المرأة لم ترى ضرورة في السباحة ضد تيار المجتمع الذكوري الجارف في محيطها!.
فأحزاب سياسية مثل التقدم والاشتراكية و الاستقلال والحركة الشعبية، والتي احتجت على بنكيران قبل ان يشرع في القاء تصريحه الحكومي، رغم مشاركتها في الحكومة، لم تعمد الى استوزار النساء خلال مشاورات تشكيل الحكومة، ولا هي قد ساهمت أصلا في تعزيز تمثيلية مهمة للمرأة على رأس اللوائح المحلية، تماما كما فعل حزب الاتحاد الاشتراكي المعارض، في حين ان المرأة الوحيدة المتواجدة في الحكومة تنتمي الى حزب العدالة والتنمية.
ولهذا فما على الذين يرغبون، من داخل الاحزاب السياسية، في أن تصل نساء كثيرات الى الحكومة، إلا ان يفسحوا لهن المجال للصعود بسهولة على سلم الانتخابات، وبعد ذلك فليعمدوا الى استوزارهن حين تُقترح عليهم حقائب وزارية، أما الصراخ الفارغ من داخل البرلمان او خارجه فهو لا يعدو أن يكون تعبيرا شفويا لا يعكس الرغبة الحقيقية في ازالة "السيليكون السياسي" من "بزولة" أحزابهم المترهلة.
التعليقات (0)