أحداث فرنسا .... ردود الأفعال العربية والإسلامية
مصعب المشرّف
15 نوفمبر 2015م
لست هنا بصدد السرد وإعادة الإخبار عن الأحداث الإنتقامية التي تعرضت لها العاصمة الفرنسية مؤخراً على يد عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ..... فمثل هذه الأحداث الدموية حين تتعرض لها إحدى عواصم العالم من الفئة الخاصة. فإنه عادة ما يتفاعل معها القاصي والداني .. ولم لا .. ألا يقول المثل : "اللي عنده يُعطى ويُـزاد"؟
ولكن الذي يستحق الرصد اليوم هو تلك الردود الأفعال التي جاءت من جانب الشباب العربي والمسلم من بين تعداد المليارين نسمة ؛ من الصين شرقا إلى نواكشوط غرباً وغانا جنوباً.
وبالطبع فإننا لايهمنا هنا رصد ردود الأفعال الحكومية الرسمية في دول العالم الإسلامي الذي يشمل بالضرورة العالم العربي ... ولا نرغب في التطرق إلى ما إمتلأت به صفحات أبواقها من صحف ومجلات ورقية ... فالصحافة والإعلام في الدول الإسلامية ليست سوى لسان حال الحكومات لاغير.... وجميعها تتوخى رضا السفارات الفرنسية في بلدانها ,. وتضع نصب أعينها مدى رضا الخارجية الفرنسية عنها خوفاً من بطشها وطمعاً في فرنكاتها.
ومن ثم فنحن هنا إنما بصدد رصد ردود أفعال المواطنين العاديين من الشباب والمثقفين التي إمتلأت بها المواقع الألكترونية من مجلات حرة تكفل الرأي والرأي الآخر .. وكذلك وسائل التواصل الإجتماعي .
والذي يتبين من جميع وبعض ردود الأفعال هذه أنها جاءت في أغلبيتها الساحقة غاضبة محتجة على الأسلوب الذي يتعامل به العالم الغربي مع الأحداث الجسام التي يتعرض لها الأقليات المسلمة في عدة بلدان آسيوية ؛ منها على سبيل المثال ما تتعرض له الأقلية المسلمة في ميانمار (بورما) من إبادة جماعية منظمة . وحرمان من حقوق المواطنة وتهجير إلى المجهول في ظل تجاهل وصمت مطبق من هيئة الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ..... وجميع الدول التي تدعي التعاطف مع الأقليات من شعوب العالم الثالث.
ردود الأفعال التي أفرزتها مواقع التواصل ؛ جاءت فاترة باردة لجهة التعاطف مع الدولة الفرنسية ... وقد تراوحت المبررات ما بين إتهام للغرب الأوروبي بالكيل بمكيالين تجاه القضايا العربية والإسلامية الملحة العادلة ..... وجاءت بعض ردود الأفعال الأخرى تحمل إجتراراً لتاريخ الإستعمار الفرنسي البغيض في بعض الدول العربية والإسلامية .. هذا التاريخ الذي تلطخت معظم صفحاته بدماء الأبرياء الذين سقطوا ضحايا جرائم بشعة إرتكبها الغزاة الفرنسيين أو جيوشهم المحتلة عن رضا وتفويض من باريس.
ومن بين كل هذا الذي أفرزته مواقع التواصل الإجتماعي . ينبغي هنا أن يتوقف الجميع في الغرب الأوروبي والولايات المتحدة عند واقع أن الشباب العربي ليس بمغمض العينين أو أنه فارغ وجاهل .....
لا بل ويجب التوقف عند حقيقة أن هناك راي عام عربي إسلامي مختلف في ردود افعاله وتوجهاته عن أنظمته الرسمية الحاكمة وأحزابه السياسية.
ثم أنه ليس من مصلحة الغرب الأوروبي والأمريكي والروسي تجاهل هذا الرأي العام في الشارع الإسلامي والعربي ....
لقد أدى هذا النمط من التجاهل في الماضي والرضا بالكنس تحت السجاجيد .... أدى إلى تنامي التنظيمات الجهادية وتشعب جذورها في أعماق المجتمع الإسلامي ؛ بوصفها القادرة وحدها اليوم على هز كراسي حكام الغرب ، وزلزلة الأرض تحت أقدام شعوبه وتنبيههم من غفوتهم أو النوم في العســل.
ولايبدو أن هناك اليوم من مناص سوى أن يعي هذا الغرب أن إستقراره ونجاحه في الحفاظ على مكتسباته التي حققها طوال سنوات في الحرية والتنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان لمواطنيه .... لن ينجح في إستمراره على هذا النمط والرخاء إلا بالتعامل الجدي الحاسم العادل مع قضايا شعوب العالم الثالث عامة والعالم الإسلامي والعربي خاصة ؛ وبما يكفل صيانة الإستقرار في أراضيه وعلى رأسها العراق وسوريا وفلسطين ولبنان وأفغانستان ... ثم والتعامل الأممي العادل مع قضايا الأقليات المسلمة في ميانمار والفلبين والشيشان والتبت وبعض دول غرب أفريقيا .
التعليقات (0)